لماذا تحذر أمريكا الإيرانيين في الخارج من العودة لبلادهم؟

لماذا تحذر أمريكا الإيرانيين في الخارج من العودة لبلادهم؟


25/08/2021

يواصل القضاء السويدي تحقيقاته في الجرائم التي قام بتنفيذها أحد رموز النظام الإيراني، والمسؤول عن أحكام الإعدام التي نفِّذت بحقّ 4 آلاف سجين سياسي، إثر فتوى أصدرها الإمام الخميني، ثمانينات القرن الماضي، فيما تشهد العاصمة، ستوكهولم، احتجاجات عنيفة من ناشطين وحقوقيين، إضافة إلى قوى المعارضة الإيرانية.

ووجهت محكمة ستوكهولم عدة تهم للقاضي الإيراني السابق، حميد نوري، الذي قبِض عليه، وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية، على خلفية تورطه في "القتل الجماعي"، وارتكاب "جرائم ضدّ الإنسانية"، و"جرائم حرب"، و"انتهاك القانون الدولي"، بحسب التوصيفات المدرجة على لائحة الاتهام، والتي استندت إليها المدعية العامة السويدية، كريستينا ليندهوف لارسون.

جرائم حرب

ووصفت المدعية السويدية الإعدامات التي جرت في إيران؛ بأنّها "سريعة" و"صورية"، بل وخالفت القوانين الإيرانية ذاتها، كما عرضت ليندهوف لارسون، خلال جلسة المحاكمة، جزءاً من الرسائل التي بعث بها آية الله حسين علي منتظري إلى الخميني، وقد كان الأول نائب المرشد الإيراني وقتذاك، إذ قال منتظري: إنّ "هذه الإعدامات تضرّ بنا جميعاً وبالثورة وتجعل الضحايا شهداء.. سيحكم علينا العالم كمجرمين.. سيتمّ تشويه هيبة الإمام (الخميني) وولاية الفقيه".

وبينما اختار الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وهو أحد المتورطين في القضية ذاتها،  الدبلوماسي المتشدد، أمير عبد اللهيان، لمنصب وزير الخارجية، والمرتبط بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري والميلشيات المدعومة منه في الشرق الأوسط؛ فقد رجح مراقبون أن تتفاقم الأزمات، السياسية والإقليمية، بين إيران والغرب، وتواصل الملفات الخارجية انسدادها، تحديداً الملف النووي والحقوقي.

منظمة حقوقية: الأجهزة الأمنية الإيرانية صعدت استهدافها لمواطنين إيرانيين ثنائيي الجنسية ومواطنين أجانب، ترى أنّ لهم صلات مع مؤسسات أكاديمية واقتصادية وثقافية غربية

وبالتزامن مع محاولات طهران استعادة قضية الإيرانيين المتواجدين بالخارج، ومن بينهم مزدوج الجنسية، لتكون ضمن أوراق ضغطها، في المفاوضات النووية بفيينا، المتوقع إجراء جولة سابعة منها، الشهر المقبل، أيلول (سبتمبر)، جاءت دعوة رئيس السلطة القضائية في إيران، غلام حسين محسني إجه، بعودة الإيرانيين المقيمين في الخارج، خاصة من لديهم ملفات قضائية لمتابعة تلك المحاكمات، الأمر الذي حدا بالولايات المتحدة والقوى الغربية إلى التحذير من الاستجابة لتلك الدعوة، في ظلّ تدنّي الأوضاع الحقوقية بإيران، وتسجيل انتهاكات جمّة.

تحذيرات أمريكية من العودة لإيران

وقال محسني إجه: "يوجد حالياً أشخاص في الخارج لا يملكون وكيلاً لممتلكاتهم ومرافقهم في الداخل، وبعض أصحاب المصلحة يخيفونهم من العودة إلى البلاد، لكن إذا عاد هؤلاء الأشخاص، فسيتم توضيح مشاكلهم المالية من خلال تحقيق بسيط ودقيق وواضح".

غير أنّ المبعوث الأمريكي الخاص بشؤون إيران، روبرت مالي، حذّر الإيرانيين في الخارج من السفر إلى إيران، لافتاً إلى "خطر الاختطاف، والاعتقال التعسفي، واحتجاز مزدوجي الجنسية، وشدة تفشي كورونا".

وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان؛ أنّ "المواطنين الأمريكيين الذين سافروا إلى إيران تعرضوا للخطف والاعتقال، ووُجهت إليهم تهم خطيرة"، وأردفت: "تواصل السلطات الإيرانية احتجاز المواطنين الأميركيين ظلماً، خاصة المواطنين الإيرانيين الأمريكيين، بما في ذلك الطلاب والصحفيون ورجال الأعمال والأكاديميون، بتهم مثل التجسس وتهديد الأمن القومي"، كما أضاف البيان أنّ "المسؤولين الإيرانيين يؤخرون باستمرار إمكانية الوصول إلی محام للمواطنين الأميركيين المسجونين".

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمود أبو القاسم

ويشير الدكتور محمود أبو القاسم، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، إلى أنّ ملف حقوق الإنسان يمثل أحد الملفات الشائكة في علاقة إيران بالغرب، لكنّه ليس على رأس الأولويات، بل يتم توظيفه، سياسياً، كأحد أوراق الضغط على إيران، ومبررات فرض العقوبات على العديد من رموز النظام الإيراني.

ويردف أبو القاسم، في حديثه لـ "حفريات": "معلوم أنّ صفقة لتبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران قد فشلت، خلال الأسابيع الاخيرة، نتيجة ربط الولايات المتحدة هذا الملف بحدوث تطورات في مفاوضات فيينا، التي تمّ تعليقها في نهاية ولاية روحاني، وانتخاب ابراهيم رئيسي، وهذا ما يؤكد الطبيعة المسيسة لهذا الملف في علاقات إيران مع الغرب".

نوايا طهران الخبيثة

لذلك؛ تأتي مبادرة رئيس السلطة القضائية الأخيرة في إطار توجهاته بالسعي لمعالجة الملف الحقوقي، بصفة عامة، بحسب أبو القاسم، والذي يواجه بسببه النظام الإسلامي في طهران انتقادات داخلية وخارجية واسعة النطاق، كما أنّها تعد بمثابة حيلة لإبداء نوايا حسنة أمام القوى الغربية بهدف تخفيف الضغوط، أو إظهار إيران بأنّها تتجاوب مع معطيات الساحتّين الداخلية والخارجية.

ويمكن ربط دعوة رئيس السلطة القضائية تلك بما قام به بالدعوة بتجهيز المجال العام بأسرع ما يمكن، لجهة الإفراج عن الأشخاص الذين وُضعوا تحت الملاحظة، خلال احتجاجات الأحواز الأخيرة، وفقاً لتقديرات الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، فيما يبدو أنّه توجه للرئيس الجديد للسلطة القضائية، وهذا التوجه أيضاً ينسجم مع خطاب التنصيب الذي ألقاه رئيسي أمام البرلمان؛ إذ داعب الأخير المبعوث الغربي، بإشارته إلى أنّ حكومته سوف تسعى إلى التعامل البنّاء مع دول العالم والدفاع عن حقوق الإنسان.

 ويردف: "معلوم أنّ "رئيسي" أحد المدرجين على قوائم العقوبات الأمريكية لعلاقته بأبشع قضية حقوقية في إيران، والتي تخصّ مذابح عام 1988، بحقّ جماعة مجاهدي خلق، وكذا المعارضين في السجون الإيرانية، والذي لا يعلم أحد، حتى الآن، عدد ضحاياها".

ومن جهة أخرى، فإنّ من حق الولايات المتحدة والقوى الغربية تحذير رعاياها من السفر إلى إيران، وذلك باعتبار أنّ النظام السياسي في طهران إنّما "يستغل هذا الملف من أجل المساومات السياسية مع واشنطن"، وفق المصدر ذاته.

 ويتابع: "ليست هناك أيّة ضمانات داخلية حقيقية يمكن أن تمنح الإيرانيين بالخارج، أو مزدوجي الجنسية، معاملة حقوقية شفافة، ويمكن، بسهولة، أن يكونوا مجرد ورقة ابتزاز في يد إيران".

وأفادت مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، سارة ليا ويتسن، بأنّ "محاكمات السلطات الإيرانية الجائرة وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز لا تقتصر على المواطنين الإيرانيين، بل تمتد للأجانب"، وشددت على ضرورة أن "تتوقف إيران عن استخدام الاعتقال التعسفي، وسوء معاملة الرعايا الأجانب، كجزء من سياستها الخارجية، ومعاملة كلّ مواطن إيراني وأجنبي على حدّ سواء، واحترام حقوق الإنسان الأساسية".

الباحث محمود أبو القاسم لـ "حفريات": صفقة لتبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران فشلت ، نتيجة ربط واشنطن هذا الملف بحدوث تطورات في مفاوضات فيينا

وبحسب المنظمة الحقوقية الأممية؛ فإنّ الأجهزة الأمنية الإيرانية صعّدت استهدافها لمواطنين إيرانيين مزدوجي الجنسية ومواطنين أجانب، ترى أنّ لهم صلات مع مؤسسات أكاديمية واقتصادية وثقافية غربية، كما وثقت حالات "14 مواطناً ثنائي الجنسية اعتقلتهم مخابرات الحرس الثوري الإيراني، منذ عام 2014؛ حيث اتهمتهم المحاكم في حالات كثيرة بالتعاون مع "دولة معادية" دون الكشف عن أيّ دليل".

وفي تعقيب مقتضب، قال الصحفي الإيراني المعارض، كيانوش سنجري، لـ "حفريات": "لقد عدت إلى إيران، ودخلت السجن لثلاث سنوات"، منوهاً إلى أنّ القضاء الأمريكي قد اتهم إيران، قبل نحو شهر، أو بالأحرى عملاء تابعين لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني، بالتورط في محاولة اختطاف صحفية أمريكية من أصول إيرانية، وذلك على خلفية نشاطها في "فضح انتهاكات حقوق الإنسان" بإيران.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية