لماذا تسعى تركيا إلى ترميم علاقاتها مع إسرائيل؟

لماذا تسعى تركيا إلى ترميم علاقاتها مع إسرائيل؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
07/12/2020

تسعى تركيا جاهدة إلى إعادة ترميم علاقاتها الدبلوماسيّة مع إسرائيل، ولكن بشكل سرّي، بعيداً عن الإعلام؛ حيث ذكرت مصادر إسرائيليّة مطّلعة أنّ اجتماعاً تركيّاً إسرائيليّاً، أجري بشكل سرّي، قبل أيام، شمل رئيس جهاز الاستخبارات التركيّة، هاكان فيدان، ورئيس الموساد الإسرائيليّ، يوسي كوهين؛ حيث وصف هذا اللقاء بأنّه محاولة من الرئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، لتحسين العلاقات مع إسرائيل، في حين أنّ تركيا ترغب في استئناف التمثيل الدبلوماسيّ مع تل أبيب، وعودة عملية تبادل السفراء بين الجانبين، لكن، بحسب المصادر ذاتها؛ فإنّ إسرائيل، وخلال الاجتماع الأول الذي جرى بين الطرفين؛ طالبت تركيا بالتراجع عن دعم حركة حماس والحركات الإسلامية الأخرى في فلسطين، كشرط لاستئناف العلاقات الثنائية.

وشهدت العلاقات التركيّة الإسرائيليّة تدهوراً حادّاً على المستوى السياسي، في أعقاب العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزة، عام 2008، بعد أن دانت تركيا المجازر الإسرائيلية بحقّ المدنيّين، وطردت السفير الإسرائيليّ لدى تركيا، وزادت العلاقات تأزّماً أكثر، بعد أن اعتدت البحريّة الإسرائيليّة على سفينة في مرمرة، المتجهة لكسر الحصار عن غزة، في أيار (مايو) 2010، وقتلت وحدة الكوماندوز الإسرائيلية، خلال هذا الاعتداء، تسعة من الناشطين الأتراك كانوا على متن السفينة.

نتنياهو لن يوصد الأبواب في وجه أردوغان؛ لأنّ بين إسرائيل وتركيا مصالح مشتركة، ولا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل، أو تستغني عن الدور التركيّ

وأدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في تقريرها الصادر في كانون الثاني (يناير) 2020، تركيا ضمن قائمة المنظمات والدول التي تهدد الأمن القومي الإسرائيليّ، لكنّ التقديرات الاستخباراتية استبعدت اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين، ومن بين عمليات التهديد التي تقوم بها تركيا؛ التدخّلات المتزايدة التي تقوم بها في الشرق الأوسط وعمليات التنقيب في شرق البحر المتوسط، إلى جانب شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يصدر تصريحات معادية لإسرائيل، ويعتمد نهجاً متضامناً مع الشعب الفلسطيني ويسمح للفصائل الفلسطينية بالعمل بحرية في بلاده، وعليه تقدّر الاستخبارات العسكريّة أنّ هذه التهديدات لن تبقى قائمة بعد رحيله عن الحكم.

تركيا قلقة من بايدن

وبحسب صحيفة "معاريف" العبرية؛ فإنّ تركيا قلقة من تراجع العلاقات التركية مع الولايات المتحدة بالتزامن مع دخول الرئيس بايدن البيت الأبيض، وذلك على خلفية التدخل المستمر في شؤون بلدان الشرق الأوسط، ومحاولة فرض السيادة على حقول النفط في شرق المتوسط، والتي ترتّب عليها تأزم في العلاقات بين اليونان وقبرص، فهي تسعى للتقرب من إسرائيل لتفادي أيّة عقوبات محتملة من قبل الإدارة الجديدة.

أما الخبير العسكريّ الإسرائيليّ، أرون يشاي، فقد أشار إلى أنّ إسرائيل في حاجة هي الأخرى إلى ترميم العلاقات مع تركيا على المستوى السياسي؛ كون تركيا دولة قوية في المنطقة، ولها نفوذ كبير في العالم الإسلاميّ، وهذا يخدم إسرائيل، إلى جانب مزايا اقتصادية كبيرة تعود بالفائدة على إسرائيل؛ حيث تعدّ تركيا سوقاً مهماً للصادرات الإسرائيلية، عدا صفقات السلاح الكبيرة بين البلدين، والتعاون الإستراتيجي المستمر، منذ تسعينيات القرن الماضي حتى أوائل القرن الحادي والعشرين.

اقرأ أيضاً: هل يشاور بايدن الإمارات والسعودية وإسرائيل بخصوص إيران؟

في سياق ذلك؛ أكّد الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه أوغلو، أنّ هناك أسباباً عديدة تدفع تركيا إلى استئناف العلاقات مع إسرائيل وطيّ صفحة الماضي، ومن أهم هذه الأسباب خوف تركيا من عقوبات قد تفرضها الإدارة الأمريكية المقبلة، بقيادة بايدن، على خلفية استمرار التنقيب في شرق المتوسط، والتدخل العسكري ضدّ الوحدات الكردية في سوريا، وشراء منظومة "إس 400" الروسية، وبتقاربها مع إسرائيل تحاول الحفاظ على علاقات جيدة مع دول المنطقة المعادية لها ودول الاتحاد الأوروبيّ، كون إسرائيل تمتلك العديد من المقومات ولها أصدقاء كثيرون داخل أوروبا والولايات المتحدة، وبإمكان كلّ ذلك أن يمنح تركيا بهذا التقارب الحماية من أيّ تهديد.

تراجع اللهجة العدائية ضد تركيا

وأوضح أوغلو، في حديثه لـ "حفريات": أنّ "إسرائيل هي الأخرى مهتمة بتعزيز العلاقات مع تركيا خلال المرحلة القادمة، ويمكن ملاحظة ذلك من تراجع اللهجة العدائية الإعلامية الإسرائيلية ضدّ تركيا مؤخراً، إلى جانب أنّ تركيا تعدّ بوابة إسرائيل الاقتصادية إلى أوروبا؛ حيث تسير حركة الملاحة التجارية البحرية عبر تركيا إلى أوروبا، وبإمكان أيّ تأزّم حقيقيّ في العلاقات الثنائية أن يؤثر سلباً في اقتصاد إسرائيل، إضافة إلى أنّ نتنياهو، الذي يعيش أزمة سياسية صعبة، لا يريد خسارة تركيا مرة أخرى؛ فهو في حاجة إلى تعزيز صداقاته الخارجية، خاصة مع رجل كشخصية أردوغان القوية والمؤثرة.

وبسؤاله عن مستقبل علاقة حماس بتركيا، خاصة مع الشرط الذي قدّمته إسرائيل لتركيا، والذي طالبت فيه بقطع العلاقات مع حماس، ووقف استضافة قادة الحركة، كمدخل لاستئناف العلاقات، أشار أوغلو إلى أنّ تركيا لن تقطع علاقاتها بحماس وإسرائيل تعرف ذلك جيداً، ولكن تحاول، إسرائيل، بشتى الطرق تضييق الخناق على حماس وترويضها، وبكلّ الأحوال حماس مستفيدة؛ سواء من توتر العلاقات التركية مع إسرائيل، وأيضاً من تطور العلاقات؛ ففي حالة التوتر تستفيد حماس من المزايا التي تحصل عليها من الحكومة التركية، وفي مقدّمتها الدعم السياسيّ للقضية الفلسطينية، وخصوصاً في المحافل الدولية، أما في حالة تطوّر العلاقات، فهذا أيضاً سينعكس إيجابياً على قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حماس، وذلك من خلال تراجع إسرائيل عن شنّ هجمات على غزة، خشية أيّ انتقاد حادّ من قبل تركيا، والذي قد يتطوّر إلى حدّ تأزم العلاقات على المستوى السياسي، كما حصل سابقاً.

الباحث طه أوغلو لـ"حفريات": يُلاحظ تراجع اللهجة العدائية الإعلامية الإسرائيلية ضدّ تركيا مؤخراً، إلى جانب أنّ تركيا تعدّ بوابة إسرائيل الاقتصادية إلى أوروبا

ورغم تراجع العلاقات السياسيّة بين إسرائيل وتركيا على خلفية الاعتداءات الإسرائيلية السابقة على متضامنين أتراك وتصريحات أردوغان العدائية ضد إسرائيل، إلا أنّ هناك تعاوناً قائماً بين البلدين، سواء على الصعيد الاقتصاديّ أو العسكريّ؛ حيث سبق أن اجتمع خبراء عسكريّون من كلا البلدين لتبادل المعلومات بشأن سوريا، إلى جانب مساعدة إسرائيل لتركيا في تأمين حدودها ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني الأكراد، الذين يعملون انطلاقاً من قواعد في سوريا والعراق، إلى جانب وجود تبادل تجاريّ كبير بين البلدين، وصل إلى 6,2 مليار دولار، في نهاية العام 2019.

اقرأ أيضاً: لهجة التهديد والوعيد الإيرانية ترفع درجة التأهب في إسرائيل

من جهته، قال الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، فتحي بوزية؛ إنّ "تركيا قلقة من فتح إسرائيل مؤخراً قنوات اتصال وتوقيع معاهدات سلام مع عدد من الدول العربية في المنطقة، في حين تجعل هذه الخطوة تركيا في حالة من العزلة؛ كونها على خلافات حادّة مع عدد كبير من الدول العربية في المنطقة؛ فهي لا تستغني عن إسرائيل، خوفاً على مصالحها وطموحاتها المتواصلة، وفى مقابل ذلك؛ فإنّ نتنياهو، هو الآخر، لن يوصد الأبواب في وجه أردوغان؛ لأنّ بين إسرائيل وتركيا مصالح مشتركة على مستويات عدة، ولا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل، أو تستغني، عن الدور التركيّ بأيّ حال.

رسائل ساخنة إلى تركيا

وبيّن بوزية، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "المناورات العسكريّة التي أجريت قبل أيام بين مصر واليونان وفرنسا والإمارات وقبرص، والتي تهدف إلى إيصال رسائل ساخنة إلى تركيا لتعديل سلوكياتها في شرق المتوسط، قد شكّلت قلقاً كبيراً لها، خاصة في ظلّ إصرار أردوغان على مواصلة طموحاته في الشرق الأوسط، من خلال نهب خيرات البلاد، والتدخّل في شؤونها؛ لذلك اتّجهت تركيا إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل، في محاولة للضغط على الدول بعدم المساس بها، كون إسرائيل قوة مؤثرة هي الأخرى في المنطقة، ولها علاقات متينة مع هذا التحالف المعادي لتركيا.

وأوضح أنّ أساس الهرولة التركية نحو ترميم العلاقات مع إسرائيل يتمحور حول الرئاسة القادمة للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث إنّ الرئيس، بايدن، عرف بمواقفه الحادة من حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعّمه أردوغان، وعرف بمواقفه الرافضة لقرار إعادة متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد، واتّهم أنقرة بإثارة التوتر في شرق المتوسط وتأجيج النزاع في القوقاز، وأعلن نيته الواضحة في أن يجعل أنقرة تدفع ثمن حيازتها لمنظومة الصواريخ الروسية "إس 400"، كما أنّه يدعم مشروع القانون الأرمينيّ ضدّ تركيا باستمرار، وكلّ ذلك يدفع تركيا للتقارب من إسرائيل، وذلك للهرب من أيّة عقوبات محتملة قد يتخذها بايدن ضدّ تركيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية