لماذا ترتفع أعداد التونسيّين في التّنظيمات الإرهابيّة؟

لماذا ترتفع أعداد التونسيّين في التّنظيمات الإرهابيّة؟


15/11/2020

تسارُع تورّط التونسيّين في الأنشطة الإرهابيّة، بعد حوادث 2011، التي أطاحت النظام السابق في تونس، والتحاق المئات، أو الآلاف، بتنظيمات جهادية في سوريا والعراق وليبيا، جعل التونسيين يحبسون أنفاسهم مع كلّ عملية إرهابية يشهدها العالم، متضرّعين إلى الله بأن لا يكون الفاعل تونسياً، ليكون فعلاً تونسياً في أغلب الهجمات.

تقرير للأمم المتحدة، 2015، أكّد أنّ التونسيين هم الأكثر انضماماً إلى التنظيمات الإرهابية، في ليبيا وسوريا والعراق، حيث زاد عدد هؤلاء عن 5500

وتؤكّد أغلب الأرقام التي قدّمتها المنظمات والحكومات الأجنبية، إلى بعض التصريحات الرسمية، أنّ التونسيين باتوا خزّاناً قتالياً لا غنى عنه بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية التي التحقوا بها، وعناصر رئيسة في شبكة الخدمات اللوجستية والتيسير والتوظيف القائمة في أوروبا.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي في مواجهة الإرهاب... إجراءات مطلوب اتخاذها

وبحسب الأرقام ذاتها؛ فقد تراوحت التقديرات بين ثلاثة وستة آلاف تونسي التحقوا بتنظيم داعش، وتنظيمات متطرفة أخرى، وقد تكون أعدادهم أقلّ أو أكثر، لكنّها صارت مصدر تساؤل: لماذا التونسيون؟

عمليات إرهابية ببصمات تونسية

بدأت السلسلة المروّعة التي تورّط فيها تونسيون بحادثة دهس لحشد من المشاة الآمنين في مدينة نيس، في يوم العيد الوطني الفرنسي عام 2016، قتل منهم 86 شخصاً وجرح العشرات، وفي أواخر العام نفسه، 2016؛ شنّ تونسي آخر، أنيس العامري (24 عاماً)، هجوماً بشاحنة أسفر عن مقتل 12، وجرح أكثر من 70 شخصاً في مدينة برلين الألمانية، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية بعدها بأيّام.

 التونسيون باتوا خزّاناً قتالياً لا غنى عنه بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية التي التحقوا بها

وكان آخر هجوم في نيس؛ الهجوم الذي أودى بحياة ثلاثة فرنسيين وعدد من الجرحى، وكان فاعله تونسياً أيضاً، ولديه سوابق قضائية في أعمال عنف ومخدرات، وسجن سابقاً على خلفية عملية طعن.

والأمر نفسه بالنسبة إلى من سبقوه من تونسيين، أو عناصر  من دول شمال أفريقيا في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإسبانيا؛ إذ كانت العمليات بمثابة قرار بالموت تأثراً بشبكات من المتشددين، واقعين تحت سحر الإرهاب الذي ينتقم من الآخر بأسلوب الصدمة والتوحش.

اقرأ أيضاً: منابع الإرهاب ـ هكذا يقع الشباب في أوروبا في براثن التطرف الإسلامي

وكان تقرير للأمم المتحدة، عام 2015، قد أكّد أنّ التونسيين هم الأكثر انضماماً إلى التنظيمات الإرهابية، في ليبيا وسوريا والعراق، فقد زاد عدد هؤلاء عن 5500 شاب، وكشف التقرير أنّه وخلال هذه الزيارة، تمّ إعلام فريق العمل بـ "وجود 4000 تونسي في سوريا، وما بين 1000 و1500 في ليبيا، و200 في العراق، و60 في مالي، و50 في اليمن"، وأنّ "الـ 625 العائدين من العراق إلى تونس هم موضع ملاحقات عدلية"، وفق البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.

اقرأ أيضاً: الإرهاب يتربص بفرنسا بعد خمس سنوات على اعتداءات باريس

كذلك أشارت دراسة أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، إلى أنّ المقاتلين التونسيين كانوا الفئة الأكبر للمقاتلين الأجانب المنخرطين في سوريا والعراق، كما أشار التقرير إلى تواجد المقاتلين التونسيين في ليبيا ووصفه بالمقلق.

لماذا التونسيون؟

ارتفاع أعداد التونسيين الضالعين في العمليات الإرهابية، ونجاح تنظيمات الإرهاب في استقطاب أعداد كبيرة منهم، ظاهرة تقف وراءها عوامل متداخلة، صنّفها الباحث العلمي والأستاذ الجامعي في علم الاجتماع مهدي مبروك إلى ثلاثة عوامل؛ أوّلها غياب سياسات تمكين الشباب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ما يزيد من منسوب الغضب والإحباط لدى فئة الشباب، وهو ما تستثمر فيه الجماعات الإرهابية لتسهيل عملية الاستقطاب، خصوصاً أنّ تونس من بين الدول المتقدمة في ارتفاع معدلات البطالة.

واعتبر الأستاذ الجامعي والوزير السابق، في تصريحه لـ "حفريات": أنّ "ارتفاع منسوب الحريات العامة وتراجع رقابة الدولة على وسائل التواصل من بين الأسباب التي سهّلت استقطاب الشباب التونسي، وإنعاش ما تُعرف بــ "ظاهرة الذئاب المنفردة" لتنفيذ عمليات إرهابية، منها العمليات التي نفّذها تونسيون بأوروبا مثلاً.

مبروك لفت أيضاً إلى ضعف الخطاب الديني الرسمي، وشبه الرسمي أيضاً، وعجزه أحياناً، ما جعل الجماعات الإرهابية تنافس التديّن الرسمي، خصوصاً أنّ تونس من بين البلدان التي يقلّ فيها التعليم الديني في المؤسسات التعليمية، وتدرّس مادّة الفلسفة منذ السنوات الأولى ، لافتاً إلى أنّ هذا الضعف مكّن المجموعات الإرهابية من اللعب على العواطف وعلى الوازع الديني لبعض الشباب.

عبد الجبار المدوري لــ"حفريات": عودة الأحزاب ذات المرجعية الدينية في مقدمتها حركة النهضة بعد الثورة بعثر النظام المجتمعي وأدخل عليه أفكاراً جديدةً متطرّفةً

من جانبه، رأى الباحث في علم الاجتماع، ممدوح عزّ الدين؛ أنّ نسبة الشباب الذين انخرطوا في الجماعات التكفيرية ليس بالعدد الكارثي، ويتناسب مع الوضع العام للبلاد، والسياق العام الذي يحكمها، وهو سياق ثوري مرّ بتحولات عنيفة وحادة وسريعة خلّفت تغيّرات بنيوية في المجتمع.

ولفت إلى أنّ هذه التغيّرات خلّفت إحباطاً لدى الشباب التونسي، يتعلّق أساساً بصعوبة الاندماج الاجتماعي، إلى جانب أزمة الهوية والانتماء، فضلاً عن تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وهو وضع لم يعد يريح التونسييون الشباب الذين اختار بعضهم الهجرة نحو الآخرة والرجوع إلى الله، عبر المخاطرة بأنفسهم للدفاع عن الدين، بحسب اعتقادهم.

اقرأ أيضاً: قمة أوروبية مصغرة للحرب على الإرهاب: من سيدفع الثمن؟

الباحث في علم الاجتماع أشار أيضاً إلى دخول الجماعات الدعوية إلى البلاد، عقب الثورة مباشرةً، والتي احتلّت المساجد ووجدت فضاءً يسمح لها بالتحرّك قبل تطوّر الوعي الشعبي الرافض للخطاب المتطرّف.

للإرهاب مناخ يصنعه ويغذيه

ظلّت تونس، منذ استقلالها عام 1956، أقرب إلى دولة علمانية تسمح بالتدين في حدود معلومة، رغم ظهور الجماعة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي، ثم حركة الاتجاه الإسلامي، بخلفية إخوانية غاضبة على مكاسب التحديث، غير أنّ الدولة نجحت في تقليص تأثيرها كظاهرة من خلال مراسيم وقوانين وإجراءات إدارية خاصة في ظلّ مجتمع مدني وأهلي متشبع بقيم الدولة.

بعد الثورة التي شهدتها البلاد، عام 2011،  وعودة الأحزاب ذات المرجعية الدينية، في مقدمتها حركة النهضة، إلى المشهد التونسي، تبعثر النظام المجتمعي، وأدخلت عليه أفكار جديدة متطرّفة، وفق تقدير الكاتب والمحلل السياسي، عبد الجبار المدري، الذي أكّد، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ ثورة 2011 فتحت الباب أمام التيار السلفي لينشط بكامل حريته، خاصة مع صدور عفو تشريعي عام عن جميع المساجين السياسيين.

اقرأ أيضاً: في وجه الإرهاب.. كيف نجحت النمسا فيما فشلت به فرنسا؟

وأشار المدوري إلى الدور المهمّ للخيمات الدعوية التي نظمتها النهضة، وبعض الأحزاب التي وقع حظر نشاطها لاحقاً، في كافة أنحاء البلاد، والخطب في المساجد لاستقطاب الشباب وعزل الأئمة غير الموالين لفكرهم، وتعيين دعاة سلفيين مكانهم، وسط غياب تامّ  للإرادة السياسية وقتها في مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، هذا فضلاً عن تدفق المال الخارجي دون رقابة كبيرة إلى تونس.

اقرأ أيضاً: كيف تورّطت تركيا بدعم الإرهاب في سوريا وليبيا والقوقاز؟

ويرى المدوري؛ أنّه رغم اعتبار حزب "أنصار الشريعة" تنظيماً إرهابياً، بعد تأسيسه عام 2011، بسبب تعدّد العمليات الإرهابية والتصادمات بين قوات الأمن والإرهابيين، غير أنّ التنظيم السلفي لم ينهِ مسلسل إرسال المقاتلين التونسيين إلى جبهات القتال خارج تونس، ليبدأ العمل في السرّية من جديد، وسط تساهل السلطات التي تقودها حركة النهضة حينذاك.

اقرأ أيضاً: "الذئاب الرمادية".. ذراع تركيا لإرهاب المجتمعات الأوروبية

المدوري يرى أنّ "من بين أهم الأسباب التي دفعت الشباب التونسي إلى اتّخاذ مواقف متطرفة من المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها، هو الخطاب التحريضي لبعض القيادات السياسية، وعمليات غسل الأدمغة بأفكار من قبيل "تبشير كلّ من يفجّر نفسه بحوريات العين بالجنة، وضرورة محاربة كلّ من يسمح  بتوزيع الأفلام المسيئة للإسلام وللنبي محمد، ويحظر الحجاب في  المدارس"، وهو ما حدث بدايةً في تونس، عام 2013 بعد محاولة اقتحام مقرّ السفارة الأمريكية على يد المئات من المحتجين، بسبب فيلم يسيء للإسلام، عرضته قناة "نسمة"،  وأنتجته الولايات المتحدة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية