عبد الحكيم بلحاج.. عراب تركيا لنقل المرتزقة والمسلحين إلى ليبيا

عبد الحكيم بلحاج.. عراب تركيا لنقل المرتزقة والمسلحين إلى ليبيا


24/06/2020

عرّج مسلسل "الاختيار" المصري، خلال شهر رمضان العام الحالي، على اسم عبد الحكيم بلحاج، أحد العناصر الإرهابية الليبية، في سياق الإشارة إلى دوره البارز في عملية نقل الجهاديين والمرتزقة إلى ساحات القتال بليبيا؛ إذ يعد الدور الأخير بمثابة المحطة القصوى والأكثر خصوصية من بين محطات عديدة خاضها بلحاج في نشاطه الجهادي، وذلك منذ سافر إلى أفغانستان، في ثمانينيات القرن الماضي، وبقي فيها لعدة سنوات، ثم ما لبث أن عاد إلى ليبيا، في العام 1994، حيث دشن تنظيم ما يعرف بـ"الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة"، جناح تنظيم القاعدة بليبيا، بينما خاض من خلاله مواجهات صدامية مسلحة ضد نظام معمر القذافي.

سيرة إرهابي

بلحاج المولود في العام 1966، في مدينة طرابلس الليبية، تحفل سيرته في النشاط الجهادي بفصول متباينة؛ إذ كان من بين مجموعة من العناصر الليبية التي انخرطت في القتال ضد القوات الروسية بأفغانستان، وتقدر أعدادها بنحو 2400 مقاتل، لكن بعد سقوط كابول، مطلع التسعينيات، فر إلى أربع دول، هي السودان وقطر وتركيا وباكستان، كانت بمثابة الملاذات الآمنة له، قبل أن يستقر في ليبيا، بهدف استئناف نشاطه التنظيمي في منطقة الجبل الأخضر، والتي اتخذ منها قاعدة لتدريب المقاتلين، وتعبئتهم للقيام بعمليات مسلحة ضد النظام، قبل أن يستهدف  الأخير مراكز التدريب في المنطقة الجبلية وقصفها، حيث تمكن من الهرب إلى أفغانستان.

تحفل سيرته في النشاط الجهادي

وكشفت التحقيقات مع الإرهابي المصري، هشام عشماوي، مؤسس تنظيم "المرابطون"، بعد القبض عليه في ليبيا، قبل عام، بوجود خط اتصال دائم بين عشماوي وعبد الحكيم بلحاج، أمير الجماعة الليبية المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما التقى به مباشرة عدة مرات، حيث كان بلحاج يتولى توفير الدعم اللوجيستي، ونقل المرتزقة والعناصر الجهادية من طرابلس ومصراتة عن طريق البحر إلى مدينتي درنة وبنغازي، بفضل تنسيق أمني مع قيادات الجماعة الليبية المقاتلة وتنظيم الإخوان الإرهابيين.

منذ العام 2017، وضعت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب: مصر والبحرين والسعودية والإمارات بلحاج على قائمة الإرهاب لديها

ليس خافياً طبيعة الأدوار الوظيفية التي تؤديها جماعات الإسلام السياسي، والتنظيمات الإرهابية لصالح النظام التركي، وكذا، الدعم المالي الذي توفره قطر، سواء للأفراد أو الجماعات، بحسب ما وثقت منظمات حقوقية عديدة، محلية وأممية، فضلاً عن توفير النظامين في الدوحة وأنقرة المنصات الإعلامية، للترويج والدعاية لأفكارها، ومن ثم، إيجاد مبررات لجملة الأنشطة السياسية والعسكرية لها في الإقليم.

 وعليه، فقد كشفت إحدى الإذاعات الفرنسية، أنّ بلحاج الذي يظهر كغيره على قناة الجزيرة القطرية، والمقيم في تركيا، منذ سنوات، يعد وسيط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لنقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا.

حقائق الدور التركي لدعم الإرهاب

وبينت الإذاعة الفرنسية أنّ تركيا تقوم بنقل المرتزقة السوريين من خلال الخطوط الجوية التي يمتلكها بلحاج، والمعروفة باسم شركة "الأجنحة" للخطوط الجوية، حيث تم "رصد تحركات مكثفة لمقاتلين قادمين من تركيا عبر مطار معيتيقة، في رحلات غير مسجلة، وأحد المسلحين ظهر في مقطع فيديو بلهجة سورية، قائلا: "لقد جئنا للدفاع عن الإسلام في ليبيا، نحن الجيش الحر".

كان هناك خط اتصال دائم بين هشام عشماوي وعبد الحكيم بلحاج

ومن جانبه، أكد اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي، في آذار (مارس) العام الماضي، بأن شركة الأجنحة للرحلات الجوية، المملوكة إلى عبد الحكيم بلحاج، والمسؤول عن المجلس العسكري في طرابلس، بعد الأحداث التي شهدتها ليبيا، في شباط (فبراير) العام 2011، هي التي تتولى عملية نقل الإرهابيين التابعين للمجموعات المسلحة والميليشيات المدعومة من الرئيس التركي، من سوريا إلى الأراضي الليبية، بالإضافة إلى نقل الخبراء والجنود الأتراك الذين أرسلهم أردوغان إلى ليبيا، بغرض مساعدة الميليشيات التابعة لرئيس حكومة الوفاق، فائز السراج في التخطيطات العسكرية.

بعد أن كان مجرد إرهابي مطارد، تحول بلحاج إلى ثري يملك حزب الوطن وعدداً من الشركات، منها شركة طيران

وفي ظل تنامي عمليات نقل المرتزقة السوريين من تركيا إلى ليبيا، برز، مجدداً، اسم بلحاج، خاصة وأنّ عدد هؤلاء المقاتلين وصل لنحو 4000 مقاتل، انخرطوا جميعاً في صفوف الميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق، حيث يرى مراقبون أنّ تمرير أنقرة لهذا العدد الهائل من المرتزقة والمسلحين، ومن بينهم عناصر إرهابية محظورة أمنياً، وموجودة على قوائم دولية للإرهاب، تستهدف تشكيل ورقة ضغط لصالحها، مما يضمن لها استمرارية نفوذها، ومن ثم، تحقيق أقصى وضع من التبعية على أكثر من مستوى، بواسطة العناصر الميلشياوية التي تدير السلطة السياسية بطرابلس.

بين سوريا وتركيا.. مصالح أردوغان تقود المرتزقة

وثمة من يرى أنّ نقل المقاتلين من سوريا إلى ليبيا بواسطة بلحاج هو مجرد دور تنسيقي فقط، يقوم به الأخير لمساعدة شخص ليبي آخر، يدعى مهدي الحاراتي، القائد السابق لما بعرف بكتيبة "شهداء طرابلس"، أولى الكتائب المسلحة التي تأسست في ليبيا، العام 2011، بينما يعد أحد الوكلاء الرئيسيين لأردوغان، في صراعاته الإقليمية بين سوريا ليبيا.

اقرأ أيضاً: تاريخ الإرهاب .. عبد الحكيم بلحاج: من كهوف تورا بورا إلى كواليس السياسة

انخرط الحاراتي في الحربين الأهليتين بسوريا وليبيا، من خلال التشكيلات المسلحة التي أشرف على تشكيلها، منذ العام 2011، برعاية النظام التركي، كما دشن فصيلاً مسلحاً تابعاً له، يعرف بـ "لواء الأمة" في سوريا، وحسبما تقتضي ظروف الصراع ومصالح الداعمين، تراوح العناصر التابعة لها مواقعها، حيث يقوم بنقل وتعبئة العناصر المسلحة من المرتزقة إلى جبهات القتال الجديدة، كما هو الحال في ليبيا، مؤخراً؛ إذ تمكن بفضل ارتباطاته وعلاقاته الوطيدة مع الفصائل السورية المسلحة، من نقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا.

منذ العام 2017، وضعت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، ممثلة في مصر والبحرين والسعودية والإمارات، عبد الحكيم بلحاج على قائمة الإرهاب لديها، وكذا، مجلس النواب الليبي، خاصة وأنّ القضاء الليبي أصدر قراراً ضده بالاعتقال وست شخصيات ليبية أخرى، بعدما ثبت تورطهم في عمليات إرهابية، من بينها، هجمات مسلحة ضد منشآت حكومية ليبية، كما أنه سبق وتم اعتقاله، على خلفية قضايا عنف وإرهاب، في ماليزيا، العام 2004، قبل أن يتم ترحيله لليبيا.

اقرأ أيضاً: ماذا قال بلحاج عن تدخّل تركيا في ليبيا وعن مؤتمر برلين؟

وإلى ذلك، يشير الصحفي المتخصص في الشأن الليبي، جرجس فكري، إلى أنّ عبد الحكيم بلحاج، المعروف في ليبيا بأنه "رجل قطر الأول، منذ ظهر ذلك جلياً، إبان أحداث شباط (فبراير) العام 2011، جرت محاولات تنصيبه كوزير للدفاع، وتصديره للمشهد السياسي باعتباره قائد عمليات تحرير ليبيا من قبضة معمر القذافي، وهو ما يتوافق مع المخطط القطري الذي ظهر بشكل واضح عندما قال الأمير تميم، بشكل معلن، إنّ "الثوار لا يلقون السلاح وهم أصحاب الشرعية"، وذلك عندما طرحت أمامه مبادرة تسليم السلاح بعد إسقاط نظام القذافي"، وبالتالي، أدركت قطر، وفق فكري، أنّ "مخططها لن ينفذه إلا إرهابي وليس رجلاً وطنياً، ومن هنا جاء دور بلحاج".

ويضيف لـ "حفريات": "لم يقتصر دور عبد الحكيم بلحاج في نقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، عن طريق شركة "الأجنحة" للطيران المملوكة له، لكن امتد دوره إلى الإعلام غير أنه سرعان ما فشل، حيث أنشا قناة النبأ الفضائية، مقرها تركيا، وكانت منبراً للإرهابيين والمتطرفين، حيث تم إغلاقها على إثر خلافات واتهامات مالية بينه وبين العاملين فيها".

كما أنّ الشارع الليبي دائماً ما يطرح سؤالاً حول الثراء الفاحش لبلحاج، بعد أحداث فبراير 2011، حسبما يذكر الصحافي المصري المتحصص في الشأن الليبي؛ إذ إنه بعد أن كان مجرد إرهابي مطارد، تحول إلى ثري يملك حزب الوطن، علاوة على أنه امتلك في الوقت ذاته عدداً من الشركات، منها شركة طيران، ويقيم في تركيا لأداء دور حيوي ومهم، يتمثل في نقل الأموال المرسلة من حكومة الوفاق إلى تركيا، للحصول على السلاح، كما أنّ ثمة اتهامات أخرى تلاحقه بخصوص استغلاله الفوضى الأمنية، خلال العام 2011، وتورطه في سرقة الذهب والسلاح، ناهيك عن المقابل المادي الذي يحصل عليه من قطر لتنفيذ مخططاتها.

الصفحة الرئيسية