لبنان المأزوم: السياسيون يناورون.. فمن ينقذ الوطن؟

لبنان المأزوم: السياسيون يناورون.. فمن ينقذ الوطن؟


18/03/2021

ما زال لبنان قابعاً تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، تترافق مع شلل سياسي تام، فيما يتناحر ويتناكف المسؤولون ويتقاذفون اتهامات تعطيل تشكيل الحكومة فيما بينهم.

وفي وقت بدأت فيه حالة الانهيار تُهدّد بانفجار اجتماعي وشعبي في لبنان، وجّه رئيس الجمهورية ميشال عون دعوة إلى الرئيس المُكلّف سعد الحريري لزيارة قصر بعبدا من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معه، وفق الآليّة والمعايير الدستوريّة المعتمدة في تأليف الحكومات من "دون تحجج أو تأخير"، على حد وصفه.

اقرأ أيضاً: هل بات لبنان على حافة المجاعة؟

وفي كلمته إلى اللبنانيين، مساء الأربعاء، أوضح عون أنّه "في حال وجد رئيس الحكومة المكلّف نفسه عاجزاً عن التأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني تتصدّى للأوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد، فعليه أن يفسح المجال أمام كل قادر على التأليف".

وخاطب عون اللبنانيين، قائلاً: "اليوم، ومن منطلق قسمي، وبعدما تقدّم رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بعناوين مسوّدة حكومية لا تلبّي الحد الأدنى من التوازن الوطني والميثاقية، ما أدخل البلاد في نفق التعطيل، فإني أدعوه إلى قصر بعبدا، من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معي، وفق الآليّة والمعايير الدستوريّة المعتمدة في تأليف الحكومات من دون تحجج أو تأخير. كلّ ذلك من منطلق مسؤوليّته الدستوريّة وضميره الإنساني والوطني، ذلك أنّ مثل هذه المعاناة الشعبيّة لن ترحم المسؤول عن التعطيل والإقصاء وتأبيد تصريف الأعمال. دعوة مصمّمة وصادقة للرئيس المكلّف إلى أن يبادر فوراً إلى أحد الخيارين المتاحين، حيث لا ينفع بعد اليوم الصمت والتزام البيوت الحصينة، علّنا ننقذ لبنان".

عون: في حال وجد رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري نفسه عاجزاً عن التأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني تتصدّى للأوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد، فعليه أن يفسح المجال أمام كل قادر على التأليف

 

وكان باستطاعة الرئيس عون أن يتواصل مع الرئيس المكلف سعد الحريري مباشرة ليدعوه إلى قصر بعبدا، بدلاً من هذه الاطلالة التي وصفت بـ "باسيلية المضمون"، وساهمت في توتّر أجواء الشارع أكثر فأكثر، خصوصاً أنّها لم تُقدّم حلاً ولا مشروع حل، بل لجأ عون إلى عبارات إنشائية تقليدية لم يعد اللبنانيون يأخذون بها بعدما ملوا سماعها وسئموا من تقاذف المسؤوليات، حيث تحدّث عون وكأنه ناشط أو ثائر سياسي أكثر ممّا هو رئيس للجمهورية تقع على عاتقه مسؤولية إنقاذ البلاد، وساق الاتهامات وكأنّه وصل للتو إلى العمل السياسي وفوجئ بالأوضاع الراهنة.

اقرأ أيضاً: مَن يوقف انحدار قطار لبنان نحو الانهيار؟

وتشير المعلومات المتوفرة إلى أنّ إطلالة الرئيس عون وما تضمنته كانت نتيجة عدم رد الحريري على الاتصالات التي جرت معه من تحت الطاولة سواء عبر اللواء عباس إبراهيم، أو النائب علي حسن خليل، كون الاقتراحات المقدمة لا تخدم حكومة "المهمة" التي جاءت بها المبادرة الفرنسية، ما دفع عون إلى إحراج الحريري عبر وسائل الإعلام.

الحريري يرد

بدوره، ردّ سعد الحريري على خطاب الرئيس عون، مساء الأربعاء، بإصدار بيان حمّل فيه عون المسؤولية، مشيراً إلى أنّه قدّم قبل أسابيع تشكيلة متكاملة لحكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار والشروع بإعادة إعمار ما دمره انفجار المرفأ في بيروت.

ونوّه الحريري في بيانه إلى أنّه كان ينتظر اتصالاً هاتفياً من الرئيس لمناقشته في التشكيلة المقترحة لإصدار مراسيم الحكومة الجديدة.

وقال الحريري في البيان: "تفاجأت، كما تفاجأ اللبنانيون جميعاً، بفخامة الرئيس وهو يدعوني عبر كلمة متلفزة إلى القصر الجمهوري، من أجل التأليف الفوري بالاتفاق معه وفق الآلية والمعايير الدستورية المعتمدة، كما قال فخامته".

اقرأ أيضاً: واشنطن تدعم جيش لبنان وموسكو تدعو "حزب الله" لتسريع الحكومة

وأضاف الحريري: "وبما أنني قد زرت فخامة الرئيس 16 مرة منذ تكليفي بنفس الهدف الذي وضعه فخامته، للاتفاق على حكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها ووقف الانهيار الذي يعاني منه اللبنانيون، فإني أُجيبه بالطريقة نفسها؛ أنني سأتشرف بزيارته للمرة الـ 17، فوراً إذا سمح جدول مواعيده بذلك، لمناقشته في التشكيلة الموجودة بين يديه منذ أسابيع عديدة، والوصول الفوري إلى إعلان تشكيل الحكومة".

تشير المعلومات المتوفرة الى أنّ إطلالة الرئيس عون وما تضمنته كانت نتيجة عدم رد الحريري على الاتصالات التي جرت معه من تحت الطاولة

 

واليوم، أعلنت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية اللبنانية أنّ الرئيس ميشال عون حدّد موعداً لرئيس الحكومة المُكلّف، سعد الحريري، عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم الخميس لزيارة قصر بعبدا.

وقالت المديرية في تغريدة عبر "تويتر" إنّ "رئاسة الجمهورية تعوّل على الحس بالمسؤولية الوطنية لدى الرئيس المكلف فيأتي حاملاً تصوراً لتشكيل حكومة تراعي مقتضيات التوازن والميثاقية والاختصاص، مستخلصاً بذلك أشهر التكليف الخمسة".

عادة ما يتأخر تشكيل الحكومات في لبنان لأشهر عدة جراء التجاذبات بين الأطراف السياسية وخلافاتها على الحصص

وعودة إلى الحريري، ألمح رئيس الوزراء أنّ عون يتعمّد تعطيل تشكيل الحكومة، حيث قال في بيانه: "في حال وجد فخامة الرئيس نفسه في عجز عن توقيع مراسيم تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار الذي تعاني منه البلاد والعباد، فسيكون على فخامته أن يصارح اللبنانيين بالسبب الحقيقي الذي يدفعه لمحاولة تعطيل إرادة المجلس النيابي الذي اختار الرئيس المكلف، والذي يمنعه منذ شهور طويلة عن إفساح مجال الخلاص أمام المواطنين، وأن يختصر آلامهم ومعاناتهم عبر إتاحة المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة وهي الوسيلة الدستورية الوحيدة القادرة على إلغاء مفاعيل اختياره من قبل النواب لرئاسة الجمهورية قبل 5 أعوام، تماماً كما اختاروني رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة قبل 5 أشهر".

ويمكن القول إنّ البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي للرئيس الحريري رفع من مستوى التحدي السياسي بوضع رئيس الجمهورية أمام خيارين؛ فإما أن يتوافق معه على حكومة تبدأ بعملية الإنقاذ، وإما في حال رفضه لها وعدم توقيعه لمراسيمها أن يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة.

اقرأ أيضاً: معنى أن يكون لبنان "دولة حزب الله"

ومن المفترض أن يعقد اللقاء الـ17 بين عون والحريري، لكن هذه المرة سيكون مفصلياً، فإما التوافق على وضع الأزمات على سكة الحل بتشكيل حكومة، أو استمرار الخلاف وتبادل الدعوات للاستقالة والاعتذار، وعندها سيكون الارتطام الكبير الذي سيفتح أبواب لبنان أمام أزمة حكم.

هل يُمثّل باسيل حجر عثرة أمام تشكيل الحكومة؟

ويبدو أنّ  رئيس الجمهورية يناور لتحميل سعد الحريري عبء الفشل في تشكيل الحكومة، علماً أنّ رئيس الوزراء المكلّف كان قدّم إلى ميشال عون - في لقاء سابق - لائحة بأعضاء حكومته، كما أكّد بيانه.

وتضمّنت تلك اللائحة مجموعة من الأسماء كان رئيس الجمهورية طلب أن تكون في الحكومة التي يصرّ الحريري على أن تكون حكومة "اختصاصيين"، وذلك وفق المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارتيه الأخيرتين لبيروت.

ردّ الحريري على خطاب الرئيس عون، مساء الأربعاء، بإصدار بيان حمّل فيه عون مسؤولية عدم تشكيل الحكومة حتى الآن

وما يعرقل تشكيل حكومة في الوقت الحاضر مطالب جديدة طرحها جبران باسيل عبر ميشال عون، وبموجب هذه المطالب يصرّ رئيس الجمهورية على تسمية الوزراء المسيحيين الخمسة في الحكومة، ومن بينهم وزير الداخلية، وهو أمر يرفضه سعد الحريري كلّياً.

ومن المتوقع أن تراوح الأزمة الحكومية في لبنان مكانها، خصوصاً أنه ليس في الدستور ما يمكن أن يدفع الحريري إلى الاعتذار عن عدم تشكيل حكومة، بعدما كلفّته الأكثرية النيابيّة بهذه المهمّة.

وتشير تقارير صحفية إلى أنّ تشبّث عون وتياره السياسي بالحصول على حصّة حكومية مرجحة هو ما يعيق ولادة الحكومة. كما تتحدث التقارير عن إصرار الحريري على تشكيل حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً، فيما يطالب عون بزيادة عدد الوزراء.

ورغم ثقل الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ عام ونصف العام، لم تثمر الضغوط الدولية، التي قادتها فرنسا خصوصاً، عن تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات مُلحّة تفسح المجال أمام حصول لبنان على دعم مالي دولي ضروري.

وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مرتين منذ انفجار المرفأ وكرّر مطالبة القوى السياسية بتشكيل حكومة تتولى الإصلاح، حتى أنّه أعلن في أيلول (سبتمبر) عن مبادرة جديدة قال إنّ كل القوى السياسية وافقت عليها، ونصّت على تشكيل حكومة خلال أسبوعين.

يبدو أنّ رئيس الجمهورية يناور لتحميل سعد الحريري عبء الفشل في تشكيل الحكومة، علماً بأن رئيس الوزراء المكلّف كان قد قدّم إلى ميشال عون لائحة بأعضاء حكومته 

 

وكانت حكومة حسان دياب قد استقالت إثر انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من آب (أغسطس). وبعد طول انتظار، كلّف عون في تشرين الأول (أكتوبر) رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة.

وعادة ما يتأخّر تشكيل الحكومات في لبنان لأشهر عدة جراء التجاذبات بين الأطراف السياسية وخلافاتها على الحصص. 

ويفاقم الشلل السياسي الذي تشهده البلاد غضب اللبنانيين؛ إذ عادت منذ مطلع الشهر الحالي الاحتجاجات إلى شوارع لبنان مع استمرار تدهور الليرة، التي سجلت الثلاثاء انخفاضاً قياسياً، حيث لامس سعر الصرف مقابل الدولار عتبة الـ 15 ألف ليرة في السوق السوداء، في انخفاض مستمر منذ بدء الانهيار الاقتصادي.

وقطع متظاهرون لأيام طرقاً رئيسية في أنحاء البلاد. وتستمر التحركات بشكل شبه يومي، لكن بصخب أقل.

وينعكس انهيار الليرة على أسعار السلع التي ارتفعت بنسبة 144 بالمئة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، حيث بات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية