خبيران في مكافحة الإرهاب: طالبان الآن أكثر صلابة

خبيران في مكافحة الإرهاب: طالبان الآن أكثر صلابة


كاتب ومترجم جزائري
28/09/2021

ترجمة: مدني قصري

وفق الخبيرين، مارك هيكر وإيلي تينينباوم؛ يجب ألا نستبعد عودة ظهور الحركة الإرهابية التي أسّسها أسامة بن لادن في أفغانستان. الأمر مخيف.

اقرأ أيضاً: هل عادت حركة طالبان إلى أسلوب حكمها الأول؟

ونشر المتخصصان في العلاقات الدولية وقضايا الدفاع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، مارك هيكر وإيلي تينينباوم، كتاباً تحت عنوان "حرب العشرين عاماً والجهاد ومكافحة الإرهاب في القرن الحادي والعشرين"/ "The Twenty Years War، Jihadism and Counterterrorism in the 21st Century" (دار روبرت لافونت) في 2021، الذي حاز أعلى جائزة الكتاب الجيوسياسي.

هنا حوار مع الخبيرين مارك هيكر وإيلي تينينباوم:

ما هو الدرس الرئيس للانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟

انتصرت طالبان، لكن ليس فقط بقوة السلاح، اِنتصارهم يفسَّر أيضاً من خلال عرضهم لنموذج بديل للحكم، ووعودهم بإنهاء الحرب، استعادت الريف تدريجياً، ثم حاصرت المدن واستعادت كابول في النهاية، لكن ربما لا يكون الجزء العسكري هو الأكثر إثارة للاهتمام، لقد أثبتت حركة طالبان قدرتها على توفير الأمن في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وتكمن قوّتها في أنّها تفهم عِلم اجتماع البلد.

 بدأ احتلال طالبان في 2005-2006 في الجنوب، في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدأت طالبان في تجنيد المؤيدين من جميع المجتمعات، فيما وراء مجموعتها العرقية الأصلية - البشتون، لقد وسّعت منذ ذلك الحين قاعدتها الاجتماعية.

هل معرفتها للبلاد تعزز قدرتهم على مراقبة الإقليم؟

يُظِهر تاريخ حركات التمرّد؛ أنّه بمجرد وصولها إلى السلطة، تحاول الحفاظ على سيطرة اجتماعية صارمة على السكان، وهذا لا يعني أنّ طالبان تسيطر الآن على كل شيء، لكن هذا يعني أنّ تنظيم طالبان وإدارتها أقوى ممّا كانا قبل عشرين عاماً. منذ الإطاحة بها من السلطة، عام 2001، أعادت هيكلة نفسها وتعزيز قدراتها وتنظيمها. على العكس من ذلك، فإنّ الدولة الأفغانية، التي أقامها الأمريكيون، والتي بقيت قائمة على مدى عشرين عاماً، اعتمدت كلياً على المساعدات الدولية، فلم يكن لها وجود بذاتها إطلاقاً، هذا الافتقار للشرعية هو الذي يفسّر افتقارها إلى جذور.

هل هو نصر كامل إذاً؟

لم يسبق لأيّة قوّة في أفغانستان أن سيطرت على البلد بأكمله، إنّه بلد معقد، جبلي، محصور، ولطالما كانت هناك وديان متمرّدة، ومناطق رافضة للسلطة المركزية، كان هذا صحيحاً في عهد الملك ظاهر شاه (1933-1973)، وظلّ هذا صحيحاً في ظلّ رئاسة نجيب الله الشيوعي (1987-1992)، وظلّ سارياً في ظلّ نظام طالبان الأول (1996-2001) مع معارضة القائد مسعود في وادي بانشير، وهذا الوضع ما يزال هُوَ هُوَ حالياً اليوم. علاوة على ذلك؛ فإنّ تنظيم دولة خراسان الإسلامية (EI-K 2015)، الذي تأسّس منذ عام 2015، وجد امتداداته شرق البلاد، بالطبع لا يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان على أيّة منطقة بعينها، لكن لديه حوالي 2000 مقاتل، وفق الأمم المتحدة، ولن يختفي في أيّ وقت قريب.

على الصعيد الدولي؛ ما هو الفرق بين طالبان الأمس وطالبان عام 2021؟

صارت طالبان أكثر صلابة، لقد قامت بتنويع دعمها الدولي، بالتالي، نجحت إلى حدّ ما في تخليص نفسها من اعتمادها الكامل على باكستان، لقد اكتسبت مهارات عسكرية وسياسية ودبلوماسية، كما صارت اتصالاتها أفضل أيضاً، نرى ذلك من خلال هجومها المبهر الذي يهدف إلى تقديم نفسها ككائن منطقيّ ومعتدل مقارنة بالدولة الإسلامية التي لها تأثير البعبع.

ماذا عن مهاراتها الاقتصادية؟

تعرف طالبان، على الأقل، كيف تَجْني الضرائب، في المقاطعات التي تسيطر عليها فرضت قواتها الجباية على الزراعة والأراضي والمخدرات، وهذا على أساس الشريعة الإسلامية، كما كانت تحصل على ضريبة التنقلات داخل البلاد، كان يُنظر إلى ضرائبها على أنها أكثر إنصافاً وأقل فساداً من تلك التي فرضتها الحكومة السابقة الحليفة للغرب، والتي كانت تختلس عائدات الضرائب بِنسبٍ أكبر مما كانت تختلسه طالبان، والآن ستزداد شرعية طالبان المالية بعد أن أصبحت في السلطة.

ماذا يمثل الخشخاش في الاقتصاد؟

إنّه، إلى حدّ بعيد، المحصول المتاح الأكثر ربحية للفلاحين الأفغان، يظلّ هذا النبات المنتجَ الأوّل للتصدير، ونشهد أيضاً تطوير "الإيفيدرا" (ephedra)؛ وهو نبات يستخدم لتصنيع الإيفيدرين، والذي يدخل في إنتاج الميثامفيتامين، على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية نما هذا المنتوج الجديد بشكل كبير.

ما مدى تورط طالبان في تهريب المخدرات؟

هذه المسألة تثير الآن جدلاً واسعاً بين المتخصّصين. حاول الأمريكيون، الذين سعوا إلى تشويه سمعة طالبان، أن يضعوا في المقدمة حقيقة أنّ طالبان متورطة في زراعة هذا المنتج وتصنيعه وتجارته، وأشار بعض الجنرالات إلى طالبان بوصفها كارتل للمخدرات، في الواقع، تميل الدراسات الميدانية إلى إظهار أنّ طالبان متورطة نسبياً فقط في تهريب المخدرات؛ فالتهريب عملٌ مقتصر على مقاولين مستقلين صغار، في المقابل، فرضت طالبان ضريبة على الإنتاج والاتجار.

حتى الآن، كانت أفغانستان تعتمد على المساعدات الدولية، وغداً؟

حتى تحافظ على جزء من هذه المساعدات، تحاول طالبان رسم صورة جيّدة عن نفسها، لكنّها سرعان ما ستجد نفسها في مواجهة تناقضات بين برنامجها السياسي والاجتماعي، وتوقعات المجتمع الدولي، إضافة إلى وجود خلافات داخل الحركة بين المعتدلين والأكثر تعصّباً. بين القادة وبين القاعدة، بين كابول والمحافظات، ويكفي أن تُذاع صورُ العقاب البدني أو إساءة معاملة النساء، على سبيل المثال، في المحافظات، لإثارة حركة رأي غربي مطالِبة بوقف المساعدات المالية؛ فالوضع بالنسبة إلى طالبان معقّد جداً: فكلما قدّمت تعهدات للمجتمع الدولي، اتهمهتها الدولة الإسلامية (داعش) بالردّة.

ومع ذلك، فإن البلاد فقيرة بالفعل...

فقيرة جداً، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان عشرين مليار دولار، لما يقرب من 40 مليون نسمة، ومن الصعوبات الأخرى، الجفاف، الذي عمّ في الأشهر والسنوات الأخيرة، والذي من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم الوضع. البلاد مقبلة على مواسم جني سيئة مع أزمة إنسانية محتملة.

هل تستطيع الصين الاستفادة من هذا الوضع؟

من خلال مشروعها "طرق الحرير"، الذي يمرّ عبر آسيا الوسطى، تظلّ الصين نشطة للغاية في بلدان الجمهورية السوفيتية السابقة، لا سيما طاجيكستان، حيث يتم تعزيز العلاقات الثنائية، بما في ذلك الأمنية والعسكرية. للصين مصلحة جوار مباشرة في أفغانستان، لكنّها أقلّ نشاطاً هناك من باكستان وإيران.

أظهرت الوثائق التي تمّ العثور عليها في مخبأ بن لادن، أخطاءً تقديرية كبيرة من جانبه، كان يظنّ أنّ هجمات 11 سبتمبر ستؤدي إلى انهيار الولايات المتحدة

في الواقع، كانت الصين لاعباً متحفّظاً في أفغانستان، التي تؤوي موارد كبيرة نسباً، لا سيما في الهيدروكربونات والنحاس والليثيوم. لقد قامت الصين ببعض الاستثمارات هناك لأكثر من عشر سنوات، ومع ذلك، وبسبب الوضع الأمني​​، لم تنتقل بكين إلى مرحلة الاستغلال المستمر، مع بعض الانتهازية لعب الصينيون الذين لديهم رؤية بعيدة المدى، على الصعيدين: فقد أقاموا في آنٍ علاقات مع كلّ من الحكومة الأفغانية ومع طالبان.

هل ستصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذاً للإرهاب الإقليمي؟

من عام 1996 إلى عام 2001، كانت أفغانستان ملاذاً لتنظيم القاعدة؛ ففي هذا المكان تحديداً تمّ التخطيط لهجوم 11 أيلول (سبتمبر)، على الرغم من أنّ الشبكات الأخرى، مثل خلية هامبورغ، لعبت دوراً مهمّاً أيضاً، بعد ذلك، لم يتوقف التواطؤ بين طالبان والجهاديين، حتى إن خسر تنظيم القاعدة 80٪ من قواته خلال الهجوم الأمريكي، وحتى إن أقصيت طالبان من السلطة، لقد ظلّت الروابط بين هاتين المنظمتين قائمة منذ عشرين عاماً.

حتى تحافظ على جزء من هذه المساعدات، تحاول طالبان رسم صورة جيّدة عن نفسها، لكنّها سرعان ما ستجد نفسها في مواجهة تناقضات بين برنامجها السياسي والاجتماعي

هؤلاء قاتلوا جنباً إلى جنب، كانت هناك توترات، لكن كان هناك أيضاً تبادل لتجربة مشتركة في مواجهة مكافحة الإرهاب الأمريكية، هناك أخوّة السلاح وروابط الزواج، ليس الأمر شيئاً يمكن محوه بسهولة، خاصّة في ثقافة البشتون.

ما هو الأثر الإقليمي لعودة طالبان إلى السلطة؟

تشعر دول المنطقة بالقلق، بسبب إطلاق سراح عدد من الشخصيات البغيضة من السجون في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك أعضاء في حركة طالبان الباكستانية (TTP)، لا شكّ في أنّ  جزءاً من الحكومة الباكستانية وجهازها الأمني ​​يشعرون بالسرور لرحيل الأمريكيين، لكن في الوقت نفسه، قد يخشون حدوث تأثير مرتدّ؛ حيث يمكن أن تنفّذ حركة طالبان الباكستانية هجمات في باكستان، وفي الهند تنذر بعضُ المؤسسات الفكرية والصحفيين بالذعر. نحن نفهمهم: فمنذ عشر سنوات، اجتاح الإرهاب جنوب آسيا. ومن المرجّح أن يعود الصراع في كشمير من جديد. أخيراً، ليست الدول الواقعة في شمال أفغانستان مطمئنة أيضاً: هناك على الأرجح بضعة آلاف من المقاتلين الأوزبك والطاجيك المتواجدين في أفغانستان.

وماذا عن الدولة الإسلامية؟

فشل داعش في الحصول على موطئ قدم في المنطقة وتكرار النموذج السوري العراقي، الذي كان خطة أبو بكر البغدادي الأصلية، في 2015-2016، لقد كان يعتقد في ذلك الوقت أنّ الخلافة السورية العراقية يمكن أن تكون عرضة للخطر، وأنّه سيكون من المفيد وجود قواعد احتياطية، لقد تمّت محاولة ذلك، لكنّ طالبان والحكومة الأفغانية عارضتا محاولات داعش بالسلاح، وفق تقرير حديث للأمم المتحدة، يقدّر عدد مقاتلي داعش ما بين 1500 و2200، وهذا رقم لا يُستهان به، لكنّه بعيد جداً عمّا يحلمون به؛ فهذا العدد لا يسمح لهم بالسيطرة على مناطق واسعة، لكنّه يكفي لشنّ حرب عصابات، وتتمثل إستراتيجية داعش في الأسابيع أو الأشهر المقبلة في تحدّي طالبان، حتى يُثبت أنّ طالبان ليسوا الرجال الأنقياء والأقوياء كما يدّعون، وسيحاول داعش اللعب على التوترات الطائفية، كما فعلا في العراق.

بشكل أوسع ما هو الأثر النفسي لانتصار طالبان على الجهاديين الدوليين؟

إنّه انتصار يعزّز معنوياتهم، انتصار طالبان هذا حُلم الجهاديين في جميع أنحاء العالم، جنوب شرق آسيا، وعلى شواطئ بحيرة تشاد أو في أيّ مكان آخر، ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا النجاح بمثابة خدعة إستراتيجية، وهذا ما حدث في التسعينيات، حيث اقتنعت حركة القاعدة حينها بأنّها لعبت دوراً رئيساً في انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان، بحسب ادّعائها، بفضل انتصار المجاهدين على الجيش الأحمر في أفغانستان، أكثر مما كان انهارُه بسبب سقوط جدار برلين.

اقرأ أيضاً: هل تمهد بكين أمام طالبان طريق الحرير؟

أظهرت الوثائق التي تمّ العثور عليها في مخبأ بن لادن في أبوت آباد، أخطاءً تقديرية كبيرة من جانبه، كان يظنّ أنّ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) ستؤدي إلى انهيار الولايات المتحدة، بسبب الصراعات الداخلية القوية التي ستنتج على رأس الدولة والمجتمع، وظنّ بن لادن أنّه في حالة لم تُحقّق هذه الهجماتُ التأثيرَ المرجو والمتوقّع، فقد تغامر الولايات المتحدة حينئذ بالدخول إلى أفغانستان التي ستصبح بسرعة مقبرتها، لم يتخيل قطّ أنّ أمريكا ستنجح في إطاحة نظام طالبان. باختصار، لقد استخفّ بالخصم، وبالغ في تقدير نقاط قوّته، ومع ذلك، ربما نجحت طالبان في تثبيط عزيمة الأمريكيين بعد حرب استنزاف استمرت عشرين عاماً، لكنّهم بعيدون كلّ البعد عن إركاع الغرب.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lexpress.fr




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية