"طالبان" وسيناريوهات المستقبل

"طالبان" وسيناريوهات المستقبل


30/08/2021

عبدالله بن بجاد العتيبي

أفغانستان دولة مهمةٌ على مستويات متعددةٍ، سياسياً واقتصادياً ودينياً وطائفياً، وما جرى مؤخراً من الانسحاب الأميركي واستلام «حركة طالبان» للحكم فيها هو حدثٌ تاريخيٌ بكل المقاييس، وبالتالي فمن المهم محاولة قراءة مستقبل هذه الدولة والتأثيرات التي ستطال دول الجوار والمحيط الإقليمي والعالم جرّاء هذه التغييرات الكبرى. هناك عدة سيناريوهات لمستقبل أفغانستان، يمكن عرض ثلاثة منها باختصار، الأول، السيناريو المنشود أو المرغوب أو الذي يتم التسويق له غربياً، وهو أن تتحول «طالبان» لحركة تسامحٍ وتعايشٍ ومحبةٍ وسلامٍ، وهو ما لا يبدو مقنعاً لأحد حتى لمروجيه، لأن التاريخ والجغرافيا، والهويات القديمة من عرقٍ ودينٍ وطائفةٍ، والثقافة والسياسة، كل هذه مجتمعة ربما لا تساند هذا السيناريو، وبالتالي تلغي جدوى طرحه بشكل علميٍ جادٍ.

الثاني، السيناريو المرفوض، وهو أن تعود «حركة طالبان» كما كانت قبل عقدين من الزمن، وهذا سيدفع بالحركة للانتحار السياسي مجدداً، وكل التصريحات المعلنة من قيادات الحركة تشير إلى أنها استوعبت شيئاً من قوة التاريخ والسياسة وقدرتها على إنهاء أنظمةٍ سياسيةٍ تتجاوز المنطق وتخرج من التاريخ، فهو سيناريو كسابقه غير قابل للتطبيق، وحظوظه قليلة، وعواقبه وخيمة.

الثالث، السيناريو الواقعي، الذي لا يتبع وهماً خيالياً ولا ينجرف خلف خوفٍ غير مبررٍ، ويبنى على المعلومات والحقائق، وهو يشير إلى أن «طالبان» تغيرت خلال عشرين عاماً لا باتجاه الانفتاح والتسامح، ولكن باتجاه نموذجٍ جديدٍ من حركات «الإسلام السياسي» يتناسب مع طبيعة الحركة والشعب الأفغاني، وأن علاقاتها بـ «تنظيم القاعدة» أو ما يشبهه من التنظيمات لن تكون فوق الطاولة وبنفس الحدة السابقة، وعلاقاتها بالنظام الإيراني بدأت بالفعل وتبنى على تاريخ ممتدٍ لسنواتٍ بين الطرفين، وهي علاقاتٌ مقبولةٌ غربياً بشرط ألا يتجاوز أي «إرهاب» قد يخرج من أفغانستان الدول الإسلامية إلى الغرب.

السيناريو الثالث يبدو واقعياً ويتعامل مع المعطيات كما هي فلا يغفل تراكمات التاريخ ومنطقه ولا يغفل عن معطيات الواقع وتغييراته التي يفرضها، وهو مقلقٌ للدول العربية والإسلامية على حدٍ سواء، ولكن المستقبل لا يبنى بالأمنيات ولا بالأحلام، بل بالعلم والعمل، وأول شروط العلم المعرفة والتصور والوعي التي يبنى عليها العمل. يتساءل الغربيون، لماذا يمكن لدول الشرق الأوسط أن تتطلع للتنمية والتطور والتقدم، بينما هي كأمم وشعوب لم تنجز الاستحقاقات التاريخية لتجاوز التخلف والتطرف نحو التنوير؟

وهو سؤال مهم، ويشير لمهامٍ حضاريةٍ لم تنجز بعد، وفي الوقت نفسه فالغرب لا يساعد على إنجاز ذلك. السياسات الغربية لا تسمح للدول العربية والإسلامية بإنجاز التقدم الحضاري الضروري لا بسبب «مؤامرة» محكمة، بل بسبب بنية المؤسسات السياسية والمدنية والحقوقية لديها، مع تأكيد أنها لن تكون سعيدة حين يصبح حلفاؤها أقوياء ومستقلين تماماً عنها، والأمر في تجاوز هذه المعادلة غير المنصفة يعود للدول العربية والإسلامية التي تمتلك الوعي المطلوب والقدرة على تجاوز الصعوبات والتأثير في تركيب وترتيب المعادلات غير المنصفة وخلق التوازن المطلوب. «الزمن الأصولي» يتجلى في كل شيء في الشرق الأوسط، دولاً وأحزاباً، أيديولوجياتٍ وجماعاتٍ، مواقع تواصل اجتماعيٍ ومنصاتٍ رقميةٍ، وهو يتعزز ويتقوى لأسباب داخليةٍ ودعمٍ خارجيٍ وإنكاره والتغاضي عنه يسرّع من انتشاره ويزيده قوةً وتأثيراً. أخيراً، فالتعامل السياسي الواقعي والواعي هو الحل العملي للتعامل مع كل الصعوبات الحاضرة والمستقبلية، والعمى عن الحقائق والوقائع ليس خياراً.

عن "الاتحاد" الإماراتية

الصفحة الرئيسية