كيف ستتصرف حماس بعدما صمتَ هدير المدافع؟

كيف ستتصرف حماس بعدما صمتَ هدير المدافع؟


27/05/2021

بعد أن انطفأت النيران، وصمتَ هدير المدافع والصواريخ في أعقاب العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، والاعتداءات في القدس، والعدوان العنصري في الأراضي المحتلة عام 1948، تبرز الحاجة إلى التناول العقلاني للخطوة المقبلة.

لقد حرّكت الحرب الأخيرة المياه كثيراً، ودفعت باتجاه الحلول السياسية المقنعة للشعب الفلسطيني، فيما برزت أصوات فلسطينية تدعو إلى عملية مراجعة لما جرى، وعدم الاختباء وراء الانتصار الذي تحقق في الحرب، والذي أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث الدولية.

باحثة في جامعة بروكسل: حماس تحاول أن تتموضع بوصفها حامية للفلسطينيين وقبل كل شيء للقدس، ومن الواضح أنّ حماس تحاول إحراج محمود عباس الضعيف أصلاً

ومع إقراره بأهمية ما تم إنجازه خلال العدوان الأخير، فإنّ الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ماجد كيالي ينتقد الكيفية التي تصرفت بها حماس في إهدائها النصر إلى أطراف إقليمية، لم تساهم حقيقة في الإنجاز الذي كتبه الفلسطينيون بوحدتهم ودمائهم.

وجوبهت حركة حماس بعاصفة من الانتقادات، بعد أن شكر رئيس مكتبها السياسي إسماعل هنية إيران على تقديم الدعم لجماعته بالمال والسلاح.

هنية يشكر إيران

وكان هنية قال، في إطلالة تلفزيونية بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع إسرائيل برعاية مصرية: "أوجه الشكر للذين قدموا المال والسلاح للمقاومة.. إيران لم تبخل عن مد المقاومة بالمال والسلاح والتقنيات".

وعلى ذلك يعلق كيالي في حوار مع "حفريات" أجراه الزميل حامد فتحي: "إنه شيء مهين وغير معقول ولا مقبول محاباة إيران والنظام السوري، بل ومحاباة أيّ نظام عربي"، معتبراً أنّ "إيران نهشت في لحمنا الحيّ في مجتمعات المشرق العربي بسياساتها وخياراتها في العراق وسوريا؛ إذ إنّ تقويضها بناء الدولة والمجتمع خدم اسرائيل وقوّاها، والمؤسف أنّ ذلك باسم فلسطين والمقاومة، وهاهي تتلقى الضربات الأمريكية والإسرائيلية في العراق وسوريا، وحتى في إيران ذاتها، ولا ترد بما يتناسب مع تلك الضربات".

اقرأ أيضاً: ما موقف حماس من إشراف السلطة الفلسطينية على إعادة إعمار غزة؟

أما محاباة النظام السوري؛ فتلك مصيبة كبرى، بالنسبة لكيالي "إذ تتناسى سياساته الفلسطينية من تضييع الجولان إلى التدخل في لبنان، إلى حروب المخيمات، وتتناسى أنّ هذا النظام الاستبدادي ضيّع شعبه وشرّد الملايين منه… (يا حيف على هيك حركة تحرّر لا تعرف معنى الحرية والكرامة)".

مواقف لا علاقة لها بالسياسة ولا بالأخلاق

وتابع الكاتب الفلسطيني: "هذه مواقف لا علاقة لها بالسياسة، ولا بالأخلاق، ولا بالقيم، مفهوم أنّنا لا نطالب تلك الفصائل البائسة بأن تحارب النظام السوري، أو أن تعاديه، لكنّ محاباته ليست مفهومة، والجلوس معه على جماجم الشعب السوري، وليس مفهوماً البتة إهداء انتصارات إلهية أو غير إلهية، تعمّدت بدماء شعبنا وتضحياته إلى إيران أو إلى أيّ أحد كان".

وفي سياق المراجعات، يقول كيالي في مقال له نشرته "العرب" اللندنية: مع كل التقدير للتضحيات والبطولات، فإنّ التطورات الحاصلة، وتبعاً لخبرات التجربة الوطنية الفلسطينية، التي لها 56 عاماً، وبحكم واقع حماس كسلطة، يفترض التفكير بالمسائل الآتية:

أولاً، هل يجوز لفصيل ما، سواء كان فتح أو حماس أو أيّ فصيل آخر، أخذ الشعب إلى خيار سياسي أو كفاحي، مهما كان نوعه، وبمعزل عن مشاركة الشعب بالتقرير بهذا الخيار، أو الاستعداد له، علماً أنّ أغلبية الشعب الفلسطيني اليوم خارج الفصائل، وعلماً أنّ تلك الفصائل أضحت سلطة في الضفة أو غزة كما قدمنا؟ وعلماً أنّ الشعب الذي لا أحد يسأله عن رأيه هو الذي يدفع الثمن الأكبر لأيّ خيار تأخذه فتح أو حماس؟

المحلل الفلسطيني ماجد كيالي: هل ستتمكن حماس من تصريف كل تلك التضحيات والبطولة في فرض شروط معينة على العدو، أم ستكون النتيجة كالحرب السابقة؟

ثانياً، هل من المشروع سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً خوض معركة من نوع جيش مقابل جيش أو صاروخ مقابل صاروخ؟ لا أتحدث هنا عن البون الشاسع في القوة التدميرية، ولا عن البون الشاسع في عدد الضحايا والخسائر، وإنما أتحدث بالتحديد عن جواز ذلك عسكرياً، إذ من المفروض أن المقاومة تنتهج إستراتيجية الضعيف ضد القوي، وأنها تحيّد القوة العسكرية الباطشة للعدو ما أمكن، وأنها تجنب شعبها ضربات العدو، وأنها أساساً تربح المعارك بالنقاط وليس بالضربة القاضية، وأنّ ما يحكم صوابية شكل معين، من عدم ذلك، هو أنه يجب أن يفضي إلى إضعاف مجتمع العدو أو استنزافه، وليس العكس، أي إضعاف الشعب أو مجتمع المقاومة واستنزافه. ومع تأكيد مشروعية كل أشكال الكفاح، إلا أنه لكل شكل كفاحي ظروفه، ومعطياته، أيضاً، لتأمين إمكان استثمار هذا الشكل أو ذاك.

التحوّل نحو العسكرة

ويتساءل كيالي: هل التحوّل نحو العسكرة والحرب الصاروخية سيعزز من النهوض الشعبي الفلسطيني، وسيرسخ انتقال فلسطينيي 48 إلى قلب العملية الوطنية الفلسطينية، أم أنه سيؤدي إلى كبح ذلك، وقطع الهبّة الشعبية؟ وهل ستتمكن حماس من تصريف كل تلك التضحيات والبطولة في فرض شروط معينة على العدو، أم ستكون النتيجة كالحرب السابقة، أو في أحسن الأحوال الاعتراف بشرعيتها كسلطة في غزة، مع تكريس فصلها عن الضفة؟

وتسبب العدوان الإسرائيلي على غزة في استشهاد 243 فلسطينياً بينهم 66 طفلاً، وإصابة أكثر من 1900. وفي إسرائيل، أودت الهجمات الصاروخية بحياة 13 شخصاً، وإصابة 335 آخرون بجروح، وفق الشرطة الإسرائيلية.

وبلغت الخسائر المادية الأوليّة في غزة عشرات الملايين الدولارت، فوفق وكالة "أونروا" فإنّ العدوان الإسرائيلي أدى إلى نزوح أكثر من 75 ألف فلسطيني لجأ منهم 28 ألفاً و700 إلى مدارس تابعة للوكالة.

ماذا تريد حماس؟

وتدور الآن أسئلة عديدة حول المآلات المقبلة، بعد صمت المدافع، حيث يقول تقرير نشره موقع "فرانس 24": ماذا تريد كل من حماس وإسرائيل؟

اقرأ أيضاً: من المسؤول عن تدهور صحة الأسير الفلسطيني منصور الشحاتيت؟.. ما علاقة حماس

وتجيب عن هذا السؤال، ليلى سورات، الباحثة المشاركة في مرصد العالمين العربي والإسلامي في جامعة بروكسل الحرة: إنّ "حماس تحاول أن تتموضع بوصفها حامية للفلسطينيين وقبل كل شيء للقدس، وهو أمر جديد نسبياً مقارنة بما كان عليه المشهد سابقاً".

وتضيف "من الواضح أنّ حماس تحاول إحراج محمود عباس الضعيف أصلاً والذي أرجأ الانتخابات. ولكن في ما يتجاوز ذلك، تشعر الحركة بأنّ هناك أموراً تتطور من وجهة نظر فلسطينية".

وفي الأشهر الأخيرة، توافقت حماس التي تسيطر على قطاع غزة وحركة فتح بزعامة عباس الذي مقره في رام الله بالضفة الغربية على خريطة طريق للمصالحة بعد انقسام استمر أكثر من عقد.

ومحور هذه المصالحة إجراء انتخابات كانت مقررة في أيار(مايو). لكنّ عباس أرجأ الاستحقاق؛ لأنّ إسرائيل التي تحتل القدس الشرقية لم توافق على إشراك الفلسطينيين من سكانها فيه. ولم تخف حماس استياءها من قراره وخصوصاً أنها كانت تعول على الانتخابات لمعاودة اكتساب شرعيتها.

حماس استغلت الشيخ جراح

وتزامن ذلك مع تنظيم تظاهرات في القدس فجرتها قضية حي الشيخ جرّاح. وتوضح سورات أنّ حماس "لم تقف وراء هذا الحراك" بل حاولت "استغلاله"، وقد "استخدمت الأداة العسكرية لتكون في صلب حماية فلسطينيي القدس".

وتأتي الزيارة الحالية لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للشرق الأوسط في ضوء سعي الولايات المتحدة لإعادة الحياة للمسار التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

اقرأ أيضاً: مخاوف من العزلة تدفع حماس سريعاً لمباركة التقارب المصري التركي

ويتوقع المحلل السياسي الأردني ماهر أبو طير أن يكون الفشل عنوان زيارة وزير الخارجية الأمريكي، ويؤكد في مقال في صحيفة "الغد" أنّ "جولة الوزير ستكون فاشلة، فهو يأتي في سياق جولة علاقات عامة، ليثبت أنّ واشنطن غير منحازة، وأنّ لديها تصوراً لحل القضية الفلسطينية، وعلى الأرجح سوف تغادر الإدارة موقعها مثل غيرها، قبل أن تحقق شيئاً، كما أنّ الإدارة الحالية ستجعل تركيزها على الملف الإيراني، وكل ما يهمها هو تهدئة الأوضاع في فلسطين خلال الفترة المقبلة، بشكل عام".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية