كيف أوقعت إيران العراقيين في حبائل المخدرات؟‎‎

المخدرات

كيف أوقعت إيران العراقيين في حبائل المخدرات؟‎‎


28/01/2020

يبدو أنّ إيران لم تكتف بمساعيها لبسط نفوذها على العراق عبر وكلائها المحليين، ولكنها عملت أيضاً على إضعاف وإنهاك المواطن العراقي عبر سماحها لأنواع جديدة من المخدرات الخطيرة بالنفاذ إلى المجتمع العراقي الذي كان قبل السقوط في دوامة  الفوضي من أقل الشعوب إقبالاً على المخدرات، فماذا حدث؟ وكيف تحولت البصرة ومناطق الجنوب العراقي إلى مراكز لصناعة وترويج المخدرات والاتجار بها وتصديرها؟ وكيف تعاني الدولة العراقية جراء تلك الظاهرة القاتلة وكيف تتعامل معها؟

اقرأ أيضاً: الحوثيون والحرس الثوري يغرقون اليمن بالمخدرات

يعاني المجتمع العراقي من أزمات اجتماعية واقتصادية طاحنة، برغم أنّه عضو في منظمة (الأوبك)، التي تضم كبار منتجي النفط في العالم، لكن يبدو أنّ ثمار تلك الوفرة لم تصل بعد إلى ملايين العراقيين الذين أنهكتهم الحرب على مدار عقود، ومع تلك الأزمة وصل معدل البطالة إلى 20% من قوة العمل العراقية، ومع تصاعد ظاهرة البطالة وانتشار اليأس يلجأ هؤلاء إلى الهروب من واقعهم الكئيب بالمخدرات.

 سمحت أيران لأنواع جديدة من المخدرات الخطيرة بالنفاذ إلى المجتمع العراقي
تشير سجلات محكمة استئناف البصرة، وفقاً لتقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الذي نشرته بعنوان (Iraq Faces a New Adversary: Crystal Meth) في 14 أيلول (سبتمبر) 2019 إلى أنّ 90% من المقبوض عليهم في تهم تعاطي المخدرات كانوا من العاطلين؛ البطالة إذن وتداعياتها الخطيرة كانت الثغرة التي نفذت منها عصابات تهريب المخدرات إلى نفوس العراقيين المنهكة، وقد نشطت في تهريب المخدرات من إيران وأفغانستان وباكستان إلى العراق ثم إلى سوريا والأردن ودول الخليج.

تشير سجلات محكمة استئناف البصرة أنّ 90% من المقبوض عليهم في تهم تعاطي المخدرات كانوا من العاطلين عن العمل

ويؤكد عدد من التقارير الصحفية والتلفزيونية أنّ محافظات البصرة وميسان وواسط التي تتاخم الحدود الإيرانية قد تحولت لمراكز لاستيراد المخدرات من إيران عبر منفذ الشلامجة الحدودي بين البصرة العراقية والأهواز الإيرانية ومنفذ مهران الحدودي بين محافظتي واسط العراقية وكرمنشاه الإيرانية، وهما من المنافذ الرئيسة التي يدخل منها مادة الكريستال –أخطر مخدر كيميائي مصنّع- وقد تطور الأمر بأن صارت تلك المناطق تعج بالمئات من المعامل الكيميائية لتصنيع المخدرات التي تستقدم الخبراء من أفغانستان وإيران، كما أنّ هناك تجاراً يتخفون أثناء زيارة كربلاء ويقومون ببيع المخدرات إلى العراقيين.
وبرغم تردّد العديد من المسؤولين العراقيين في اتهام الجارة الإيرانية بتسهيل تهريب المخدرات إلى العراق، وذكر اسمها على مضض، مع الحرص في أغلب الأحيان على عدم ذكر اسم المصدر، فإنّ السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، وفقاً لموقع العربية، قد أقر بأنّ المخدرات تُهرّب من بلاده إلى العراق وأنّها تأتي من أفغانستان وباكستان.

اقرأ أيضاً: المخدرات الإيرانية تعصف بشباب العراق
وتسيطر على تلك المناطق الحدودية بين العراق وإيران ميلشيات دينية تدين بالولاء للجمهورية الإيرانية مثل ميليشيا سيد الشهداء، والخراساني، وأخرى صغيرة كالجهاد والبناء ومنتظرون، وهي ميلشيات استطاعت فرض سيطرتها على المعابر والموانئ الحدودية، وأصبح بينها وبين عصابات الاتجار بالمخدرات مصالح متبادلة؛ حيث تؤمّن تلك الميليشيات حركة العصابات، في حين تدفع العصابات إتاوات لها.

 

 

اللافت للنظر أنّ تلك العصابات تعتمد على وسائل نقل متقدمة مثل الطائرات المسيرة وزرع كاميرات مراقبة حديثة لتأمين تلك المعامل، وتمتلك أسلحة لا تملكها أجهزة الشرطة العراقية؛ مما يصعب من مهمة الأجهزة الأمنية في القضاء على تلك الظاهرة.

اقرأ أيضاً: إيران: تجارة المخدرات المربحة التي يديرها "الحرس الثوري"
ويؤكد مصطفى سعدون، مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، في لقاء تلفزيوني مع قناة الغد، أنّ هناك شخصيات لها نفوذ طائفي كبير تساعد في تمرير تلك العمليات، وهناك العديد من أفراد الأمن الذين يعملون مع تلك العصابات نظير راتب شهري وعمولة. وبالنسبة للمواجهة القانونية الرادعة لتلك الظاهرة قال سعدون: إنّ قانون المخدرات لعام 2017 لا توجد آلية واقعية لتطبيقه.

خالد حنتوش: التساهل القانوني بعد العام 2003 سبب تفشي ظاهرة الإدمان والاتجار بالمخدرات

  ومن أخطر أنواع المخدرات المتداولة في السوق العراقي والتي كانت تأتي من إيران قبل أن يتم تصنيعها في العراق لاحقاً مخدر "الكريستال ميث" الذي ينتمي إلى عقاقير الميثامفيتامين، ويجري تصنيعه بطريقة غير مشروعة تحت اسم كبتاغون وهو مسحوق بلوري أبيض يشبه الزجاج أو الثلج عديم الرائحة، يذوب بالماء والكحول بسهولة وهو مركب كيميائي، يستنشق عن طريق الأنف مباشرة أو يدخن أو يذاب في الماء والكحول، وهو من المخدرات التي تسبب الإدمان السريع.
يقول راينر بونغس، خبير الكيماويات الطليعية المستخدمة في صناعة المواد غير المشروعة بوكالة المخدرات التابعة للأمم المتحدة لجريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية إنّه "من المحتمل أنّ العراق ينتج الكريستال ميث الآن، نظراً لأنّه استورد أطناناً من السودوإفدرين، بحسب تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات العام 2018. إذ يمكن استخدام المادة التي تزيل احتقان الأنف، والموجودة في أدوية الحساسية والبرد، لصناعة الكريستال ميث". ومدة انتشاء الكريستال تطول لنحو ثلاثة أيام ويصاب الفرد في هذه الفترة بهلوسة شديدة ويبقى محدقاً في نقطة معينة لعدة ساعات فضلاً عن سلوك لاشعوري قد يقوم به كالاعتداء على الناس أو الانتحار، وبالإضافة إلى الكبتاغون يتم تهريب الحشيشة والحبوب المخدرة إلى العراق.


بفضل العقوبات الرادعة التي وصلت حدّ الإعدام قبل سقوط بغداد على يد القوات الأمريكية، كانت العراق الأقل استهلاكاً للمخدرات في المنطقة العربية، ثم تضاعف معدل استهلاكها عدة مرات مما استدعى التدخل الأمني المباشر خاصة في محافظات الجنوب، وملاحقة الآلاف من المتعاطين والتجار.

باحث عراقي: المخدرات من القضايا المنسية في المجتمع العراقي؛ لأنها لا تزاحم الأزمات الأخرى كغياب الأمن والتراجع الاقتصادي

وقد اعتقلت الأجزة الأمنية  في العام 2017 ما يقرب من 1300 شخص،  ثم ارتفع العدد ليصل إلى 1500 معتقل في العام 2019، مما يدل على مقدار تفشي ظاهرة إدمان المخدرات وعجز الأساليب الأمنية الحالية في التعامل مع الظاهرة.
وذكر عالم الاجتماع العراقي خالد حنتوش، رئيس اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة ملف المخدرات في الجنوب، في تصريح لموقع العربية أنّ "سبب تفشي ظاهرة الإدمان والاتجار بالمخدرات هو التساهل القانوني بعد العام 2003، إذ تغيرت العقوبة الرادعة من الإعدام والسجن المؤبد إلى العلاج الصحي والنفسي في المصحات بالنسبة لمتعاطي المخدرات والسجن من (5- 15) سنة بالنسبة لمروجيها".
من جهته، يقول الباحث العراقي في مجال الأنثربولوجيا الدكتور علاء حميد إنّ "المخدرات من القضايا المنسية في المجتمع العراقي؛ لأنها لا تزاحم الأزمات الأخرى مثل غياب الأمن والأزمات الاقتصادية وتراجع مستوى الخدمات".
وعن أسباب تصاعد ظاهرة الاتجار وتعاطي المخدرات يشير حميد، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "المخدرات تأتي لتسد فراغ ارتفاع نسبة البطالة التي ترتفع بشدة في العراق وقلة فرص العمل وازدياد عوامل الفوضى السياسية وتغير القيم الاجتماعية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية