قمة أوروبية مصغرة للحرب على الإرهاب: من سيدفع الثمن؟

قمة أوروبية مصغرة للحرب على الإرهاب: من سيدفع الثمن؟


12/11/2020

ضجّت القارة الأوروبية، وبشكل خاص فرنسا، ثمّ النمسا، خلال الشهر الماضي، بعمليّات إرهابية، ضاعفت الاحتقان القائم بدوره، بين المعسكرَين الإسلامي والأوروبي، وظهر إلى السطح الحديث عن إغلاق الحدود الأوروبية، أمام الهجرة واللجوء، فيما تضامن حُكام أوروبا على نطاقٍ واسعٍ مع ضحايا حادث إطلاق النار في فيينا.

الإفاقة الفرنسية النمساوية مهمّة لإيقاظ باقي دول أوروبا، النائمة على خطر كبير من الممكن أن يحرق هذه المجتمعات، إذا لم يسيطر على الوحش الإسلاموي العثمانلي

بشكل خاص؛ كان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أول المتضامنين، خاصّة في ظلّ الحملة التي قادتها تركيا ضدّه، عبر وسائل الإعلام، داعية إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، لتحلّ منتجاتها، في حرب تجارية اتخذت غطاءً مقدّساً، لكنّ ماكرون، الذي سرعان ما أعلن تضامناً واسعاً مع نظيره النمساوي، قرّر الذهاب بنفسه إلى فيينا، لتقديم المساعدة واتخاذ كافة الإجراءات التي ينبغي اتخاذها، في سبيل القضاء على الإرهاب الذي أصبح سكيناً على رقبة الجميع.

دقّت ساعة الحرب

أعلنت وسائل الإعلام الفرنسية، الخميس الماضي، أنّ الرئيس ماكرون سيزور فيينا، لبحث سبل التعاون بين البلدَين فيما يخصّ الحرب على الإرهاب، والتي كان من المفترض أن تنعقد، في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، لكن يبدو أنّ الرئيس الفرنسي اكتفى بحوار عبر الإنترنت، قبل أن يصل المستشار النمساوي، سيباستيان كورتز، إلى باريس، صباح الثلاثاء الماضي، لحضور قمّة أوروبية مصغرّة حول كيفية محاربة الإرهاب، يشارك فيها الرئيس الفرنسي ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ورئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين؛ إذ تتزامن هذه القمّة مع عمليات تمشيط واسعة، تنفّذها قوات الشرطة النمساوية، التي ألقت خلالها القبض على 30 شخصاً، خلال أكثر من 60 عملية مداهمة، جرت ليلة القمّة المزمع إذاعتها عبر الإنترنت، يليها مؤتمر صحفي، حسبما أعلن قصر الإليزيه، مساء الإثنين الماضي.

في أعقاب الهجمات التي تعرّضت لها النمسا، صرّح الرئيس ماكرون، الخميس الماضي؛ بأنّ أوروبا يجب أن تعيد التفكير في منطقة شنغن الحدودية المفتوحة، بما في ذلك توفير حماية أفضل للحدود الخارجية للمنطقة، بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية في فرنسا والنمسا، وأوضح أنّ تشديد الضوابط كان ضرورياً، للحدّ من الهجرة السرّية، مضيفاً أنّ العصابات الإجرامية التي تتاجر بالمهاجرين بشكل غير قانوني إلى أوروبا، غالباً ما تكون مرتبطة بشبكات إرهابية، وحان الوقت ليقظة توقف هذا الزحف الإرهابي الذي يهدّد قارة بأكملها، الذي وصفه كورتز في النمسا بـ "التهديد لنموذج العيش الأوروبي".

اقرأ أيضاً: النمسا تواصل حربها ضد الإسلام السياسي... ما آخر قراراتها؟

من جهته؛ يوضح الكاتب الصحفي بجريدة "الأهرام" المصرية، والباحث في الشؤون العربية والإسلامية، هشام النجّار، أنّ هذا الحراك من قبل الرئيس الفرنسي، يعكس مؤشر إفاقة تحرص باريس على أن ينتشر من مركزه في فرنسا والنمسا حالياً، إلى عموم الفضاء الأوربي، بشأن ضرورة مواجهة التطرف وجماعات الانفصالية والتكفير، المتستّرة تحت عناوين دينية، ومواجهة نشاط جماعات التشدّد السلفيّ، وتيار الإسلام السياسي وأفرع التنظيم الدولي للإخوان.

إفاقة متأخرة

وتحت عنوان "تشير الهجمات في فرنسا إلى تهديد يتجاوز الشبكات المتطرفة"، نشرت صحيفة "واشنطن بوست"، مقالاً يسلط الضوء على آخر الهجمات التي تعرّضت لها فرنسا، قبل وقوع الحادث الإرهابي في فيينا، ويعلّق الكُتّاب الثلاثة الذين شاركوا في المقال على أنّ الشبان الثلاثة الذين يقفون وراء الهجمات الإرهابية الأخيرة، التي هزّت فرنسا، يمثلون تحدّياً صعباً للسلطات الفرنسية، لأنّهم أفراد معزولون ومتطرفون، وليسوا ضمن شبكات إسلامية جهادية، مما يثير تساؤلات صعبة حول ما إذا كانت الإجراءات الواسعة التي اتّخذتها الحكومة رداً على تلك الأحداث، كافية أم لم تعد تجدي من الأساس؟ لأنّنا الآن بصدد مندوبين جدد عن الإرهاب، وليسوا ضمن الشبكات التقليدية المتعارف عليها أمنياً ومخابراتياً.

ويؤكد النجار، في تصريح لـ "حفريات" أنّ "السلطات الفرنسية والنمساوية تواجه عقبات كبيرة، أمام هذا الشكل المتوغّل من الإرهاب، ورغم أنّهم أعلنوا استفاقتهم، وهي إفاقة متأخرة، لكنّها ضرورية وحتمية لإنقاذ أوروبا كلّها من خطر وجودي، قد يترتّب عليه نتائج وتداعيات كارثية من دون أدنى مبالغة، من قبيل إعادة دول أوروبا لمظاهر العصور الوسطى والاقتتال الطائفي، والقتل على الهويّة المذهبية؛ أنّ هناك ببساطة تكفير إسلاموي، يتغذّى عليه في المقابل اليمين المسيحي العنصري، كلاهما يقوي نفوذ الآخر، وهذا يدعو لغزو أوروبا وفتحها، على غرار الغزوات العثمانية القديمة، وذاك يجيش لصدّ هذا العدوان، ولطرد المسلمين الغازين، بالطبع هذه الإفاقة الفرنسية النمساوية مهمّة لإيقاظ باقي دول أوروبا، النائمة على خطر كبير من الممكن أن يحرق هذه المجتمعات، إذا انطلقت الشرارة، وحدث ما يجعل الوحش الإسلاموي العثمانلي يعلن وجوده بشكل أكثر وضوحاً".

الباحث هشام النجار لـ"حفريات": هناك تكفير إسلاموي، يتغذّى عليه اليمين المسيحي العنصري، وكلاهما يقوي نفوذ الآخر، وهذا يدعو لغزو أوروبا وفتحها، على غرار الغزوات العثمانية

هذا يتطلّب أولاً؛ في نظر النجار "تعميم الإجراءات الفرنسية وإستراتيجية مكافحة الانفصالية الإسلاموية، وجماعات التكفير وأنشطة التنظيم الدولي للإخوان، وكيانات مشروع العثمانية الجديدة على عموم دول أوروبا، كما تتوجّب ضرورة التنسيق الأمني، وتبادل المعلومات بين أجهزة الأمن والمخابرات الأوروبية، بالنظر إلى أنّ نشاطات تلك الكيانات التكفيرية الإسلاموية الانفصالية، متشابكة ومترابطة بين عاصمة أوربية وأخرى، وهذا، في رأيي، أحد دوافع زيارة كورتز لباريس، وانعقاد القمّة الأوروبية المصغّرة، وأيضاً يفسّر تحرّكات أخرى عديدة تمسّ هذا السياق، مثل زيارة مدير المخابرات البريطانية المهمّة للقاهرة، وهي التي عكست استشعار العديد من العواصم الأوربية، حتى تلك التي ترتبط بعلاقات تاريخية مع التنظيم الدولي للإخوان، الخطر على أمنها واستقرارها، ما أدّى إلى حرصها للاستفادة من الإستراتيجية العربية والمصرية، في مكافحة الإرهاب، وهذا بالطبع يجعلها غير بعيدة عن خطّ التنسيق مع الجهود الفرنسية والنمساوية بهذا الشأن".

الصّمت الذي طال أمده

منذ سبعينيات القرن الماضي؛ انتشرت الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة في أرجاء دول أوروبا، وبشكل خاصّ في أوروبا الغربية، أي في فرنسا وإسبانيا وألمانيا، وفي الأعوام التي أعقبت سقوط الاتحاد السّوفييتي، تشكّلت مجموعات إرهابية ذات طابع إسلاموي انتشرت لاحقاً في جميع أنحاء جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق؛ حيث تلقى بعضها دعماً من الجماعات المتطرفة الأجنبية، بما في ذلك تنظيم القاعدة.

اقرأ أيضاً: النمسا.. نهاية البيت الآمن لإخوان أوروب

ووفق إحصاء نشره مجلس التعاون الإقليمي في أوروبا، عام 2018، مستعرضاً تاريخ 46 عاماً من الهجمات الإرهابية في أوروبا؛ يرصد التقرير هجمات إرهابية على نطاق أوسع من الإرهاب الإسلامي، الذي يعدّ حديث النشأة بالنسبة إلى إرهاب اليمين الأوروبيّ المتطرّف، الذي يمكن أن يحدث في أيّ مكان، سواء سوق للعامّة، أو خارج كنيسة تاريخيّة في برلين، أو في الشارع خلال عطلة وطنية في فرنسا، أو في طائرة فوق أسكتلندا، أو خلال اليوم الأول من المدرسة في بلدة صغيرة في روسيا، ويترك الهجوم أثراً من الموت والدّمار يمكن أن يهزّ أمّة، بل وحتى قارة.

 ولأنّ هذه الحوادث ليست بجديدة، فقد قتل الإرهاب في أوروبا 11288 شخصاً في 18811 هجوماً، منذ كانون الثاني (يناير) عام 1970 حتى عام 2018، وبحسب قاعدة البيانات؛ فإنّ روسيا والمملكة المتحدة وأوكرانيا وإسبانيا وفرنسا من بين الدول التي سجّلت أعلى عدد من الوفيات جراء الإرهاب، وفق اتحاد جامعة "ماريلاند" الوطنية لدراسة الإرهاب، وتمّ تسجيلها على قاعدة بيانات الإرهاب العالمي، والذي يتتبع أكثر من 170000 حادث خارجي ومحلي في جميع أنحاء العالم.

اقرأ أيضاً: إخوان النمسا بدائرة الملاحقة.. مصادرة 25 مليون يورو

الناس الذين قضوا في الهجمات الإرهابية في روسيا، كانوا أكثر من أية دولة أخرى في أوروبا؛ حيث تعرّضت البلاد لأحد أكثر الهجمات دموية في تاريخ القارة، في أيلول (سبتمبر) عام 2004، عندما احتجز أفراد من كتيبة "رياض الصالحين"، التابعة لشهداء الشيشان، وهي قوة إسلامية من المهاجمين الانتحاريين، أكثر من 1000 شخص كرهائن، خلال اليوم الأول من الدراسة في مدرسة في بيسلان، أوسيتيا الشمالية، في منطقة شمال القوقاز، وقتل أكثر من 300 شخص في نهاية الحصار، الذي استمرّ ثلاثة أيام، وذكرت الأنباء وقتها، أنّ نصف الضحايا كانوا من الأطفال.

الصفحة الرئيسية