طهران تستضيف "القاعدة" لضمان عدم استهداف الأراضي الإيرانية

طهران تستضيف "القاعدة" لضمان عدم استهداف الأراضي الإيرانية


كاتب ومترجم جزائري
19/11/2020

ترجمة: مدني قصري

تعمل الحكومة الدينية الشيعية كملاذ للقادة التاريخيين للتنظيم الجهاديّ السنيّ.

 على الورق؛ تعارض الجمهورية الإسلاميّة الشيعيّة، بقيادة آية الله علي خامنئي، الجهاديين السنّة، من كلّ الأوجه.

فالمشهد جدير بفيلم تجسّس؛ كان ذلك في 7 آب (أغسطس) في شوارع طهران، حلّقت دراجة نارية حول سيارة رينو لوجان، في حي باسداران شمال العاصمة، اقترب الرجلان اللذان كانا على متنها بالسيارة، من جانب السائق، وأطلقا خمس رصاصات، باستخدام مسدس صامت، وتوفَّى راكِبا السيارة على الفور، وهما رجل في الستينيات من عمره، وشابة.

تريد طهران أن تكون قادرة على السيطرة على أنشطة القاعدة، بالتالي، منعها من مهاجمة إيران. كما تأمل في التعاون مع الجهاديين ضدّ أهداف أمريكية

وبحسب وسائل الإعلام الإيرانية، فالشخص هو الحبيب داود، مدرّس تاريخ لبناني، ومريام داود، ابنته البالغة من العمر 27 عاماً، والمثير للدهشة أنّ القضية، التي تذكّر باغتيال علماء نوويين إيرانيين في أوائل عام 2010، لم تسبّب أيّة فضيحة في إيران.

تشير بعض الدوائر الأمنية الإيرانية فقط إلى أنّ المعلّم اللبناني كان عضواً في حزب الله، وهي حركة شيعية أنشأتها إيران في لبنان.

ومع ذلك، لم يأتِ أحد من بلاد الأرز ليؤكّد هُوية حبيب داود، أو ابنته ميريام. ولسبب وجيه؛ فهذا الرجل لا وجود له، فالشخص الذي قُتِل بالرصاص، في 7 آب (أغسطس)، في إيران، اسمه عبد الله أحمد عبد الله، المعروف باسم الحرب بأبي محمد المصري. فهو الرقم 2 في تنظيم القاعدة، وصاحب فكرة الهجمات على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا، عام 1998، والتي خلّفت 224 قتيلاً وأكثر من 5000 جريح.

اقرأ أيضاً: إيران والقاعدة علاقة ملتبسة أم علاقة تعاون؟

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، التي كشفت القضيّة، فقد قُتِل المصري في طهران، على يد اثنين من عملاء الموساد، كانا يعملان لحساب الولايات المتحدة، وقد أطلقا النار على الإرهابي في ذكرى الهجمات، والمرأة التي وُجدت بجانبه هي بالفعل ابنته مريم، زوجة حمزة بن لادن، نجل مؤسّس القاعدة، وسرعان ما شجبت طهران ما أسمتها "معلومات ملفّقة"، ولم تؤكّد القاعدة الخبر بعد، لكنّ صحيفة "نيويورك" اليومية، التي تستقي أخبارها من مسؤولي المخابرات الأمريكية، قالت جازمة: إنّ "سائق سيارة رينو هو بالفعل أبو محمد المصري وكان يقيم في إيران منذ سبعة عشر عاماً".

"عدو عدوي"

كيف انتهى هذا المسؤول الكبير في السديم الإسلامي، باللجوء إلى الحكم الدينيّ الشيعيّ، الذي يتعارض في كلّ شيء، على الورق، مع الجهاديين السنّة؟ في هذا الشأن، قال محمد رضا حيدري، الدبلوماسي الإيراني السابق، المقيم في النرويج، والذي انشقّ في أعقاب قمع الاحتجاجات الشعبية، عام 2009، في إيران، "منذ وقت طويل جداً، وأعضاء القاعدة وعائلاتهم يقيمون سرّاً في إيران"، وأضاف: إستراتيجية الجمهورية الإسلامية هي إقامة اتصالات مع أعداء الولايات المتحدة، حتى تتمكّن من ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة، عملاً بمقولة: "عدوّ عدوّي صديقي"، في أعقاب الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، أثناء مطاردة الجيش الأمريكي لمسؤولي القاعدة في أفغانستان، لجأت بعض الشخصيات الكبيرة في القاعدة إلى إيران.

أعطت الوثائق، التي استولت عليها الولايات المتحدة خلال الغارة على مقرّ أسامة بن لادن في أبوت آباد، بباكستان، في أيار (مايو) 2011، فكرةً عن مدى هذا "التعاون"، ووفق أرشيفات وكالة المخابرات المركزية هذه، التي رُفِعت عنها السريّة في كانون الأول (ديسمبر) 2017؛ فإنّ أوّل عضو في القاعدة استقرّ في إيران، في كانون الأول (ديسمبر) 2001، هو الجهادي الموريتاني، أبو حفص الموريتاني، وهو صديق مقرّب من بن لادن.

الباحث الفرنسي دومينيك توماس: لا يوجد تنسيق أو تقارب أيديولوجي بين إيران والقاعدة، إنّه بالأحرى زواج مصلحة أبيض، لإرضاء المصالح المشتركة

"فبحسب أبي حفص؛ لعب الإيرانيون دوراً غامضاً إلى حدّ ما؛ إذ تمّت دعوة هؤلاء الجهاديين رسمياً من قبل الحكومة الإيرانية"، كما قال الصحفي لمين ولد سالم، عام 2018، والذي استطاع التحدّث مع أبي حفص الموريتاني في نواكشوط، وكان قد أخذ منه كتاب "تاريخ الجهاد السرّي" (L'Histoire secrète du djihad)  (الصادر عن دار فلاماريون).

 وأضاف الصحفي: "تمّ سجنهم في بعض الأحيان، فغالباً ما كان ذلك في مجمّعات سكنية، استطاع أبو حفص، في وقت ما، من الوصول إلى الهاتف والإنترنت، وكان يمكنه حتى التجوّل في المدينة، أو الاتصال بأسرته".

عملية مقايضة

بعد الموريتاني، في صيف عام 2002، جاء دور المصري، سيف العدل، منظّم الاعتداءات على السفارات الأمريكية، ثم دور أبي محمد المصري، كما تبِعه اثنان من أبناء أسامة بن لادن، هما سعد وحمزة، وبالطريقة نفسها، أمضى الجهاديّ الأردنيّ، أبو مصعب الزرقاوي، بضعة أسابيع في إيران، عام 2002، قبل انضمامه إلى العراق؛ حيث أسّس تنظيم القاعدة في العراق، المسؤول عن العديد من الهجمات ضدّ القوات الأمريكية، لكن أيضاً ضدّ الطائفة الشيعية العراقية.

اقرأ أيضاً: أشباح الإرهاب... الظواهري وتحولات "القاعدة"

يوضح دومينيك توماس، الباحث في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS): "بعض المسؤولين التنفيذيين في مركز القاعدة متواجدون بالفعل في إيران، لا سيما المنخرطين في الدعاية والمُسهّلين النشطين لمختلف العمليات"، ويضيف الباحث: "هذه البنية تنسّق الخطاب الرسمي للقاعدة، وتضفي تماسكاً على التوجهات الأيديولوجية".

إذا كانت الجمهورية الإسلامية معارِضة رسمياً للمتطرفين السنّة، الذين تواجههم بشكل خاص في العراق وسوريا، فإنّ استقبالها لمسؤولي القاعدة يمكن تفسيره بالمزايا المحدّدة التي تستمدّها منهم.

 يوضح راز زيمت، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي (INSS): "الأمر بالنسبة إلى إيران، قبل كلّ شيء، هو حصولها على ورقة مساومة عندما تقبض القاعدة على إيرانيين كرهائن"، كما تريد طهران أن تكون قادرة على السيطرة على أنشطة الجماعة، بالتالي، منعها من مهاجمة الأراضي الإيرانية. وأخيراً؛ فهي تأمل في التعاون مع الجهاديين ضدّ أهداف أمريكية".

زفاف أبيض

ندّدت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، مراراً، بالعلاقات الغامضة بين إيران والقاعدة. في كانون الأول (ديسمبر) 2015، أكّد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، خلال زيارة لباريس؛ أنّ وجود كبار المسؤولين الجهاديين على الأراضي الإيرانية يثبت، على حدّ قوله، دعم الجمهورية الإسلامية للإرهاب العالمي.

"لا يوجد تنسيق أو تقارب أيديولوجي بين إيران والقاعدة، إنّه بالأحرى زواج مصلحة أبيض، لإرضاء المصالح المشتركة"؛ هذا ما قاله الباحث دومينيك توماس. "القاعدة" لا تثق بطهران، لكنّها تعلم أنّ أراضيها يمكن أن تكون قاعدة للانسحاب أو العبور/ التاريخ مليء بهذا النوع من الشراكة غير الطبيعية".

اقرأ أيضاً: أي مستقبل ينتظر القاعدة بعد الظواهري؟

لا يخلو المنفَى الإيراني لقادة القاعدة، بين الحبس والإقامة الجبرية، من لبسٍ وغموض. في مقطع فيديو تمّ استرداده من كمبيوتر أسامة بن لادن، أُصدر عام 2017، شوهد ابنُه حمزة، الذي كان يبلغ من العمر 17 عاماً، وهو يحتفل بزواجه من مريم، ابنة أبي محمد المصري (وهو ما لم يرد ذكره في المستند).

 ووفق وكالة المخابرات المركزية، تمّ إغلاق الاتحاد في إيران، عام 2007، وفي النهاية تمّ الترخيص لحمزة بن لادن بمغادرة الجمهورية الإسلامية، عام 2011، من خلال تبادلٍ مع دبلوماسي إيراني مختطف في باكستان، وعاد إلى المناطق القبلية على الحدود بين أفغانستان وباكستان، قبل القضاء عليه في عملية أمريكية، تمّ الكشف عنها العام الماضي.

أمّا أبو حفص الموريتاني؛ فقد فرّ من إيران، عام 2012، وهو يقيم في مقرّ إقامته في موريتانيا منذ ذلك الحين.

أمّا المصريّ، سيف العدل، فهو ما يزال إلى الآن في الجمهورية الإسلامية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lepoint.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية