كيف توفر نفايات الحديد فرص عمل لآلاف العاطلين في غزة؟

كيف توفر نفايات الحديد فرص عمل لآلاف العاطلين في غزة؟


25/03/2021

تحت أشعة الشمس وباستخدام مطرقته الحديدية التي تزن أكثر من 44 باوند، ينهمك الفلسطيني محمد أبو دية ( 37 عاماً)، في استخراج كومة من القضبان الحديدية المتشبثة بقوة في جدار خرساني لأحد المنازل المهدمة في حي الزيتون جنوب شرق غزة، لجمعها واعادة تقويمها من جديد، عبر استخدام آلة يدوية، لكي يتسنى اعادة استخدامها مجدداً في بناء مساكن جديدة، وتصدير أطنان أخرى منها إلى خارج القطاع ، لتتحول أكوام الحديد فرصة عمل تدر دخلاً مالياً على آلاف العمال العاطلين عن العمل بغزة.

نفايات الحديد والمعادن لا تشكل سوى 3%  فقط من مجموع النفايات الصلبة في قطاع غزة، بينما تشكل النفايات العضوية النسبة الأكبر

ويعمل أبو دية في هذه المهنة منذ الحرب الإسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة صيف العام 2014م، لمدة 12 ساعة متواصلة، بمبلغ زهيد لا يتعدى 35 شيقلاً اسرائيلياً ( 11 دولاراً أمريكياً)، وهو مبلغ يكاد يفي بتلبية جميع متطلبات أسرته المكونة من ثمانية أفراد.

وسمحت "إسرائيل" منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بتصدير نحو الف طن أسبوعياً، من مخلفات الحديد من قطاع غزة إلى مصانعها بعد كبسه في معمل لكبس الحديد، بعد توقف دام عدة سنوات.

هناك إقبال كبير من قبل بعض المواطنين بغزة على شراء الحديد المستخدم

ووفق إحصائية صادرة عن اتحاد الصناعات المعدنية والهندسية بغزة، فإنّ عدد المنشآت التي كانت تعمل في قطاع الصناعات المعدنية قبل الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة منذ العام 2006، 550 منشأة، أقفل منها 300 نتيجة عدم توفر المواد والحديد الذي يعد مصدر الدخل الوحيد لهذه المنشآت.

وبحسب إحصائيات اتحاد نقابات العمال في قطاع غزة، فقد تجاوز عدد العمال المتعطلين بعد الحرب الأخيرة على غزة الـ30 ألف عامل نتيجة تدمير المنشآت الصناعية، فيما بلغ عدد العمال المتعطلين عن العمل بفعل الحصار المفروض على القطاع منذ 2006 قُرابة الـ170 ألف عامل، قطاع كبير منهم من عمال البناء، نظراً لسياسة إسرائيل في منع إدخال مواد البناء، والعديد من المواد الخام الخاصة بالمصانع للقطاع.

اقرأ أيضاً: التسول في غزة جريمة يعاقب عليها القانون

وفي 22 أيار (مايو) العام الماضي، قال البنك الدولي، في بيان، إنّ نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت 43%، وهي الأعلى في العالم، وإنّ نحو 80% من سكان القطاع يحصلون على شكل من أشكال الإعانة الاجتماعية، ولا يزال 40% منهم يقبعون تحت خط الفقر.

لا بدائل أخرى

ويضيف أبو ديه والذي اكتست يديه بالخدوش والكدمات خلال حديثه لـ "حفريات" أنه "لم يحظ بفرصة عمل منذ حصوله على شهادة البكالوريوس في التربية قبل أكثر من 12 عاماً، إلا أنه يصر على العمل في هذه المهنة لانعدام البدائل المتوفرة أمامه، في ظل الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 15 عاماً".

وتابع "هناك إقبال كبير من قبل بعض المواطنين بغزة على شراء الحديد المستخدم، لرخص ثمنه مقارنة بغيره من الحديد الذي يتم استيراده من جمهورية مصر العربية وإسرائيل"، مشيراً أن "ثمن طن الحديد الجديد يتجاوز 3 آلاف شيقل (950 دولاراً أمريكياً)، في حين يقدر سعر طن الحديد المستخدم والمستخرج من المنازل ما بين 1000 إلى 1300 شيقل ( 400 دولار أمريكي)، وهو ما يفسر الاقبال الكبير على شرائه".

ثمن طن الحديد الجديد يتجاوز 3 آلاف شيقل (950 دولاراً أمريكياً)

ولفت أبو ديه إلى أنّ "الاحتلال الإسرائيلي قام بتوفير ماكنة آلية لطحن الحديد القادم من قطاع غزة بداخل معبر كرم أبو سالم من خلال كبسه على شكل مكعبات، ومن ثم إرساله إلى المصانع الإسرائيلية، والتي تعمل على إعادة تدويره واستخدامه في صناعة السيارات وحديد البناء".

مهنة شاقة

وبواسطة عربة يجرها حمار يقطع الشاب مصطفي العقاد مسافات طويلة تزيد عن 10 ساعات يومياً متنقلاً بين شوارع محافظتي خانيونس ورفح جنوبي القطاع لجمع قطع الحديد البالية، لبيعها لأحد التجار، كي يستطيع تأمين قوت يومه وعائلته المكونة من خمسة أفراد.

ويضيف العقاد ( 43 عاماً) والذي بدت عليه ملامح التعب والجروح التي غطت كفيه أثناء حديثه لـ "حفريات" "مهنتي شاقة للغاية، وأفكر مراراً في تركها، إلا أنني أضطر للاستمرار بها لتأمين قوت يوم أسرتي، على الرغم من ضآلة المبلغ الذي أحصل عليه، والذي لا يتجاوز في أفضل الأحوال 35 شيقل ( 10 دولارات أمريكية)، إلا أنه أفضل من اللا شيء ،في ظل انعدام بدائل العمل الأخرى في قطاع غزة المحاصر".

رئيس اتحاد الصناعات الهندسية والمعدنية المهندس روبين الجولاني لـ "حفريات": إعادة تدوير نفايات الحديد تحقق عائداً اقتصادياً جيداً، ونمواً في الناتج المحلي الفلسطيني

ويقوم العقاد بجمع كل ما يصادف طريقه من حديد وخردة وهياكل الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والسيارات القديمة، وكذلك النبش داخل حاويات القمامة، ليعود بما حصل عليه خلال عمله الشاق إلى منزله، وفرز القطع التي جمعها وفقاً لأنواعها ودرجة التلف والصدأ الذي أصابها, وبيعها لأحد التجار.

ولفت العقاد إلى أنّ "هذه المهنة من شأنها ترك آثار صحية سيئة وخطيرة على أصحابها"، مبيناً أنه "منذ عمله في جمع قطع الحديد وهو يعاني من آلام مستمرة في ظهره ويديه، الا أن ظروفه المعيشية الصعبة وحاجته الماسة للمال لإعالة أسرته المكونة من 9 أفراد، تدفعه لمواصلة عمله دون كلل أو ملل، بالرغم من كافة التحديات".

عائد اقتصادي جيد

ويرى رئيس اتحاد الصناعات الهندسية والمعدنية، المهندس روبين الجولاني لـ "حفريات" أنّ "أغلب النفايات الصلبة التي يتم تصديرها للجانب الاسرائيلي هي مادة القصدير والنحاس، في حين يتم تصدير بعض نفايات الحديد لدولة الاحتلال، لإعادة تدوير تلك المخلفات، بسبب ندرة المنشآت التي تقوم بطحن وصهر الحديد بغزة".

روبين الجولاني

وبين أنّ "إعادة تدوير نفايات الحديد من شأنها تحقيق عائد اقتصادي جيد، ونمو في الناتج المحلي الفلسطيني، وكذلك التخفيف من معدلات البطالة المرتفعة بين العمال العاطلين عن العمل في غزة، موضحاً بأنه يتم كبس هذه المخلفات على شكل مكعبات، ومن ثم إعادة تصنيعها، لإنتاج المئات من المنتجات الصناعية المتنوعة".

اقرأ أيضاً: غزة: مزرعة أقفاص بحريّة تنتج 120 طناً من أسماك الدنيس

ويحذر الجولاني من خطورة قضبان الحديد التي يتم استخراجها من المباني والمنشآت المدمرة والتي عادة ما يجري إعادة استخدامها في القطاع لبناء مساكن جديدة، "فهي تتنافى مع المواصفات الهندسية المعمول بها في فلسطين، لفقدانها جزء كبير من خواصها، والذي يصل ما بين 60 إلى 70%، وهي نسبة غير أمنة على الاطلاق في عمليات البناء".

قيود إسرائيلية مشددة

بدوره، يقول أشرف أبو ركبة وهو صاحب ورشة لبيع الخردة والحديد بمنطقة خزاعة جنوب القطاع إنّ "موافقة الجانب الإسرائيلي على السماح بتصدير نفايات الحديد ساهم في إعادة تنشيط هذه المهنة، والذي يعمل بها قرابة 5 آلاف عامل"، مبيناً أنّ "هذه المهنة تعرضت للركود لفترات طويلة، بفعل الاجراءات الإسرائيلية التي تفرض قيود مشددة على تصديرها خارج القطاع".

اقرأ أيضاً: لماذا وافقت إسرائيل على مدّ أنبوب غاز إلى محطة كهرباء غزة؟

 ويضيف أبو ركبة في حديثه لـ "حفريات": "القطاع ينتج ما يزيد عن 500 ألف طن من النفايات الصلبة كالحديد والبلاستيك والنحاس والالمنيوم والكرتون وغيرها، وتذهب النسبة الأكبر من هذه المخلفات في مكبات النفايات التابعة لبلديات قطاع غزة، دون أن يتم استغلالها والاستفادة منها".

ويذكّر أبو ركبة بأنّ "نفايات الحديد والمعادن لا تشكل سوى 3%  فقط من مجموع النفايات الصلبة بالقطاع، بينما تشكل النفايات العضوية النسبة الأكبر من مجموع النفايات الصلبة كبقايا الطعام والنباتات".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية