طالبان وملالي إيران: ثلاثة سيناريوهات محتملة

طالبان وملالي إيران: ثلاثة سيناريوهات محتملة


28/08/2021

إثر وصول حركة طالبان للعاصمة الأفغانية، كابول، والتطورات السياسية والميدانية المتلاحقة، برزت احتمالات عديدة حيال المسار الذي سيتّخذه شكل العلاقة بين إيران والحركة الإسلامية المسلحة والمتشددة.

ورغم التناقض الأيديولوجي والعقائدي بينهما، وكذا الصراع السياسي، في عقود سابقة، لكن يبدو أنّ السياقات العالمية والإقليمية المغايرة، تشكّل، أو بالأحرى تحكم، درجة الخلاف والتنافس، كما تفرض، أحياناً، البراغماتية على الأيديولوجيا.

إيران وحلحلة المواقف الصلبة

ولم يكن التباين في مستوى وحدة الخطاب الرسمي الإيراني، في أعقاب وصول طالبان للعاصمة، وفرار الرئيس الأفغاني أشرف غني، أمراً عفوياً، وقد وصفت طهران الوضع باعتباره "هزيمة عسكرية" للولايات المتحدة، بينما تجنّبت أيّ هجوم باتجاه حكام كابول الجدد، ورأى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، انسحاب واشنطن فرصة لتعزيز "السلام".

كما قام رجل الدين السنّي، مولوي عبد الحميد، والقريب من النظام الإيراني، بتهنئة عناصر ومسلحي الحركة، أثناء خطبة الجمعة في زاهدان، جنوب شرق طهران، وتحدّث عن ثقته بخصوص "احترام طالبان لحقوق المرأة وكرامتها وحقوق الإنسان والحريات الفردية والاجتماعية وحرية التعبير والنقد البناء".

مولوي عبد الحميد

وأردف: "أؤكد للعالم أنّ طالبان اليوم ليست طالبان قبل 20 عاماً، لقد اكتسبوا خبرة وحدثت تغييرات في آرائهم، وإذا كانت هناك نقاط ضعف، فيمكن تصحيحها".

وطالب عبد الحميد، الذي كان أحد الداعمين للرئيس الإيراني في الانتخابات الرئاسية، بضرورة "استخدام أصحاب الجدارة من جميع الأديان والطوائف والأعراق الأفغانية لتشكيل حكومة شاملة"، ودعا "جميع الدول" إلى "إقامة علاقات طيبة ومساعدة الشعب الأفغاني الذي يعاني، لتمكين عودة اللاجئين الأفغان إلى بلادهم".

طهران وطالبان.. هل يتحالف الضدّان؟

إذاً؛ صعود حركة طالبان في أفغانستان، وتسيّدها المشهد السياسي والميداني، لا يعدّ أمراً مباغتاً، بحسب الأكاديمي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية، الدكتور مثنى العبيدي، بل كان لهذا الصعود السريع واللافت مقدماته ومؤشراته، التي تتمثل في استمرار مسلحي الحركة في القتال ضدّ القوات الأمريكية التي أطاحت بحكمهم، عام ٢٠٠١، والقوات الأفغانية الناشئة بعد ذلك التوقيت.

ويضيف العبيدي لـ "حفريات": "بدأت الحركة بتوسيع نفوذها وإعلان سيطرتها على الولايات الأفغانية شيئاً فشيئاً، ثم أبرمت "اتفاق السلام" مع الولايات المتحدة الأمريكية، في شباط (فبراير) عام ٢٠٢٠؛ الأمر الذي يشكّل مؤشراً كبيراً بخصوص الاعتراف بعودة نفوذها وتأثيرها في الساحة الأفغانية، ولعلّ الأمر له حسابات كثيرة في العقل الأمريكي، والانعكاسات الأكبر ستكون في الساحتين الإقليمية والدولية لأفغانستان".

طهران مقبلة على ثلاثة خيارات للتعامل مع الأوضاع في أفغانستان، وسيكون السيناريو الأول "الحياد الإيجابي"؛ حيث تتجه إيران لمراقبة التطورات الأفغانية، وتقدير سلوك حركة طالبان

وفيما يتّصل بأثر صعود طالبان على إيران، فقد أدركت الأخيرة بوقت ليس متأخر أنّ صعود الحركة وسيطرتها على البلاد هي مسألة وقت، وفقاً للعبيدي، ولذلك؛ عمد النظام الإيراني إلى "فتح خطوط تواصل مع الحركة، وطرحت (طهران) نفسها وسيطاً في مباحثات السلام بين الحركة والحكومة الأفغانية قبل انهيارها. وفي الوقت نفسه، تدرك إيران جيداً مدى التناقض بينها وبين طالبان؛ إذ يقف كلّ منهما على طرفي نقيض، دينياً وأيديولوجياً، حتى أنّ إيران نشرت ما يقرب من ١٠٠ ألف عنصر من قواتها، مؤخراً، على طول حدودها مع أفغانستان تحسباً لأيّ طارئ".

الأكاديمي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية، الدكتور مثنى العبيدي

وعلى الرغم من فتح خطوط التواصل بين الطرفين، وفقاً لمقتضيات المصلحة لكلّ منهما، والمتمثلة في أهمية الانسحاب الأمريكي من المنطقة، إلا أنّ مفاتيح الصراع بين إيران وحركة طالبان ومن بعدها "الإمارة الإسلامية في أفغانستان" هي أكثر من مفاتيح التعاون، حسبما يوضح الأكاديمي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية، ويتابع: "فقد يشكّل وجود "إمارة إسلامية" متاخمة لإيران عامل استنزاف وعبئاً جديداً لها، خصوصاً في ظلّ تورّط الأخيرة في الصراعات الممتدة بالمنطقة، كما هو الحال بسوريا واليمن والعراق ولبنان".

ثلاثة خيارات إيرانية للتعامل مع أفغانستان

وفي حديثه لـ "حفريات"، يرى الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور مصطفى صلاح؛ أنّ هناك "تريث" من قبل قادة الحرس الثوري الإيراني لبلورة موقف كامل ونهائي، باتجاه الأوضاع السياسية والميدانية، بعد وصول الحركة المسلحة لكابول، لافتاً إلى أنّه بالرغم من ترحيب إيران الرسمي لما وصفوه بـ "الهزيمة العسكرية" للولايات المتحدة في أفغانستان، واستخدام مساعد وزير الخارجية الايراني رسول موسوي تعبير "الإمارة الإسلامية"، لكن تظلّ المعادلات الإقليمية المتغيرة، والتناقضات، الأيديولوجية والسياسية، بين الطرفين عاملاً مؤثراً في طبيعة التحالف أو الصراع بينهما.

وينوّه صلاح إلى أنّ موقف طهران يشير إلى وجود جملة متغيرات؛ حيث إنّها لم تذكر أيّ موقف سلبي أو معارض بعد سيطرة الحركة الإسلامية المسلحة والمتشددة على ولاية هرات، ذات الأغلبية الشيعية، منتصف الشهر الحالي، بل أعلنت وكالة "تسنيم" الإيرانية الرسمية، أنّ مسلحي الحركة وعناصرها بعثوا برسالة لطمأنة إيران على حماية الممارسات الدينية للمجتمع الشيعية، بما في ذلك الاحتفالات الخاصة بيوم عاشوراء التي تزامنت مع دخولهم المدينة.

ويلفت الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية، أنّ المشترك بين الحركة والنظام الإيراني هو فقط مناصبة العداء للولايات المتحدة، غير أنّ ذلك لن يجعل العلاقة، أو التحالف المحتمل و"التكتيكي" بينهما "طبيعياً" و"متجانساً"، بل إنّ طهران، التي كوّنت فيلق "فاطميون"، وغالبيته من اللاجئين الأفغان، سوف تقوم بتوظيف عناصره في أعمال ميدانية واستخبارية لحساب فيلق القدس والحرس الثوري داخل أفغانستان، كما أنّها سوف تكثف ضغطها ومراقبتها على المقاطعات السنّية محلياً، تحديداً في بلوشيستان وسيستان والمناطق المتاخمة للحدود مع أفغانستان وباكستان.

وأفاد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة؛ بأنّ طهران مقبلة على ثلاثة خيارات للتعامل مع الأوضاع في أفغانستان، وسيكون السيناريو الأول "الحياد الإيجابي"؛ حيث تتجه إيران لـ "مراقبة التطورات الأفغانية، وتقدير سلوك حركة طالبان، وعما إذا كانت ستتجه إلى تهديد مصالحها الأمنية والاقتصادية أم لا، ويلاحظ أنّ هذا السيناريو سوف يكون قائماً على المدى القصير، إذ سوف يكون أمام إيران خياران؛ إما معاداة طالبان، أو التعاون معها".

د. مثنى العبيدي لـ"حفريات": قد يشكّل وجود "إمارة إسلامية" متاخمة لإيران عامل استنزاف وعبئاً جديداً، في ظلّ تورّط طهران في الصراعات بسوريا واليمن والعراق ولبنان

والسيناريو الثاني يرجّح أن يأخذ شكل "شنّ حرب بالوكالة"، حيث يمكن أن تتجه إيران لتوظيف الميليشيات الشيعية، باعتبارها ورقة ضغط، في مواجهة حركة طالبان، خاصة إذا ما سعت الأخيرة لتهديد مصالحها، وسوف يكون أمام طهران خيار إعادة لواء "فاطميون" من سوريا إلى أفغانستان.

وهناك كذلك ميليشيات "فدائي بابا مزاري"، الذين يقدر عددهم بخمسة آلاف، وفقاً لوزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، كما يمكن أن تلجأ إلى دعم بعض أمراء الحرب السابقين المناوئين لطالبان، مثل أحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود، وصلاح الدين رباني نجل برهان الدين رباني.

السيناريو الثالث سيقوم على "تأسيس علاقات تعاونية"، وسوف تستغل طهران الدعم العسكري السابق الذي قدمته للحركة لبناء علاقات تعاونية تستند إلى قاعدة المصالح المشتركة بينهما، وتعمل على استيعاب الملفات الخلافية، خاصّة ملف الإرهاب وملفّ الحركات الانفصالية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية