على خطى فنزويلا وزيمبابوي.. هل يشهد لبنان هجرة جماعية جديدة؟

على خطى فنزويلا وزيمبابوي.. هل يشهد لبنان هجرة جماعية جديدة؟


01/09/2021

في خضم الأزمات المتتالية التي تعصف بلبنان وتداعياتها اليومية على كافة جوانب الحياة اليومية، تؤسس الأزمة اللبنانية إلى عواقب طويلة الأمد عبر الهجرة الكثيفة المتوقعة والتي بدأت دلالاتها بالظهور، فقد حذرت دراسة صادرة عن "مرصد الأزمة" بالجامعة الأمريكية في بيروت، الإثنين الماضي، من موجة هجرة جماعية (Exodus)، بسبب الارتفاع الملحوظ في معدلات الهجرة والساعين إليها.

ووفق تقرير مرصد الأزمة، تحصل الهجرات الجماعية من البلدان التي تعاني أزمات اقتصادية عميقة، حيث تُشكل الأزمات عوامل ضاغطة على السكان للرحيل بحثاً عن الأمن والأمان وسبل العيش الكريم. 

77 بالمئة من الشباب اللبناني يفكرون بالهجرة ويسعون إليها، وهذه النسبة هي الأعلى بين كل البلدان العربية حسب تقرير "استطلاع رأي الشباب العربي" الصادر العام الماضي

ويستشهد المرصد بنموذج فنزويلا، التي صنفت حالياً بين أزمات النزوح العالمية من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث يُقدر أعداد المهاجرين القسريين من جراء الأزمة الفنزويلية بحوالي 4 ملايين نسمة هاجروا إلى بلدان مجاورة من جراء التدهور الاقتصادي والمعيشي في بلدهم.

وكذلك الحال في زيمبابوي، حيث يُقدر عدد المهاجرين منها إلى جنوب أفريقيا بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية الضاربة منذ التسعينيات بحوالي 3 ملايين نسمة.

والأمر نفسه شهدته اليونان عبر هجرة كبيرة جراء أزمتها الاقتصادية العميقة، بلغ حجمها 397 ألف نسمة، في سنوات قليلة بين 2010 و2013، فيما تدل المؤشرات على أن لبنان سيشهد نموذجاً مماثلاً.

مؤشرات مقلقة

وأشار تقرير المرصد، الذي أشرف عليه الباحث ناصر ياسين، إلى 3 مؤشرات مقلقة فيما يتعلق بدخول لبنان في موجة هجرة جماعية والتي من المتوقع أن تمتد لسنوات.

مطار بيروت

ويتمثل المؤشر الأول في ارتفاع فرص الهجرة عند الشباب اللبناني، حيث قال 77 بالمائة منهم أنهم يفكرون بالهجرة ويسعون إليها، وهذه النسبة هي الأعلى بين كل البلدان العربية حسب تقرير "استطلاع رأي الشباب العربي" الصادر العام الماضي.

اقرأ أيضاً: أخطر مراحل الإنهيار اللبناني… بدأ!

ويشير المرصد إلى أن السعي للهجرة عند الأكثرية الساحقة من الشباب اللبناني هو نتيجة طبيعية لانحسار فرص العمل الكريم، إذ يُقدر البنك الدولي أن شخصاً من كل 5 أشخاص فقد وظيفته منذ خريف 2019، وأن 61 بالمائة من الشركات في لبنان قلصت موظفيها الثابتين بمعدل 43 بالمائة.

والمؤشر الثاني، يتمثل في الهجرة الكثيفة للمتخصصين والمهنيين، خصوصاً من العاملين والعاملات في القطاع الصحي كأطباء وممرضين، وفي القطاع التعليمي من أساتذة جامعيين ومدرسيين بحثاً عن ظروف عمل ودخل أفضل. 

البنك الدولي يُقدر أن لبنان يحتاج بأحسن الأحوال إلى 12 عاماً ليعود الى مستويات الناتج المحلي التي كانت في عام 2017

وكانت نقابة الممرضات والممرضين، قد أشارت سابقاً إلى هجرة 1600 ممرض وممرضة منذ العام 2019، وكذلك أفراد الجسم التعليمي الذي هاجر المئات منهم إلى دول الخليج وشمال أميركا، ففي الجامعة الأمريكية ببيروت وحدها سُجل خلال عام رحيل 190 أستاذاً يشكلون حوالي 15 بالمائة من الجسم التعليمي، وفق ما أورد موقع "المدن".

اقرأ أيضاً: كيف يُدمر حزب الله لبنان

أما المؤشر الثالث، فيتمثل في توقع طول أمد الأزمة اللبنانية، فالبنك الدولي يُقدر أن لبنان يحتاج بأحسن الأحوال إلى 12 عاماً ليعود الى مستويات الناتج المحلي التي كانت في عام 2017، وفي  أسوأ الأحوال إلى 19 عاماً. ومع غياب القرار السياسي بمقاربة جدية للأزمة اللبنانية مما يوشي بتعمد الانهيار، فمن غير المستبعد أن تتلاشى مؤسسات الدولة أكثر وأكثر، والسقوط في دوامة مميتة تمتد لعقدين من الزمن، والذي سيشكل عاملاً ضاغطاً على مئات الآلاف للرحيل عن وطنهم سعياً للاستثمار والعمل والدراسة والتقاعد.

في الجامعة الأمريكية ببيروت وحدها سُجل خلال عام رحيل 190 أستاذاً يشكلون حوالي 15 بالمائة من الجسم التعليمي

وقال المرصد: إذا أضفنا إلى هذه المؤشرات الثلاثة "المحلية" عاملًا آخر، هو الحاجة المتزايدة إلى يد عاملة وأصحاب اختصاص وفئات شابة في عدد كبير من الدول الأكثر تقدماً في العالم، والتي تشهد انخفاضاً في معدلات النمو السكاني وزيادة في نسبة المسنين، فيمكننا استنتاج موجة كبيرة من هجرة اللبنانيين في الأعوام المقبلة.

وأشار إلى أن "تأثيرات موجة الهجرة الثالثة المتوقعة ستكون وخيمة عبر خسارة يصعب تعويضها للرأسمال البشري اللبناني، وهو حجر الأساس في إعادة بناء الدولة والمجتمع والاقتصاد. لطالما شكلت نجاحات اللبنانيين في دول الاغتراب مادة في بناء سردية "اللبناني الشاطر" لكنها تُستّر الجانب المظلم من مجاعات وحروب ودمار في بلدهم الأم".

خسارة فادحة

وسينعكس هذا المؤشر على لبنان لأمد طويل، وفق ما يرى ياسين، إذ "سيفقده العنصر الإبداعي والمهني القادر على إدارة القطاعات والنهوض فيها، كما سيحرم هذه القطاعات من ميزاتها وتقدمها الذي يمثل العنصر البشري أساساً فيه".

ويضيف "قد نصل إلى خسارة قطاعات أساسية تمثل الرافعة الاقتصادية للبلاد مثل القطاع الصحي والمصرفي والتعليمي والتكنولوجي، كذلك بالنسبة إلى الخريجين الجدد الذين يرحلون بحثاً عن فرص في الخارج بعد انعدامها داخلياً، وهؤلاء هم محركو الاقتصاد".

ويرى ياسين في حديثه لموقع "الحرة" أنه "بعد الكفاءات يأتي الميسورون وأصحاب الأعمال الذين يهربون بعائلاتهم ومصالحهم إلى الخارج للحصول على استقرار وأمان، وانتهاء عند فئة الشباب العاطل عن العمل والمضغوط بسبب انخفاض الرواتب، وهؤلاء يمثلون حاجة البلاد لبناء الاقتصاد والمجتمع مستقبلاً، وهو ما سيفقده لبنان وسيكون تأثيره واضحاً".

 من المتوقع أن يتنامى النزوح من المدن نحو الريف اللبناني، حيث بدأ يظهر في أكثر من مكان في بيروت وضواحيها، بسبب إطفاء مولدات الكهرباء في المدن

ويشير ياسين إلى أن هذا المؤشر له تداعيات وتأثير سياسي أيضاً، إذ إنّ الطبقة الوسطى وفئة الشباب هم محرك التغيير الديمقراطي الإيجابي في أي مكان من العالم، وهجرة هذه الفئات ستؤثر في القدرة على إحداث التغيير السياسي المنشود في لبنان.

إقبال على استخراج جوازات السفر

ويمكن اليوم رصد استعدادات اللبنانيين للرحيل من خلال الازدحام الحاصل عند مكاتب الأمن العام اللبناني، التي أظهرت إحصاءاته أنّ عدد جوازات السفر المصدرة من مطلع عام 2021 ولغاية نهاية آب (أغسطس) الماضي بلغ نحو 260 ألف جواز سفر، مقارنة بنحو 142 ألف جواز سفر في الفترة نفسها من عام 2020، أي بزيادة نسبتها 82 بالمئة. 

ويرى خبراء أنّ هذه الأرقام لا تشير بالضرورة إلى أعداد المهاجرين، إنما يرصد حجم استعداد اللبنانيين حالياً للرحيل.

اقرأ أيضاً: نفط إيران لإنعاش الأسد وحرق لبنان

ويقول خبير علم اجتماع الديموغرافيا، نزار حيدر: "تتعلق الهجرة بالوضع السكاني، ومن المتوقع أن تزداد أعداد المهاجرين من لبنان تلقائياً في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية السائدة، بعد أن صارت كافة مقومات الحياة نادرة مثل الكهرباء والبنزين والإنترنت وغيرها"، وفق ما أورد موقع "سكاي نيوز".

وكشف الخبير عن "ارتفاع نسبة طلب الشهادات من قبل الشباب من وزارة التربية، مما يعني زيادة الهجرة أو المغادرة ستكون كبيرة وقريبة"، لافتاً إلى أن "غالبية اللبنانيين صاروا جاهزين للمغادرة ويحملون جوازات السفر".

نزوح داخلي

ومن المتوقع أن يتنامى النزوح من المدن نحو الريف اللبناني، حيث بدأ يظهر في أكثر من مكان في بيروت وضواحيها، بسبب إطفاء مولدات الكهرباء في المدن.

وتابع حيدر: "يحتاج المواطن للأمن، فيما بدأت هجرة العناصر من القوى الأمنية، ناهيك عن أزمة تأمين رواتب الموظفين في القطاع العام".

وأردف أنّ "الشباب اللبناني لم يعد يفكر بالزواج ولا القروض السكنية المؤمنة كالسابق، لأن الكل أصيب بالإحباط، وحالياً وصلنا إلى هجرة الأساتذة من الجامعات والمدرسين والطلاب".

 أشارت نقابة الممرضات والممرضين، إلى هجرة 1600 ممرض وممرضة منذ العام 2019، وكذلك أفراد الجسم التعليمي الذي هاجر المئات منهم إلى دول الخليج وشمال أمريكا

يذكر أنّ لبنان قد شهد منذ تأسيس الدولة وحتى اليوم، موجات هجرة كبيرة رافقت المراحل المفصلية التي عاشها، وأسس لمفاهيم ووقائع لا زالت تنعكس على صورته العامة، وكانت الموجة الكبيرة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر، امتداداً حتى فترة الحرب العالمية الأولى (1865 - 1916)"، إذ هاجر ما يزيد عم 330 ألف شخص من جبل لبنان آنذاك.

كما شهد لبنان موجة هجرة ثانية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، حيث يقدر الباحث بول طبر أعداد المهاجرين في تلك الفترة بحوالي 990 ألف شخص.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية