سياسيون جزائريون لـ"حفريات": هكذا سيكون شكل البرلمان المقبل

سياسيون جزائريون لـ"حفريات": هكذا سيكون شكل البرلمان المقبل


13/06/2021

توجّه 24 مليون ناخب جزائري، أمس السبت 12 حزيران (يونيو)، إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان التعددي السادس، على وقع الصراع المحتدم بين الحرس القديم وفصيل الإخوان والقوى السياسية والديمقراطية.

  وبدأ الاقتراع، كما أفادت الأنباء، في الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي (الساعة السابعة ت غ) ويتواصل إلى الساعة 19,00 (18,00 ت غ)، في أول انتخابات تشريعية منذ انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية السلمية غير المسبوقة في 22 شباط (فبراير) 2019 رفضاً لترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. واضطر هذا الأخير إلى الاستقالة بعد شهرين بعدما أمضى 20 عاماً في الحكم. ويتوقع ألا تصدر النتائج الرسمية قبل الأحد.

اقرأ أيضاً: ماذا قال الرئيس الجزائري عن الإسلام السياسي في بلاده؟

 وتعددت الرؤى فيما يتعلق بالشكل الذي سيأخذه البرلمان الجديد.

 "حفريات" بحثت المسألة مع خبراء ومرشحين وزعامات سياسية حول الانتخابات التي جرت وسط مشاركة 1483 قائمة انتخابية، بينها 837 قائمة تخصّ مترشحين أحراراً، مقابل 646 قائمة حزبية.

 ويذهب الخبير السياسي، هيثم رباني، إلى أنّ البرلمان الجزائري سيشهد تواجد عدد كبير من الأحرار وقليل من الحرس القديم، كما يتوقع رباني تمثيل تيار الإخوان بعدد أقلّ تماماً مثل بقية الإسلاميين.

الخبير السياسي، هيثم رباني

ويشير رباني إلى المراهنة على تشكيل برلمان جديد مغاير في تركيبته لنظيره في عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، على اعتبار أنّ البرلمان الذي جرى حلّه قبل أربعة أشهر، هو نتاج المال الفاسد.

وكشف النائب بهاء الدين طليبة، المدان بــــ 7 سنوات حبساً نافذاً، حقائق مثيرة تخصّ فساد البرلمان، حيث أكّد لقاضي محكمة الجزائر العاصمة أنّ ثمن مقعد الجمعية الوطنية في اقتراع الرابع من أيار (مايو) 2017، كان لا ينزل تحت الــــ 500 ألف دولار، بناءً على توجيهات سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وجمال ولد عباس، الأمين العام الأسبق لحزب الغالبية "جبهة التحرير".

يرى مراقبون أنّ "المقاطعة" ستكون واسعة، ما سيلقي بظلاله على تشريعيات 12 يونيو، وسط هيمنة انطباعين كبيرين لدى الشارع المحلي "لا أمل في المشاركة"، و"لا رضى بالانتخابات"

على النقيض، يشدّد المترشح سعيد يحياوي على استحالة توقع ما ستكون عليه الجمعية الوطنية التاسعة من نوعها في تاريخ الجزائر، ويؤكد: "لا يمكن التكهن من الآن من هوية البرلمان القادم، فما يزال التنافس على أشده، وسيشتدّ أكثر قبل يوم الحسم؛ ففي الوقت الذي تحاول فيه القوائم الحرة مهاجمة الخطاب الحزبي والانتقاص من دور الأحزاب، وتحميلها مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلد، تقوم التشكيلات السياسية بالترويج لمرشحيها بخطاب التغيير، وبقدرتها على الحشد وانتشارها على مستوى كلّ الدوائر الانتخابية، ممّا يؤهلها للتفوّق على القوائم الحرة".

اقرأ أيضاً: الجزائر تضع قائمة بالأشخاص والكيانات الإرهابية... ما علاقة الأمازيغ؟

ويشير يحياوي إلى تركيز القوائم الحرة على حيّز مكاني ضيّق من خلال انتساب المترشحين في الغالب إلى هذه المنطقة أو تلك، وتركيز حملاتها على تلك المناطق فقط، بما "سيضع معظم القوائم تحت مقصلة نسبة العتبة، وهو ما سيسمح بعودة قوية الى المشهد السياسي التقليدي لأحزاب قوية، ونسبة مقبولة من شخصيات مشهورة من قوائم الأحرار بالنسبة إلى الإسلاميين"، ويتصوّر يحياوي أنّ "النتائج لن تكون مفاجئة".

فضاء مختلف

في منظور المترشح الشاب منير بومرداس: "سيكون برلماناً فسيفسائياً لن يحوز فيه أي تشكيل الغالبية لأنّه، وأمام المتغيرات الموجودة في الواقع، ستتقهقر التشكيلات التقليدية كنتاج لقناعات كرّسها حراك 22 فبراير الشعبي، وستبرز أحزاب ناشئة يمكن أن تنافس، لما تحتويه على كفاءات مقدّرة في الواقع..  وسيكون الحظّ الوافر للمرشحين الأحرار الذين يخدمون خيار الرئيس في تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية مستقبلاً، وعليه؛ فإنّ البرلمان القادم سيكون توافقياً أكثر مما سيكون سياسياً حزبياً؛ لأنّ لا أحد سيحوز الأغلبية، بل حتى الثلث الضامن".

المترشح سعيد يحياوي

وفيما يرى الكاتب الصحفي سيد علي عزوني؛ أنّ "كثرة القوائم الحرة جعلت الانتخابات عائلية، ونتائجها ستكون صادمة لهم مما سيؤجج العزوف لاحقاً"، تتطلع النفسانية والكاتبة سميرة بعداش، المرشحة الحرة في حاضرة قسنطينة الشرقية، لتقديم الأحسن والإسهام في تشكيل برلمان نزيه خالٍ من شوائب الوعود الكاذبة والوهمية، وترفض بعداش مقاربة المسألة من زاوية التركيبة، إذ ترى الأهمّ في تقديس العمل للمصلحة العامة والموضوعية في طرح مشاكل الشعب ميدانياً.

مفاجآت محتملة 

يتوقع كمال بن سالم رئيس حزب التجديد الجزائري؛ أنّ البرلمان الذي ستنتجه تشريعيات 12 يونيو، سيكون "فضاء متنوعاً ومختلفاً من حيث الأطياف والمشارب السياسية، وستغلب عليه الكفاءات الشابة من حديثي العهد بالممارسة السياسية، علماً بأنّ 13 ألف مرشح تقلّ أعمارهم عن 40 سنة و74 % منهم من حملة الشهادات العليا.

اقرأ أيضاً: تحضيرات لفتح معبر حدودي وخط بحري بين الجزائر وليبيا.. تفاصيل

من جهته، يبقي الخبير في القانون الدستوري، عامر رخيلة، الباب مشرّعاً أمام "إحداث بعض من القوائم المستقلة للمفاجأة، بالرغم من أنّ غالبية المترشحين تحاشوا خلال سير الحملة الدعائية الحديث في جوانب أساسية، واكتفائهم بالحديث عن تجاوز مرحلة معينة، وكأنّهم متفقون على برنامج واحد".

ورغم انتقاده لـ "هزال" خطابات المترشحين ومستوى الحملة الدعائية التي لم تشعل حماسة مواطنيه لمراودة صناديق التصويت، إلّا أنّ المتخصّص في الشأن البرلماني، عبد الحكيم عباس، يبدي قناعةً بأنّ "سلطة التشريع مستقبلاً في الجزائر، ستكون بيد فئة النخبة الشابة، وأنّ أعضاء المجلس الشعبي الوطني المقبل، سيشكّلون واجهة جديدة في الحياة السياسية لكون غالبية المترشحين لهذا الموعد الانتخابي يخوضون غمار التجربة للمرة الأولى".

قاعة البرلمان الجزائري

بيد أنّ موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية (حزب قومي معارض)، يربط تركيبة البرلمان بمدى تباعد السلطة مع أساليب التزوير والتلاعبات التي ظلّت حاسمة زمن بوتفليقة، ويركّز تواتي على "هاجس حياد المؤطرين على مستوى مكاتب التصويت"، بعد أن كشفت محاكمات الفساد قبل أشهر حقائق رهيبة عن "المال الانتخابي الفاسد"، و"شراء" حزب بوتفليقة "جبهة التحرير الوطني" "المقاعد في تشريعيات 2017".

بدوره، يتوقع عيسى بلهادي، رئيس جبهة الحكم الراشد؛ أن يكون البرلمان الناتج عن التشريعيات المسبقة، بمثابة "فسيفساء سياسية متكونة من عدّة تيارات، بعيداً عن هيمنة أيّ حزب بعينه"، مقدّراً الإعلان عن نسبة مشاركة ستعطي "الشرعية المرجوة" للبرلمان الجديد، بعيداً عن الممارسات المشبوهة التي كانت تميّز المواعيد الانتخابية السابقة.

الناشط السياسي عبد العالي حساني لـ"حفريات": سيناريو عدم حصول أيّ حزب على الغالبية المطلقة في البرلمان، سيفرض تشكيل حكومة توافقية بعيداً عن نمط "الحكومة الحزبية المنفردة"

في المقابل، ينتقد الناشطان طاهر دزيري وبلقاسم غرام اقتصار المترشحين على "اجترار" دعوات المشاركة القوية، واقتصار الحديث عن البرامج والرؤى على عدد محدود من التشكيلات السياسية والقوائم المستقلة.

وفي استباق لما يتردد عن احتمال اعتماد السلطة "نظام المحاصصة"، قال عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان)؛ إنّ "الجزائر التي ننشدها جميعاً هي التي يصنعها تكامل الأجيال لا صراع الأجيال، وأنّ المبالغة في المحاصصة العمرية والنوعية مضرة بالحياة السياسية وفاعلية المجالس المنتخبة، ولا تتناسب مع القواعد الدستورية".

سيناريو اللاغالبية سيفرض حكومة توافقية

يرى عبد العالي حساني، القيادي في حركة مجتمع السلم (إخوان)؛ أنّ سيناريو عدم حصول أيّ حزب على الغالبية المطلقة في البرلمان، سيفرض تشكيل حكومة توافقية بعيداً عن نمط "الحكومة الحزبية المنفردة"، هذه الأخيرة ظلّت متكرّسة على مدار عشرين سنة من حكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة.

يافطة تشريعيات 12 يونيو

ويؤيد فاتح بوطبيق، القيادي في جبهة المستقبل (حزب قومي ليبرالي)، طرح حساني، بالقول: "الواقع يفرض نشوء حكومة وحدة وطنية، سواء كانت معارضة للسلطة أو حكومة مساندة لبرنامج رئيس الجمهورية، ما يعني أنّ حكومة رئيس الوزراء عبد العزيز جراد، التي ظلت صامدة منذ مطلع كانون الثاني (يناير) 2020، ستنتهي مهمتها مباشرة بعد الإعلان عن تركيبة المجلس التشريعي المرتقب.

اقرأ أيضاً: هل يتكرر سيناريو انتخابات 1992 مع إسلاميي الجزائر؟

من جانبه، يلفت الحبيب براهمية، القيادي في حزب جيل جديد، إلى أنّ "احتمال نشوء برلمان فسيفسائي سيقود حتماً إلى تشكيل حكومة توافقية، لكنّه يشدّد على "وجوب عدم تواجد ممثلي الأحزاب المرفوضة شعبياً ضمن الجهاز التنفيذي"، في إشارة إلى أحزاب جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والتحالف الوطني الجمهوري التي ظلّت تزكّي أكثر القرارات جدلاً في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

هاجس المقاطعة الواسعة

يرى مراقبون أنّ "المقاطعة" ستكون واسعة، ما سيلقي بظلاله على تشريعيات 12 يونيو، وسط هيمنة انطباعين كبيرين لدى الشارع المحلي "لا أمل في المشاركة"، و"لا رضى بالانتخابات"، خصوصاً في ظلّ تواجد أحزاب "العهد البائد"، رغم كلّ الضّرر الذي سبّبته للجزائر على مدار أزيد من عقدين.

وإذا كانت السلطات تراهن على تسجيل مشاركة قوية في الاقتراع الذي بدأ أمس، وتهليل أكثر من مسؤول حكومي لتصوّر مفاده أنّ انتخابات تجديد الجمعية الوطنية، تهم مواطنيهم المهووسين بتعجيل التغيير، فإنّ واقع الأشياء يبرز بجلاء أنّ الرأي العام المحلي غير مكترث بالانتخابات، بشكل يدفع للتكهنّ بتسجيل نسبة مقاطعة قياسية قد تفوق ما كان عليه الحال في رئاسيات 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019، خاصة بعد عجز السلطة، كما الطبقة السياسية، عن استخلاص دروس الماضي، وعدم قراءتها جيداً للرسائل التي وجهتها ما تسمى "الغالبية الصامتة".

وتعددت "التكتيكات" التي وظّفتها الغالبية الصامتة في تعاطيها مع المواعيد الانتخابية الماضية، بيد أنّ الأوراق الملغاة كانت أكثر أساليب الممانعة نجومية وبرزت بحضور قوي ارتفع إلى حدود المليونين.

واستناداً إلى الأرقام التي أعلنها المجلس الدستوري، بلغ عدد الأوراق الملغاة في تشريعيات العاشر من أيار مايو 2012، نحو1.704.047؛ حيث إنّ عدد المصوّتين كان بحدود 9.339.026، لكنّ عدد الأصوات المعبَّر عنها لم يتعدَّ 7.634.979، قبل أن يقفز عدد الأوراق المشطوبة إلى 1.918.278، في محليات 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012.

اقرأ أيضاً: الجزائر: هل تكتب الانتخابات التشريعية نهاية الحراك الشعبي؟

ظاهرة الأوراق الملغاة التي تنامت بشكل لافت منذ الذي حدث في الدور الأول لتشريعيات 26 كانون الأول (ديسمبر) 1991، ليست في منظور ممارسيها "فعلاً عارضاً" أو "عملية مسطّحة"، بل تؤشر إلى "رفض وعاء شعبيّ مهمّ من الرأي العام لخطط السلطة"، وتمثل "إحراجاً" و"هزيمة" للسلطة التي ظلّت تحفزّ المواطنين على مراودة صناديق الانتخاب، ومع ذلك استجاب لها 5.6 ملايين شخص فحسب، في آخر موعد انتخابي من مجموع وعاء يستوعب 24 مليوناً).  

الغالبية الصامتة

يشير محمد شرشال، الذي يصنف نفسه كواحد من (الأغلبية الصامتة)، أنّ سلوك الممانعين هذا لا يعني بالضرورة أنّهم "سلبيين أو استبدّ بهم الرضا بواقعهم، بل هو سلوك ورسالة له أكثر من مغزى ودلالة"، فالأظرفة الفارغة يرفض أصحابها ما يسمونه "تزكية الإفلاس".

والأمر ينطوي، بتقدير أنيس نواري، على رسائل غضب حرص الرافضون للوضع القائم على تمريرها، على منوال أحد عشر مليوناً من المصنفين في خانة "الغالبية الصامتة" الذين حرصوا على تكريس خطاب مفاده "الانتخاب لا يعنينا مع سلطة رافضة للتغيير، ومتشبّثة بثالوث التزوير، المراوغة ومساومة الشعب"، في بلد اشتهر بحسم نتائج الاقتراعات قبل البدء، على حدّ جزم من تحدثوا إلينا.

وتشير معاينات إلى بروز 3 أنماط من الأوراق الملغاة: الأظرفة الفارغة، أو ما تسمى "الأوراق البيضاء"، والأظرفة التي حملت صوراً لنجوم وشخصيات عالمية لا صلة لهم بالمرشحين، فضلاً عن نمط ثالث تضمّن خطابات وشعارات سياسية مناهضة للسلطة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية