لماذا بدا ماكرون أكثر هدوءاً في لبنان خلال زيارته الثانية؟ هل تحققت أهدافه؟

لماذا بدا ماكرون أكثر هدوءاً في لبنان خلال زيارته الثانية؟ هل تحققت أهدافه؟


01/09/2020

مشاهد عديدة يطبعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الثانية إلى لبنان، في غضون أقل من شهر، منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) الماضي، حيث بدا الرئيس الفرنسي أكثر هدوءاً، بوجه ألطف من الزيارة الأولى التي غلبت عليها العصبية وتوجيه الأوامر، فيما بدا في الأخيرة كما لو كان في زيارة لحديقة باريسية خلفية.

وقال ماكرون خلال زيارته: أتعهّد بأن "أبذل كلّ شيء حتى تطبق إصلاحات ويحصل لبنان على ما هو أفضل. أعدكم بأنني لن أترككم"، وذلك خلال تصريحاته لمتظاهرين خارج بيت الفنانة فيروز، والتي استهلّ ماكرون جولته بزيارتها لارتشاف فنجان قهوة.

اقرأ أيضاً: تصعيد فرنسي ضد حزب الله اللبناني... رسالة إلى ماكرون والاتحاد الأوروبي

وفيما لم تخلُ الزيارة الأولى من جدل واختلاف بين نشطاء الحراك حيث جاءت في عزّ توتر وصدمة اجتاحت المدينة المنكوبة، فإنّ الزيارة الثانية ووجهت بموقف أكثر وضوحاً في أوساط شباب الحراك، ممّن شعروا بأنّ الزيارة ترسيخ لوجه لبناني قديم، لم يتغير فيه سوى سطوة أكبر لباريس، والتي شاع في الأوساط السياسية رضاها، بل تسميتها رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب.

جانب من زيارة إيمانويل ماكرون للسيدة فيروز في منزلها

وظهر محتجون في بث تلفزيوني مباشر خارج منزل فيروز حاملين لافتات تعارض تشكيل حكومة مع "القتلة"، وتحذّر ماكرون من "الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ"، بحسب ما أورده موقع "فرانس 24".

ولم تلتقط الكاميرات، كما في المرّة الأولى، خطاباً حماسياً لماكرون وسط المتظاهرين، مقابل تصدّر مشهدين: الأول على أعتاب بيت فيروز وهي رمز لبناني لم يخضع للطائفية، والثاني زراعته شجرة أرز في بيروت المنكوبة.

اقرأ أيضاً: كيف علق الفنانون اللبنانيون على زيارة ماكرون لفيروز؟

إذاً، يبدو ماكرون راضياً في الزيارة الثانية، بعدما التزم الرئيس عون بتسمية رئيس الحكومة قبل وصول الرئيس الفرنسي للاحتفال بالذكرى المئة لتأسيس لبنان الجديد، ومتابعة ما حدث من إصلاحات.

شباب الحراك يبحثون عن دور

وتكليف أديب، وهو الدبلوماسي الذي لا يحظى بإطلالة سياسية، على حدّ وصف الأكاديمي اللبناني راشد الفايد خلال مداخلة مع "سكاي نيوز" أمس، لم يكن التحرك الوحيد الذي سبق حضور ماكرون إلى لبنان، وإن كان الحدث الأهم، فبالتزامن معه حاول الشباب اللبناني والحركات والأحزاب المنخرطة في الحراك تنظيم صفوفهم على أمل لعب دور في المستقبل.

والأمل الشبابي المشوب بكثير من العقبات، والذي دفع حركات عدة إلى إصدار بيان مشترك باسم "موقف مشترك"، يتضمن 8 نقاط رئيسية يسعى الحراك إلى تحقيقها، في ما عُدّ أول بيان بمطالب واضحة ومحددة أقرب إلى "إعلان مبادئ" يتجاوز فكرة المطالب العامة برفض المحاصصة والسعي لإنهاء الطائفية، ومحاسبة الفاسدين ثمّ "القتلة" بعد انفجار المرفأ.

لم تلتقط الكاميرات كما في المرّة الأولى خطاباً حماسياً لماكرون وسط المتظاهرين، مقابل تصدّر مشهدين: الأول على أعتاب بيت فيروز، والثاني زراعته شجرة أرز

وقد تضمّن "الإعلان المشترك" المطالبة بـ"محاسبة المنظومة المجرمة"، ووقف الانهيار المالي وفق أسس العدالة في توزيع الخسائر، وإطلاق خطة إنقاذ لضحايا الانفجار ومن تأثروا بالانهيار المالي، وإطلاق مبادرة وطنية لتأسيس عقد اجتماعي مدني لا طائفي، وإعادة تشكيل السلطة عبر قانون انتخابي جديد"، بحسب "دويتش فيله".

وتوقيت البيان بالتزامن مع تسريب اسم مصطفى أديب لرئاسة الحكومة، وهو الشخصية القادمة من الظل، وقبل ساعات من وصول ماكرون إلى بيروت، يعكس شعوراً لدى قوى الحراك اللبناني بالتوجه نحو تهميشهم، عبر استراتيجية تتضمّن تمرير الوقت الحرج، فيما يبقى عصب النظام الطائفي والنفوذ الخارجي، الذي اندلع في وجهه الحراك، قائماً.

اقرأ أيضاً: ماذا قال ماكرون في مؤتمر المانحين لدعم بيروت؟

ويرى المحلّل السياسي أمين قمورية في هذه المبادرة الجديدة "أهمّ إنجاز تحقق لهذه المجموعات، إذ ضمّت 84 مبادرة وتكتلاً دون أن تلغي خصوصية كلّ طرف أو توجهاته"، لافتاً في الوقت ذاته، بحسب ما أورده موقع "دويتش فيله"، إلى أنّ أقصى ما يمكن للحراك الوصول إليه هو أن يفرض نفسه لاعباً على الساحة، وأن يفرض بعض الشروط التي تؤدي في النهاية لتأسيس دولة.

إيمانويل ماكرون يزرع شجرة أرز في شمال شرق بيروت، في ذكرى مرور 100 عام على التأسيس

ويرى مراقبون أنّ حكومة أديب تحمل خلطة سياسية توافقية، إذ إنها تحظى بغطاء سني ومباركة من الطائفة التي يُفترض أن تشكّل الحكومة وفق المحاصصة، كما أنها على علاقات طيبة مع الطائفة الشيعية، وتحظى برضا دولي، وتوافق فرنسي إيراني، وتأتي كحكومة "تكنوقراطية" في مهمّة إنقاذ سريعة تحتاج "موظفين وإداريين" وليس سياسيين.

اقرأ أيضاً: تجنب إثارة ملف حزب الله يحيط زيارة ماكرون إلى لبنان بالشكوك

غير أنّ الحراك اللبناني الذي يدعو إلى تظاهرات في الساحات اليوم، ونظّم تظاهرة بالأمس أمام منزل السيدة فيروز رافعاً مطلب "محاسبة القتلة" أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا يرى في الحكومة الجديدة سوى استمرار للنهج السابق، ولا يأمل أن تختلف عن الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب.

يقول الإعلامي اللبناني والناشط في الحراك فراس خليفة لـ"حفريات": إنّ الشارع اللبناني يستقبل حكومة مصطفى أديب بحذر وترقب، سواء لتشكيلة الحكومة أو ما يمكن أن تقدمه، ووصفها بحكومة "التوافقات الدولية".

توقيت البيان بالتزامن مع تسريب اسم مصطفى أديب، قبل ساعات من وصول ماكرون إلى بيروت، يعكس شعوراً لدى قوى الحراك اللبناني بالتوجه نحو تهميشهم

وكانت فرنسا قد دعت إلى سرعة تشكيل الحكومة اللبنانية، وحذّرت من "مخاطر زوال لبنان" حال التقاعس عن تشكيل الحكومة، وربطت باريس منذ الساعات الأولى بين تقديم المساعدات الدولية إلى لبنان وتحقيق إصلاحات سياسية، وفيما عدّ البعض الضغط الباريسي يصبّ في صالح تقويض نفوذ إيران وحزب الله، فإنّ آخرين، ومن بينهم الشارع اللبناني، عدّوه يصبّ في الخانة نفسها، حيث النفوذ المتغلغل للخارج في قرار لبنان.

وقال رئيس الحكومة المكلف: بإذن الله سنوفق بهذه المهمّة من فريق العمل من أصحاب الكفاءة والاختصاص لإجراء إصلاحات بسرعة"، وعُدّ التصريح إشارة إلى أنّ الحكومة الجديدة هي حكومة "تكنوقراط" وليست سياسية.

اقرأ أيضاً: هل ترضخ إيران لمطالب ماكرون بشأن لبنان؟

وفي غضون ذلك، يتقدّم هاشتاغ "#مش_بيت_بيك" موقع تويتر في لبنان، متضمناً حملة غضب ضدّ الرئيس اللبناني، الذي يطالبه المتظاهرون بالاستقالة منذ انفجار المرفأ، بينما أكّد عدم إقدامه على هذه الخطوة.

ويعود الهاشتاغ إلى تعليق أطلقته مذيعة قناة "إم تي في" اللبنانية، بعدما طرد الرئيس مراسلها من القصر الرئاسي خلال الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، على خلفية هجوم وانتقادات واسعة تشنها القناة على عون، حيث قالت نبيلة عوض  الملقبة بـ"إعلامية الثورة" بحدّة: باختصار هذا ليس القصر عام 1989، ومش بيت بيك سيّد عون.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية