على خُطى داعش.. حزب الله وتركيا مستمران في نهب الآثار السورية

على خُطى داعش.. حزب الله وتركيا مستمران في نهب الآثار السورية


24/11/2020

منذ بدء الأزمة السورية قبل حوالي 10 أعوام وحتى الآن، ظلّت المواقع الأثرية السورية عُرضة لعمليات نهبٍ وتدمير واسعة النطاق، طالت المئات من هذه المواقع، التي تضم آثاراً إسلامية ورومانية ويونانية.

 

تداولت الكثير من وسائل الإعلام تحقيقات عن دعم من جهات خارجية بالسلاح لداعش مقابل بعض القطع الأثرية

 

وبحسب خبراء الأمم المتحدة، فإنّ هذه المواقع  الأثرية ما زالت عرضة للخطر من كافة الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، التي تستهدفها بالقصف المباشر تارة، وبسرقة محتوياتها عبر ميليشياتها تارة أخرى، فضلاً عن لصوص الآثار الذين يستهدفون المتاحف ومواقع الحفريات للبحث عن الآثار ونهبها، مستفيدين من حالة الانفلات الأمني في البلاد.

الآثار مقابل السلاح

لم يتوانَ تنظيم داعش عن تدمير ونهب محتويات المواقع الأثرية التي يُسيطر عليها؛ فقد نشر التنظيم العديد من الفيديوهات التي تُظهر عناصره يقومون بتدمير التماثيل التي تعود لآلاف السنين في سوريا والعراق، على اعتبار أنّها أصنام ووثنيات.

وسيّطر تنظيم داعش على مناطق واسعة من شرق وشمال شرق سوريا، التي تُعدّ من أغنى المناطق الأثرية في سوريا بحكم وجود مملكة ماري هناك، وقد تداولت الكثير من وسائل الإعلام تحقيقات عن دعم من جهات خارجية  بالسلاح لداعش، مقابل بعض القطع الأثرية.

ولجأ التنظيم إلى تدمير العديد من القطع الأثرية التي فشل في بيعها نظراً لأنّها مُدرجة في قوائم التراث الإنساني ومن السهل التعرّف عليها، وقد كشف طه عبد الرحيم عبد الله بكر الغساني المُكنى بـ "عبد الناصر قرداش"، والذي كان من أهم قادة التنظيم في العراق، خلال استجوابه من قبل الاستخبارات العراقية، عن عمليات بيعٍ ضخمة للقطع الأثرية المنهوبة.

 

نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان مؤخراً فيديو يرصد نبش مرتزقة أنقرة لموقع أثري في ريف منطقة تل أبيض شمالي البلاد

 

وأفاد القيادي الداعشي في معرض حديثه أنّ التنظيم حاول نقل الآثار التي نهبها من مناطق سيطرته إلى أوروبا لبيعها، إلّا أنّه فشل بعد 4 محاولات كبيرة، خاصة آثار سوريا؛ فهي مسجلة ضمن التراث العالمي ومعروفة، فلم يجد حلاً إلّا الذهاب إلى خيار تدميرها ومعاقبة من يُتاجر بها.

تركيا سوق الآثار السورية المسروقة

لم تقتصر انتهاكات تركيا ومرتزقتها في الشمال السوري على ارتكاب شتى صنوف جرائم الحرب إثر عمليتي "غصن الزيتون" و"نبع السلام"، من قتل واغتصاب وخطف مقابل فديات مالية واستيلاء على بيوت وممتلكات الأهالي فحسب، بل تعدتها إلى نهب الآثار وتجريف المواقع الأثرية والتاريخية.

وفي هذا الصدد، نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان مؤخراً فيديو يرصد نبش مرتزقة أنقرة لموقع أثري في ريف منطقة تل أبيض شمالي البلاد.

 كما وثّق المرصد سرقة مرتزقة أنقرة لأسد بازلتي ضخم في منطقة عفرين بالقرب من الحدود السورية التركية، مشيراً إلى أنّ السلطات التركية والفصائل الموالية لها وتحديداً فصيل صقور الشمال، شرعت في 10 آب (أغسطس) 2018 و6 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بحفريات تخريبية وعشوائية بالآليات الثقيلة في منطقة النبي هوري، ما أدى إلى تدمير الطبقات الأثرية دون توثيقها، إضافة إلى تدمير المواد الأثرية الهشة كالزجاج والخزف والفخار ولوحات الفسيفساء، وغيرها من الآثار.

اقرأ أيضاً: اغتيالات وانفجارات في مناطق سيطرة الميليشيات الموالية لتركيا بسوريا... من وراءها؟

 وسبق أن تمّ عرض بعض القطع الأثرية المنهوبة من البلاد للبيع عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مثل؛ تويتر وفيسبوك حيث كتب على بعض الصور "للبيع والتسليم في تركيا"، بينما كتب على بعضها الآخر "للبيع والتسليم في برلين"، وذلك رغم صدور قرارين من مجلس الأمن الدولي لمنع الاتجار بالآثار السورية والعراقية، على حد سواء.

 

 شكّل النظام السوري وحزب الله اللبناني ورشات عمل برفقة آليات مهمتها الحفر والتنقيب عن الآثار في محافظة دير الزور وريفها الشرقي

 

 وأكّدت مصادر حقوقية أنّ الاستخبارات التركية تعمل على دعم عمليات البحث والتنقيب عن الآثار في مناطق مختلفة من قرى وبلدات منطقة عفرين شمالي غربي حلب، كما تعمل على تسهيل تهريبها إلى خارج سوريا لبيعها في الأسواق السوداء، وفق مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 وتوالت طيلة هذه المدة التقارير الصادرة عن المرصد السوري وغيره من منظمات وهيئات معنية بمكافحة جرائم تهريب الآثار وقرصنتها، والتي توثّق اعتداء تركيا وميليشياتها على المواقع الأثرية في المناطق التي تسيطر عليها.

 وقد أصدرت مؤسسة "جيردا هنكل" الألمانية بالتعاون مع جمعية حماية الآثار السورية في "فرنسا" في  حزيران (يونيو) الماضي، تقريراً رُصد فيه أحوال المتاحف الأثرية في سوريا بين عامي 2011 و2020، وما تعرّضت له من تدمير وسرقة جراء الحرب.

 وقد تطرّق التقرير إلى متحف "تدمر"، الذي كان يحوي 12 ألف قطعة أثرية قبل الحرب، مشيراً إلى أنّ 3450 قطعة أثرية تعرّضت للسرقة من المتحف.

اقرأ أيضاً: ما الأهم في سوريا: تأمين الخبز أم عودة اللاجئين؟

  كذلك تناول التقرير واقع "المتحف الأركيولوجي" إلى الشمال الغربي من "تدمر"، تحديداً في "إدلب" الخاضعة لسيطرة المعارضة المدعومة من تركيا، الذي كان يحوي عند افتتاحه في العام 1987 مجموعات فنية هامة عددها 15 ألف قطعة فنية تمتد إلى مرحلة ما قبل التاريخ وفترة الاحتلال العثماني لسوريا، وقد تمّ نهب الكثير من محتوياته وإتلاف بعضها، سيما الأرشيف، وقد قدّر التقرير عدد القطع المسروقة بـ 5844 قطعة.

 بدورها، طالبت "المديرية العامة للآثار والمتاحف" في دمشق، المنظمات والهيئات الدولية المهتمة بالتراث بـ"وضع حد" لما وصفته بـ"العدوان التركي الجائر على المواقع الأثرية بالشمال"، مؤكّدة أنّ "عشرات آلاف التحف الأثرية تمّ تهريبها من سوريا إلى تركيا وتمّ بيعها هناك".

اقرأ أيضاً: سوريا وبايدن والمتغيرات الأمريكية

 ويرى خبراء الآثار أنّ الاستهداف التركي للتراث الحضاري والإنساني في سوريا لا يهدف إلى الربح المادي عبر بيعها في الأسواق السوداء فقط، إنّما يتم وفق خطة مُمنهجة تركية هادفة لتدمير كل ما هو جمالي وتاريخي في المناطق الكردية التي يحتلها الجيش التركي شمال سوريا، بغية تغيير الوقائع والحقائق الديمغرافية والقومية والثقافية وتحويل المنطقة إلى مشاع بلا هوية.

 النظام وحزب الله.. شركاء في الجريمة

 لم تقتصر هذه الانتهاكات على داعش وميليشيات تركيا؛ فقد أشارت تقارير صحفية إلى أنّ ضُباط بقوات النظام السوري ساعدوا ميليشيا حزب الله اللبنانية بالبحث عن آثار ودفائن تعود لآلاف السنين، ضمن مساحات واسعة من جبال القلمون الغربية بريف دمشق، التي تُسيطر عليها الميليشيا اللبنانية.

اقرأ أيضاً: كيف علقت الولايات المتحدة على مؤتمر سوريا للاجئين؟

 ويشير تقرير نشره مرصد الشرق الأوسط إلى أنّ هذه "العمليات مستمرة بشكل فاضح ويقوم بها كل من يسيطر على منطقة من المناطق منذ العام 2012"، فيما شكّل نظام الأسد وحزب الله اللبناني ورشات عمل برفقة آليات مهمتها الحفر والتنقيب عن الآثار في محافظة دير الزور وريفها الشرقي، ويتم تصريف وتهريب الآثار التي يتم العثور عليها بإشراف الحرس الثوري الإيراني في دمشق.

 وأوضح  التقرير أنّ عُمّالاً من أبناء المنطقة يعملون في هذه الورشات بـ "ورديتينن"، وكل فريق يعمل بوردية لمدة 3 ساعات، مُشيراً إلى أنّ "كل عامل يحصل على مبلغ 3000 ليرة سورية عن كل وردية يقوم بها وأنّ العاملين وقّعوا على تعهّد بعدم الإفصاح عن طبيعة عملهم لأي جهة تحت طائلة المسؤولية".

اقرأ أيضاً: كيف تورّطت تركيا بدعم الإرهاب في سوريا وليبيا والقوقاز؟

 وتركّز ميليشيات حزب الله عملياتها في التنقيب عن الآثار، في منطقة القلمون الغنية شمال العاصمة دمشق وكذلك مدن وبلدات الغوطة الشرقية، بالإضافة إلى مواقع تسيطر عليها الميليشيات في منطقة اللجاة الواقعة بين محافظات درعا ودمشق والسويداء، بينما تستهدف الميليشيات الإيرانية المواقع الأثرية في محافظة دير الزور شرقي سوريا.

اقرأ أيضاً: انسحاب تركي رابع من مواقع في سوريا... ما السبب؟

 إلى ذلك، كشف "ميدل إيست آي البريطاني" عن عمليات سلب ونهب للمواقع الأثرية في حلب، تنفّذها ميليشيات تُسمى "رجال النمر"، تتبع مباشرة لسهيل الحسن الضابط في جيش النظام، الذي عُثر في منزله بدمشق على طنين من الآثار المسروقة.

 الجدير بالذكر أنّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد أصدر القرار رقم 2199 في عام 2015، الذي يُشدّد العقوبات المالية المفروضة على هذه الجماعات لتعطيل أنشطتها من خلال تجميد مصادر تمويلها وإنفاقها، مثل الموارد المالية الناجمة عن أعمال النهب والتهريب والإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية