كيف أحدثت فيزياء الكمّ ثورات علمية لا مثيل لها في التاريخ؟

كيف أحدثت فيزياء الكمّ ثورات علمية لا مثيل لها في التاريخ؟

كيف أحدثت فيزياء الكمّ ثورات علمية لا مثيل لها في التاريخ؟


19/03/2024

رغم غموض مصطلحاتها، والتعقيدات التي تلفّ أفكارها، إلا أنّ فيزياء الكمّ أحدثت ثورات علمية لا مثيل لها في التاريخ خلال القرن الماضي، وهي مستمرة بذلك خلال القرن الحالي، وما تزال تقدّم الكثير من الدهشة، إلى الدرجة التي تجعلها تبدو ضرباً من المستحيل والخيال أحياناً، وضرباً من السحر في أحيانٍ أخرى.

اقرأ أيضاً: منح جائزة نوبل في الفيزياء لثلاثة علماء.. هذا هو اكتشافهم
لكن، ومع تقدم العلم، أصبحت ميكانيكا الكمّ من أفضل النظريات العلمية التي ظهرت على الإطلاق، والتي غيّرت نظرتنا إلى العالم كلياً، وأثبتت كذلك قصور وضعف الفيزياء الكلاسيكية، كما أنّ البشر، محاطون بفيزياء الكم، إلى درجة لا يمكن معها إنكار إنجازاتها، فما هي؟ وإلى أين تقودنا؟

نهاية الكلاسيكيات
من أجل فهم أو تعريف فيزياء الكم، يجب أولاً تعريف الفيزياء الكلاسيكية، التي بدأ نورها يخبو منذ عام 1900، والفيزياء الكلاسيكية توضح القوانين التي "تقيد حركة الأجسام ذات الكتل الكبيرة، كالنجوم والكواكب والأحياء، وغير ذلك من الأجسام ذات الكتلة المعلومة والسرعة المحدودة، والميكانيكا الكلاسيكية (وتُعرف أيضاً بميكانيكا نيوتن) تقدّم نتائج دقيقة وأرقاماً منطقية، طالما أنّ الأجسام المختَبرة ذات كتلة كبيرة وسرعتها لا تصل لسرعة الضوء"، بحسب موقع الأكاديمية العلمية البريطانية.

تفسّر فيزياء الكمّ احتمالات وطاقة وحركة الأجسام متناهية الصغر وهو ما تعجز عنه فيزياء نيوتن الكلاسيكية

قوانين الفيزياء هذه بسيطة في معظمها، وتقوم "بمعالجة مختلف العمليات والأحداث من حولنا، إلا أنّها تقف عاجزة أمام وصف واختبار الأجسام الصغيرة جداً، كالأجسام دون الذرية من بروتونات ونيوترونات وما سواها، التي تقترب في سرعتها من سرعة الضوء، وتعطينا نتائج غير دقيقة وغير منطقية، وهنا يأتي دور ميكانيك الكم" وفق موقع "Livescince".
ويشرح الموقع؛ أنّه "بالمقابل؛ فإنّ ميكانيكا الكمّ تمتلك نظرياتٍ أكثر تعقيداً، كنظرية أينشتاين النسبية، ونظريات علماء (مثل: ماكس بلانك، ونيلز بور، وشرودنجر، وغيرهم)، عن تقلّص الكون وتمدّده، وبفضل تلك النظريات أصبح ممكناً تقديم نتائج أكثر دقّة للاختبارات على الأجسام ذات الأحجام الصغيرة جداً، والتي لا يمكن للفيزياء الكلاسيكية تقديمها".

تبحث فيزياء الكمّ في تشكل الحياة والكون واحتمالات وجودهما في حالات مختلفة في الآن ذاته

وتتعامل ميكانيكا الكمّ مع ما تسمى "الموجية الثنائية للجسيمات الصغيرة" (Wave particle Duality)، الجزيئية والذرية؛ فالنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين (1905) تتعامل مع الأجسام ذات الأحجام الذرية الصغيرة، في حين تتعامل النظرية النسبية العامة لأينشتاين أيضاً (1916) مع الجسميات عموماً، حتى مع الجزيئات ذات الأحجام الكبيرة نسبياً.

اقرأ أيضاً: حب الصين للفيزيائي البريطاني الراحل ستيفن هوكينغ

ومن المعقّد شرح نظريات فيزياء الكمّ وميكانيكا الكم بأسلوبٍ مجرد؛ إذ لن يكون بسيطاً فهم الجاذبية السلبية والطاقة المعتمة ونظرية مراقبة الكمات المتناهية الصغر، التي تعدّ أصغر من الذرات، والعلاقة بين الضوء وسرعته، وبين الزمن؛ لذا يكون من الأبسط تناول أمثلةٍ على إنجازات فيزياء الكمّ منذ تطورها في القرن العشرين، وكيف أنّ البشرية تعيش في مجالها اليوم.
بدايةً؛ تتدخل فيزياء الكم في كلّ شيء؛ في هواتفنا الذكية، في الحواسيب وتطورها، في خوارزميات الإنترنت والذكاء الصناعي، وكذلك في علوم الفضاء، والبيولوجيا، ومن هذه الأخيرة ولدت البيولوجيا الكمية التي تحاول تفسير الحياة.

 

 

 

 

كيف ولماذا؟
سؤالا العلم الأساسيان في الفيزياء، يبحثان عن لماذا أتى الكون؟ وكيف؟ وتتبعهما أسئلة من قبيل: متى بدأ الكون؟ ومتى بدأت الحياة؟ بل وعمّا كان موجوداً قبل البداية، بحماسة تؤججها الفيزياء الكمية.
وبالنظر أولاً إلى البيولوجيا الكمية، بوصفها أبسط وأحدث تطبيقات فيزياء الكم وما تزال في طور الطفولة، بالاعتماد على "ظاهرة كمية تسمى "النفق الكمّي" (Quantum tunneling) تدرس اختفاء الإلكترون وظهوره في مكان آخر، متجاوزاً بذلك حاجز الطاقة؛ أي أنّ الإلكترون يمكن له تجاوز حاجز طاقةٍ أكبر من طاقته الذاتية، وهو ما كانت تظنه الفيزياء الكلاسيكية مستحيلاً، بحسب موقع جامعة "إيلينوي للفيزياء البيولوجية".

تتدخل فيزياء الكم في الوعي وتشير إلى أنّ العالم احتمالي قد يكون في حالات عديدة ومختلفة في الآن ذاته

ومثلاً؛ يمكن "أن تعطي البيولوجيا الكمية تفسيراً لحدوث الطفرات "Mutations"؛ فالحمض النووي المنقوص الأكسجين، المعروف بالـ DNA" "، الذي يحمل الجينات التي تحدّد صفات أيّ كائن حي، يكون على شكل شريط حلزوني، ويمكن تخيّل الوضع بتخيل سلم خشبي مع فارق مهم؛ هو أنّ السلم ملتف في شكل حلزوني.
إنّ ما يربط بين جانبَي الشريط الحلزوني، أو درجات ذلك "السلم" في الواقع هي روابط هيدروجينية منظمة، لكن من خلال النفق الكمّي يمكن أن تتبادل ذرات الهيدروجين على جانبيْ الشريط أماكنها، مسببة بذلك طفرة جينية قد تسبّب تغيراً في صفات الكائن الحي، بحسب تقريرٍ علمي نشره موقع "إضاءات" عام 2017، بالتالي؛ تلعب الذرات دوراً في تحديد صفاتٍ وراثية بشرية، وهو ما يحدث أيضاً بالنسبة إلى الأنزيمات، التي تعدّ أساساً في جميع العمليات الحيوية للأجسام الحية والبشر والنباتات ...إلخ؛ إذ يمكن فهم نشاط الإلكترونات وتحكّمها في هذه العمليات الحيوية المؤثرة في الحياة، فقط من خلال نظرية النفق الكمّي المذكورة آنفاً.

اقرأ أيضاً: 10 معلومات قد لا تعرفها عن آينشتاين

وغير بعيد عن بيولوجيا الكم، تأتي الحواسيب الكمومية، التي تعدّ الأكثر تفوقاً في تاريخ البشرية، وتحتاج إلى أعوامٍ أخرى من أجل تطويرها، لكنّها أيضاً، تعمل من خلال تطبيقات فيزياء الكم "ويمكن للموجود منها حالياً، إجراء عمليات حسابية وتحليلية ومعالجة للبيانات، أسرع مليارات المرات من الحواسيب العادية، خاصّة أنّها تعتمد التراكب في حفظ ومعالجة البيانات، ويعني التراكب، ببساطة: التعامل  مع البيانات، من خلال معالجتها في حالاتها المختلفة معاً، ودفعة واحدة"، وفق موقع "ناسا بالعربي"، وبمعنى آخر: هذا التراكب الحاصل في البتّات الكمومية "QBITS"  يسمح للحاسوب الكمومي بالعمل على إجراء مليون عملية حسابية في اللحظة نفسها، في حين يُمكن للحاسوب المنزلي المكتبي القيام بواحدة فقط.

الحاسوب الكمومي لا يشبه الحواسيب الأخرى ويفوق قدرتها بملايين المرات

ولعبت فيزياء الكمّ دوراً كبيراً في فهم احتمالات شكل المادة والقدرة على توجيهها واستخدامها، وتوظيفها في الطاقة ومجالاتٍ أخرى، مثلما حدث في تطوير تقنيات استخدام الليزر مثلاً، وتعمل كذلك على أهم الأسئلة في علم الكون، ومنها تحديد حجم الكون، ومفاهيم الفوتونات وهي جزيئات الضوء الأولية، التي تدخل في تركيب الكون، ومن المذهل أن يكون لها دور في حواس الإنسان، كالبصر والشمّ مثلاً، وهي خاضعة لمجموعة من الاحتمالات، تجعل الحقيقة التي نرى عليها الكون أمراً غير دقيق؛ إذ تتدخل فيزياء الكم في مسألة الوعي أيضاً، وتشير إلى أنّ العالم هو عالم احتمالي، قد يكون في حالاتٍ عديدة مختلفة في الآن ذاته، تبعاً لأنّ الفوتونات تأخذ حالتَين متنافرتَين في الآن ذاته، تماماً كأن تكون حيةً وميتة في اللحظة نفسها.
ولذلك؛ فإنّ العالم بعيد عن الواقع الذي نعيشه، مدهش لدرجة الشكّ في الوعي الإنساني، هل هذا الوعي هو نتيجة الكم، أم الكم (الفوتون) نتيجة له؟! هذه التناقضات والتخمينات التي أثارتها فيزياء الكم، دفعت أحد أهمّ رواد هذه النظرية، وهو نيلز بور، إلى أن يقول: إنّ "أيّ شخص لم تصدمه النظرية الكمّية فهو لم يفهمها بعد".

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية