روبرت مالي: هل هو حقاً صديق الفلسطينيين وعدو إسرائيل؟

روبرت مالي: هل هو حقاً صديق الفلسطينيين وعدو إسرائيل؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
01/02/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

ترى إسرائيل أنّ لها تأثيراً مباشراً وغير مباشر على كلّ التحديات، الداخلية والخارجية، لأنّها تندرج تحت توصيف قاعدة عسكرية واقتصادية قوية في المنطقة، وهي لا تمثّل فقط العمود الفقري الأمني والإستراتيجي في السلم والحرب، لكنّها أيضاً عنصر مهم في الردع الإسرائيلي، وسيتم تعزيز موقفها السياسي ونفوذها على الساحتين الدولية والإقليمية، ومع اختلاف توجهات الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، مع إسرائيل، حول بعض القضايا في الشرق الأوسط، بدأ الخوف في أوساط القيادة السياسية والعسكرية يتصاعد، خاصة مع تعيين إدارة بايدن الجديدة روبرت مالي مسؤولاً عن إدارة الاتصالات مع إيران.

تقف إسرائيل والعالم العربي معاً في ضوء عهد جديد في واشنطن، بينهما شراكة مصالح تعمّقت على خلفية اتفاقيات السلام، ومن المتوقع أن تتّسع

 تعرف إسرائيل مالي جيداً؛ فهو ضدّ سياسات إسرائيل في الشرق الأوسط وصديق للفلسطينيين، كان رئيس مجموعة الأزمة الدولية والمستشار لشؤون الفلسطينيين والشرق الأوسط لدى الرئيس كلينتون والرئيس أوباما، وفي أعقاب محادثات كامب ديفيد، التي شارك فيها، كان هو الذي ألقى بالمسؤولية على رئيس الوزراء، إيهود باراك، بإفشاله المفاوضات وبرّأ ياسر عرفات، وعلى مدى السنين، بعد وفاة عرفات، طوّر علاقاته مع السلطة الفلسطينية.

القلق الأكبر لدى إسرائيل

إنّ ما يشكّل القلق الأكبر لدى إسرائيل، ورود أنباء سيئة عن نية مالي البدء باستئناف محادثات حول الاتفاق النووي، ويرى مالي؛ أنّ إسرائيل هي المشكلة في المنطقة، وليست إيران، والحلّ ينطوي على معالجة هذه المشكلة، وهذا يتضمن وقف الضمّ الزاحف وحماية الفلسطينيين، والتوقف عن مهاجمة إيران في سوريا وحشد العداء الدولي عليها.

 يقترح مالي استخدام الفيتو الأمريكي في الأمم المتحدة، أي الامتناع عن استخدام الفيتو كوسيلة ضغط على إسرائيل، كان هذا القرار وارد لدى أوباما، قبل انتهاء حكمه، في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2016، ويؤمن مالي بالعمل المشترك مع الاتحاد الأوروبي وباقي المحافل الدولية، كما أنّه يقترح فرض الرقابة على استخدام إسرائيل للمساعدات الأمنية والعتاد الأمريكي، ويرى في المعالجة للسياسة الفلسطينية هدفاً للإدارة، وخلق جمهور إسرائيلي يفهم نتائج وضع إسرائيل الدائم في المنطقة، وهو يقصد، على ما يبدو، إبداء قبضة حديدية، توضح للجمهور الإسرائيلي بأنّ هناك ثمناً من الجانب الأمريكي على الاحتفاظ بيهودا والسامرة، وفي المقابل؛ فإنّه يطالب الجمهور والقيادة الفلسطينية بأن يتحدّوا الوضع الراهن بوسائل غير عنيفة في موضوع النووي الإيراني، وما يقلق إسرائيل أيضاً أنّ مسألة النووي الإيراني ليست من اختصاص مالي.

 

انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، كما طلبت إسرائيل، وتشديد العقوبات على إيران، أضعفها اقتصادياً، ولكن جاء بايدن فقرّر إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق
 

لقد انتقد كبار السياسيين والمحللين في دوائر المؤسسة الدبلوماسية تعيين مالي بهذا المنصب الحساس، إذ يدّعي معارضوه أنّ مصداقية وزير الخارجية، بلينكن، ستتضرر إذا ما عيّن مالي، وسيضعف موقف الولايات المتحدة، في كانون الأول (ديسمبر) 2020، وحّد الصفوف بين مجموعة الأزمة الدولية والجسم الذي يترأسه دانييل ليفي، المعروف في محيط إيهود باراك، وبحسب المواقف التي عبّر عنها ليفي ومالي مؤخراً، فإنّهما قريبان جداً في الموضوع الفلسطيني من منظمة بتسيلم الإسرائيلية.

مالي مستعد

 يبدو مالي دبلوماسياً مستعداً، في أقصى الأحوال، لأن يجعل إسرائيل تدفع ضريبة لغرض تحقيق عيش سكانها بأمان، وقيم المساواة والتماثل بين إسرائيل وأعدائها، وأيضاً إشراك الاتحاد الأوروبي، لقد عارض مالي مجموعة المبادئ التي طرحها وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، كشروط لرفع العقوبات عن إيران، مالي هو النموذج الكلاسيكي لشخص يمثل نهجاً أيديولوجياً مؤيداً جداً للفلسطينيين، وهذا النهج يعكس لدى الديمقراطيين تأييداً لإيران، في مقابل ذلك خرجت أصوات من القيادة العسكرية الإسرائيلية، تهدّد أية محاولة لإبرام أيّ اتفاق جديد من قبل الإدارة الأمريكية مع طهران حول البرنامج النووي، رئيس الأركان، أفيف كوخافي، شخصية أساسية في الأمن القومي لإسرائيل، وكلّ كلمة تخرج من فمه تعدّ ذات أهمية استثنائية، وقف ضدّ الاتفاق النوويّ، الذي وقّعه الرئيس الأمريكي باراك أوباما وألغاه الرئيس ترامب من طرف واحد، وندّد برغبة الرئيس الأمريكي الجديد، الذي تولى منصبه أخيراً، باستئناف الاتفاق النووي الذي ألغاه سلفه، ويدعمه في خطوته هذه عدد من السياسيين الذين عيّنهم حوله، وعلى رأسهم وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي.

 

 قال كوخافي: إنّ "الاتفاق النووي الأصلي كاد أن يؤدّي إلى التحوّل النووي للشرق الأوسط"، وأقواله هذه تعدّ رسائل تنبيه إلى الولايات المتحدة؛ لقد سبق لإسرائيل أن تعلمت في الماضي درساً، عندما اصطدمت علناً مع أوباما، لا شكّ في أنّ الاتفاق الأصلي كان مثقوباً وسيئاً، لكنّه أوقف البرنامج النووي العسكري الإيراني، ومنذ أن ألغى ترامب الاتفاق تقدّمت إيران في برنامجها لتطوير خيار نووي عسكري.

اقرأ أيضاً: لماذا يتوقع إسرائيليون نشوب أزمات مع إدارة بايدن؟

 إنّ التعاون العسكري الأمني مع الولايات المتحدة هو عمود فقري مركزي للأمن القومي لإسرائيل، كما أنّ رئيس الأركان قد كشف النقاب عن إعداد بلاده لمخططات هجومية ضدّ إيران، لمنع مواصلة إيران في التقدّم بقدراتها العسكرية النووية، لكن هل الخيار العسكري ضدّ إيران يمكن أن يحصل دون تنسيق وتعاون مع الولايات المتحدة؟ الجواب هنا، بالطبع، "لا"؛ إذا لم يتحقق اتفاق سياسي ستتقدّم إيران في برنامجها العسكري النووي، وهذا تهديد إستراتيجي حقيقي لإسرائيل، وإذا لم تنل إسرائيل تأييد الولايات المتحدة وأوروبا، فستبقى وحدها، ولن تخرج المخططات المختلفة إلى حيز التنفيذ.

اقرأ أيضاً: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. هل يصلح بايدن ما أفسده ترامب؟

 إن المطالب الإسرائيلية من إدارة بايدن بشأن الملف النووي الإيراني واضحة، يتركز أولها في أن يتمّ إيقاف برنامج إيران النووي في القريب العاجل، وإلا فقد تصبح دولة نووية على عتبة نهاية العام الجديد، ما سيغيّر وجه الشرق الأوسط، ويخلق تهديداً عالمياً، وإذا حصل مثل ذلك؛ فإنّ إسرائيل لن تكون قادرة على التعامل مع مثل هذا الوضع؛ لذلك فإنّ هناك احتمالاً كبيراً أنّها ستعمل عسكرياً لمنعه، رغم أنّ ذلك قد يشعل حرباً ستجرّ إليها المزيد من دول المنطقة، وكذلك الولايات المتحدة.

التصريحات النارية التي يطلقها مالي

تخشى إسرائيل، بشكل أكبر، التصريحات النارية التي يطلقها مالي بين الفينة والأخرى ضدّ إسرائيل، ومع وصول بايدن ثمة خوف ينتاب إسرائيل والعالم العربي، وثمة قلق مشترك من استئناف الحوار بين الولايات المتحدة وإيران في الموضوع النووي، من شأنه أن يرفع مستوى ثقة طهران بذاتها، وتشجيعها على تشديد خطواتها الاستفزازية في المنطقة؛ فإسرائيل يشغل بالها الموقف المتشدد للإدارة الأمريكية في المسألة الفلسطينية؛ حيث سيكون مختلفاً بشكل جوهري عن السياسة التي اتّبعها ترامب، فيما ترى إسرائيل أنّ حصول إيران على موافقة أمريكية للبدء بتخصيب اليورانيوم بكميات محدودة مسموح بها، سيجر المنطقة إلى مزيد من الخطر الأمني، خاصة بعد تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ بأنّه إذا امتلكت إيران قنبلة نووية فستسير السعودية في أعقابها نحو الحصول على سلاح نووي، فالمسألة الرئيسة في موضوع المشروع النووي الإيراني لا تكمن في صيغة الاتفاق، بل في نوايا إيران التي تريد من الاتفاق أن يحيّدها.

 الافتراض الذي كان يقف وراء الاتفاق هو عدم الثقة في نوايا القيادة الإيرانية، أو تصريحاتها القائلة إنّ السلاح النووي مخالف للإسلام، كان الهدف خلق فترة زمنية طويلة بقدر الإمكان بين قدرتها النووية عشية التوقيع على الاتفاق، وحتى ما تسمى "نقطة الانطلاق النووية"، وهو الموعد الذي تستطيع فيه إيران إنتاج القنبلة النووية، كان التقدير أنّ إيران في حاجة إلى بضعة أشهر لإنتاج هذه القنبلة، في حين أنّ نقطة الزمن هذه، بعد الاتفاق، ابتعدت على الأقل مدة سنة، خصوصاً بعد أن نفّذت إيران شروط الاتفاق، وقلّصت قدرات التخصيب، لقد كذبت إيران وخدعت العرب على مدى سنوات، ولا يستند أيّ اتفاق معها إلى مصافحة وكلمة شرف، لكنّ الذي يطالب بتشديد الضغط على إيران والتمسك بالعقوبات الخانقة، يريد التوقيع على اتفاق جديد، بشروط وقيود جديدة.

اقرأ أيضاً: إيران توجه رسالة لإسرائيل: لا ننوي التصعيد

تقف إسرائيل والعالم العربي معاً في ضوء عهد جديد في واشنطن، بينهما شراكة مصالح تعمّقت على خلفية اتفاقيات السلام، ومن المتوقع أن يبقى، بل ويتّسع، لأنّه لا ينبع كلّه من خطوات ترامب، بل من تحوّلات عميقة في العالم العربي، سيتميز العهد الجديد بتحديات واضطرارات أكثر من تلك التي وقفت أمامها إسرائيل والدول العربية في السنوات الأربع الأخيرة من ولاية أوباما، لكن لا ينبغي أن نرى في الإدارة الوافدة تهديداً، وفي بعض المسائل، وعلى رأسها تلك الفلسطينية، فهي كفيلة بأن تساعد في حلّ مشاكل تصبح معقدة من يوم إلى آخر، وفي مقابل ذلك تلوّح إسرائيل والدول العربية الصديقة لها بإمكانية التأثير على تصميم وصياغة أهداف الإدارة الجديدة لسياساتها في المنطقة، وذلك باستخدام جهد سياسي وإعلامي منسّق ومشترك بين إسرائيل والدول الأساسية في العالم العربي، حيال الإدارة الجديدة، مع تقديم توضيح حول أضرار قد تحدث جراء خطوة سريعة ومتهورة للتقارب مع طهران.

هموم العالم العربي

 لدى الدول العربية هموم خاصة؛ ففي العالم العربي، خاصّة في مصر ودول الخليج، يوجد خوف من ضغط أمريكي على الدفع إلى الأمام بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بشكل يعرض الحكّام العرب، كضعفاء في نظر جماهيرهم، وهم يتذكرون خطاب أوباما، الذي دعا في أيامه الأخيرة إلى تحقيق إصلاحات شاملة في الدول العربية، والذي عدّه العرب الشرخ الأول الذي أدّى إلى اندلاع ثورات الربيع العربي.

 إنّ الإنجازات الكبيرة التي حققها ترامب لأمريكا وللعالم أوصلت المنطقة إلى حالة من الاستقرار، فانسحاب ترامب من الاتفاق النووي، كما طلبت إسرائيل، وتشديد العقوبات على إيران، أضعفها اقتصادياً، جاء بايدن فقرّر إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق وإلغاء، أو تقليص، العقوبات، ومن ثم الشروع في مفاوضات مع الإيرانيين، بهدف تحسين الاتفاق، لدى إدارة بايدن رزمة من المواضيع، في أغلب الأحوال ستكون إيران على جدول الأعمال الثالث، وفي هذا الموضوع يعتزم بايدن السير في طريق مختلف كلياً عن طريق ترامب.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinion/844047



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية