كيف ستؤثّر التحولات في تونس على إخوان ليبيا وحليفهم التركي؟

كيف ستؤثّر التحولات في تونس على إخوان ليبيا وحليفهم التركي؟


10/08/2021

القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 25 يوليو (تموز) الماضي، وعلى رأسها تجميد البرلمان، وإقالة حكومة هشام المشيشي، ثم إقالة وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، خلقت واقعاً تونسياً جديداً، ستكون له تبعات على الداخل والإقليم المغاربي، خاصة أنّ البعد الإقليمي لا ينفصل عن البعد الداخلي في قرارات سعيّد.

وكما كان لصعود الإخوان المسلمين المؤقت في مصر، عقب ثورة 25 يناير، تأثيراً محفزاً لصعود بقية فروع الجماعة في المنطقة العربية، كان لسقوط الجماعة في مصر بعد ثورة 30 يونيو تأثير حجر الدومينو في المكانة التي اكتسبتها الجماعة إقليمياً، فتغيرت المعادلة الليبية منذ عام 2014، وتطورت إلى وضع مأزوم للإخوان المسلمين اليوم، وبات وجودهم مرتبطاً بالحماية العسكرية التركية والتحالف مع الميليشيات الإجرامية والإرهابية، والتخفي وراء التقسيمات الجهوية التي تتحكم بقوة في المشهد الليبي.

أردوغان مستقبلاً رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي

ومثّل الوجود الطويل لإخوان تونس (حركة النهضة) داعماً قوياً لإخوان ليبيا، فالجماعة تعمل وفق رؤية متناغمة عابرة للدولة الوطنية، في سبيل تحقيق رؤية الجماعة الأيديولوجية بالسيادة والهيمنة على العالم الإسلامي، ولهذا كان سقوط إخوان تونس، بعد قرارات الدولة الوطنية برئاسة قيس سعيّد، بمثابة ضربة كبيرة لجماعة الإخوان في ليبيا، على عدد من المستويات.

الهزيمة المعنوية

وتعاني جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وضعاً مأزوماً منذ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، والذي فسح المجال أمام العملية السياسية التي أنتجت السلطة المؤقتة؛ المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية، وحددت 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل موعداً لإجراء الانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية، وكان من المفترض أن تخرج القوات الأجنبية والمرتزقة في حدّ أقصى 23 كانون الثاني (يناير) العام الجاري، وهو ما لم يتحقق، رغم الجهود الدولية والإقليمية في هذا السياق.

السياسة التونسية الخارجية ستشهد تغيرات كبيرة، لن تكون في صالح دعم أو غضّ الطرف عن الوجود العسكري التركي في ليبيا، خصوصاً وجود المرتزقة

ومع وقف إطلاق النار تغيّرت موازين الربح والخسارة في البلاد؛ فرغم الانسحاب العسكري لقوات القيادة العامة بقيادة المشير خليفة حفتر بعد إخفاق الهجوم على طرابلس، وتقدم الميليشيات في المنطقة الغربية بدعم من تركيا والمرتزقة الأجانب، إلا أنّه بعد توقف التقدم بإعلان الخط الأحمر المصري، في حزيران (يونيو) 2020، واستعادة القوات المسلحة الليبية لتوازنها، بدأت الأخيرة تستثمر في تطوير قدراتها العسكرية مع قبولها بالحلّ السياسي شريطة إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مباشرة ومتزامنة في موعدها المحدد.

وعلى الجانب الآخر، تضع جماعة الإخوان المسلمين، في ملتقى الحوار السياسي والمجلس الأعلى للدولة، عبر الموالين لها، العراقيل أمام التوصل إلى قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، ما جعلها تنكشف أمام المجتمع الدولي كمعرقل للتسوية الشاملة للأزمة، ويضعها تحت طائلة العقوبات الأمريكية المحتملة.

اقرأ أيضاً: تونس: توقيف نائب موالٍ للإخوان ومنع آخر من السفر ... ما القصة؟

وتختلف طبيعة وجود جماعة الإخوان في ليبيا عن مصر وتونس، بل وبقية الأقطار العربية؛ فإخوان ليبيا لا يكتسبون نفوذهم من أرضية شعبية بأيّ حال من الأحوال، فالانتماء الجهوي أقوى من الأيديولوجيا في البلاد، وتكتسب الجماعة قوتها من تحالف بين ميليشيات مسلحة جهوية وأخرى مصنفة إرهابية وإجرامية في المنطقة الغربية، مع تصدّر الإخوان للمشهد السياسي، بحكم الدعم الغربي، خصوصاً البريطاني والأمريكي، للجماعة، منذ أحداث الربيع العربي، عام 2011، وحال إجراء الانتخابات من المؤكد أنّ أحزاب الجماعة لن تحوز إلا على عدد ضئيل من المقاعد، وستذهب حصة الغرب إلى القوى الجهوية التقليدية التي دخلت في تحالف مرحلي مع الإخوان، ولهذا تخشى الجماعة بشدة من الانتخابات، خصوصاً الرئاسية.

المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، لـ "حفريات": حركة النهضة جعلت من تونس قاعدة انطلاق للتحركات التركية ليس نحو ليبيا فقط، بل وباقي دول المغرب العربي

واستمدّ فرع إخوان ليبيا جزءاً من قوته من الفرع التونسي (حركة النهضة) الذي هيمن على البلاد لمدة عشرة أعوام، قدم خلالها الدعم المعنوي والتنظيمي والتسهيلات اللوجستية والحاضنة الخلفية، ومع انهيار تجربة حركة النهضة بعد الاحتجاجات الشعبية وقرارات الرئيس قيس سعيّد، فقد إخوان ليبيا هذا الدعم الكبير.

ورداً على ما حدث في تونس، كتب القيادي الإخواني، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري؛ "14 فبراير 2014 انقلاب (القائد العام للجيش الليبي خليفة) حفتر، و25 يوليو 2021 انقلاب قيس (سعيّد)، ما أشبه الليلة بالبارحة".

وأضاف: "نرفض الانقلابات على الأجسام المنتخبة وتعطيل المسارات الديمقراطية"، والعجيب أنّ المشري نفسه كان أحد قادة انقلاب ميليشيات فجر ليبيا على البرلمان والحكومة الشرعية، عام 2014، كما أنّ الجسم السياسي الذي يرأسه لم يأتِ عبر انتخابات، بل عبر تسوية الصخيرات السياسية التي شرعنت انقلاب الإخوان بدعم غربي.

ويرى المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط؛ أنّ حركة النهضة جعلت من تونس قاعدة انطلاق للتحركات التركية ليس نحو ليبيا فقط، بل وباقي دول المغرب العربي، وهذا الأمر تطور أثناء تقدم الجيش الليبي نحو العاصمة طرابلس.

اقرأ أيضاً: الأزمة التونسية ورهانات المرحلة المقبلة

وأضاف قشوط لـ "حفريات"؛ تحرك الرئيس قيس سعيّد، مدفوعاً بدعم الشعب التونسي، أفسد ذلك المخطط، ووضع النفوذ التركي بين فكي كماشة المحور العربي المضاد للمشروع الإيراني والتركي بالمنطقة، الأمر الذي سيحد من الانتشار العسكري التركي، وسيدفعه بالمرحلة المقبلة لقبول واقع الانسحاب، وإنهاء وجوده في ليبيا؛ لإدراكه أنّ أوراق اللعبة تغيّرت، وأنّ أيّة مواجهة مسلحة خاسرة.

إضعاف الحليف التركي

وإلى جانب فقدان الدعم اللوجيستي المباشر للإخوان في ليبيا، خسرت تركيا من إطاحة حركة النهضة كثيراً؛ سواء في ليبيا أو داخل تونس نفسها، بعد إقالة الحكومة وتجميد البرلمان، اللذين دعما زيادة النفوذ التركي داخل تونس، وحتى داخل المؤسسة العسكرية، لتطويعها كي تكون شريكاً للسياسة التركية - الإخوانية في ليبيا وشمال أفريقيا.

وداخل ليبيا لم يعد بمقدور أردوغان الاستفادة من دعم الإخوان في تونس، بعد إبعادهم الشعبي والرئاسي عن السلطة، وفق أحكام الدستور، وحتى وإنّ لم تتلقَّ تركيا تسهيلات عسكرية من تونس، بسبب رفض الرئيس قيس سعيّد ذلك، عقب توليه الرئاسة، فقد استفادت من تأمين الجانب الغربي لقواتها، ما أتاح لها حرية الحركة العسكرية تجاه الشرق الليبي.

ومن المؤكد أنّ السياسة التونسية الخارجية ستشهد تغيرات كبيرة، لن تكون في صالح دعم أو غضّ الطرف عن الوجود العسكري التركي في ليبيا، خصوصاً وجود المرتزقة، وهو ما سيشكّل ضغطاً دبلوماسياً كبيراً على تركيا وحلفائها الإخوان، وسيعزز الجهود الإقليمية والدولية لمجابهة الوجود التركي.

ومن زاوية أخرى؛ قطعت قرارات الرئيس قيس سعيّد الطريق أمام التعاون العسكري التركي التونسي، الذي شهد تنامياً مؤخراً، تمثّل في توقيع اتفاقيات عسكرية لتوريد أنظمة طيران مسيّر وبرامج تدريب مشترك، ضمن مخطط تركي لتعزيز النفوذ داخل الجيش التونسي عبر التسليح والتدريب.

وارتبط بذلك قرار الرئيس قيس سعيّد بإقالة وزير الدفاع، إبراهيم البرتاجي، فالأخير كان وراء تعزيز التعاون العسكري مع تركيا.

أفول التجربة الإخوانية

وكشف ردّ فعل الدول الغربية تجاه الأحداث في تونس تنامي الإدراك الغربي بخطأ نظرية تمكين الإخوان المسلمين من الحكم في المنطقة العربية، وحول ذلك يقول محمد قشوط؛ لو وضعنا الخريطة الجيوسياسية أمامنا على المستوى الإقليمي، وعدنا بالذاكرة بشكل سريع للخلف، لأدركنا أنّ مشروع تمكين تنظيم الإخوان، الذي وضعته إدارة أوباما وتكفّلت به هيلاري كلينتون عام 2011، وكان يُراد له السيطرة على كافة أنظمة الحكم بالوطن العربي، بات في حكم الميت بعد ما حدث في تونس، التي كانت آخر دولة عربية يهيمن عليها الإخوان.

اقرأ أيضاً: "إخوان تونس" الفشل و"النجاح"!

وأردف قشوط؛ بعد هذه الأعوام وصل النظام العالمي لقناعة بأنّه لم تعد هناك فائدة من تمكين الإخوان، فإدارة أوباما قد رحلت، وتفكير الولايات المتحدة تغيّر، وأنظمة الحكم في أوروبا تغيّر أغلبها، بل بعضها بدأ يصنّف الإخوان كتنظيم متطرف، وحتى تركيا، التي تاجرت بهم ومنحتهم الملاذ الآمن، أصبحت مستعدة للتخلص منهم مقابل أن تستعيد علاقاتها بالدول العربية وتحقق بعض المكاسب الاقتصادية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية