لماذا طار ماكرون إلى موريتانيا في ظل كورونا؟.. وما علاقة ليبيا؟

لماذا طار ماكرون إلى موريتانيا في ظل كورونا؟.. وما علاقة ليبيا؟


01/07/2020

مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة فرنسا ـ دول الساحل الأفريقي، أمس، حملت مؤشرات على أنّ الموقف الفرنسي من التوغل التركي في ليبيا آخذ في التمدّد، ليتجاوز مجرّد الاستنكار والرفض والمعارك الكلامية بين الدولتين، إلى تدعيم مناطق نفوذ وخطط طويلة الأمد، وتوجيه رسالة إلى أنقرة أنّ باريس لن تستغني عن نفوذها في أفريقيا، وأنّ ليبيا لن تكون سوريا جديدة.

زيارة ماكرون إلى موريتانيا تحمل كثيراً من الدلالات، في وقت تقام فيه كافة المؤتمرات والقمم عن بُعد

وزيارة ماكرون إلى موريتانيا للمشاركة في القمّة، التي استمرت على مدار يوم واحد فقط، وهي الأولى التي يقوم بها خارج أوروبا منذ جائحة كورونا، تعكس مدى حساسية ملف ليبيا بالنسبة إلى باريس، وإصرارها على المضي قدماً لكبح جماح أنقرة.

ورغم أنّ القمة الفرنسية ـ الأفريقية كان هدفها الأساسي هو مواجهة الإرهاب في دول الساحل الأفريقي، فإنّ ذلك الهدف لا يمكن فصله عن الصراع الأبرز في القارة السمراء حالياً، والدائر في ليبيا، خصوصاً إذا ما جاءت تلك التحرّكات من فرنسا.

فمع التدخل التركي السافر في ليبيا، باتت فرنسا تشعر بالقلق على نفوذها في أفريقيا، سواء لما تمثله ليبيا من عمق استراتيجي مباشر لأوروبا، أو القلق على النفوذ الفرنسي في القارة بوجه عام،  لذا فإنّ باريس أيقنت أنّ تحركات أنقرة في أفريقيا يجب أن تواجهها تحركات مماثلة.

وفيما تعتمد تركيا على سلاح المساعدات الإنسانية والمشاريع الخيرية في العلن، وتوجَّه إليها الاتهامات على دعم الجماعات المسلحة، سواء في الصومال أو الساحل الأفريقي، فإنّ الدولة الأوروبية تعمل في الاتجاه المعاكس، حيث دعم الحكومات لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه.

فرنسا لن تسمح بأن تصبح ليبيا سوريا ثانية، والتدخل التركي السافر أقلق فرنسا على عمقها الاستراتيجي ونفوذها في أفريقيا

ويرجع تواجد قوات فرنسية في دول الساحل الأفريقي لمواجهة الإرهاب إلى العام 2013، في إطار تحركات مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تكررت كذلك في العراق من خلال التحالف الدولي لمواجهة داعش، غير أنّ التحركات الفرنسية الأخيرة بدأت تكسب استقلالية عن النظام الأمريكي، بعدما باتت ليبيا ساحة لتضارب المصالح بين فرنسا والولايات المتحدة نفسها.

وفي الوقت الذي تدعم فيه فرنسا الجيش الليبي بقيادة المشير، خليفة حفتر، تدعم الولايات المتحدة خطوات تركيا في دعم حكومة الوفاق، بهدف مواجهة النفوذ الروسي في ليبيا، حيث يدعم الروس الجيش الليبي.

وأمام تقاطع المصالح، بدأت فرنسا تتخذ خطوات مستقلة، وتعمل على أكثر من محور، لمواجهة التمدد التركي الذي يهدد مصالحها، في أفريقيا، علماً بأنّ فرنسا عزّزت أخيراً "قوة برخان" التي أنشأتها لمكافحة المتطرفين في غرب أفريقيا، والتي باتت تضم أكثر من 5 آلاف عنصر بعد رفدها بـ600 عنصر إضافي مؤخراً، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

وتدرّج التحرك الفرنسي، من إعلان الرفض والمعارك الكلامية على خلفية دور تركيا في ليبيا، والتي بدأت قبل أسبوعين، مروراً بتحركات على صعيد حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ثم أخرى على صعيد أوروبا، وأخيراً التي جاءت في عقر دار الأزمة "أفريقيا"، بزيارة الرئيس الفرنسي نفسه، لتحمل كثيراً من الدلالات، في وقت تقام فيه المؤتمرات والقمم كافة عن بعد عبر تقنية "الفيديو كونفرنس".

وكانت مدينة "بو" الفرنسية استضافت قمة سابقة بين فرنسا ـ دول الساحل الأفريقي، لمواجهة الإرهاب، عقدت في كانون الثاني (يناير) الماضي.

وفي غضون ذلك، قال ماكرون خلال القمة التي حملت اسم "تعزيز المكاسب" أمس، إنّ قوات دول الساحل والقوات الفرنسية التي تساندها في محاربة الجهاديين نجحت في أن تعكس توازن القوى في منطقة الحدود الثلاثية (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، حيث ركزت في الأشهر الأخيرة عملياتها العسكرية ضد الجماعات المسلّحة الموالية لتنظيم داعش، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

وأكد ماكرون أنّ "النصر ممكن" في منطقة الساحل، مشدداً على أنّ هذا الأمر يتطلب تعزيز الدينامية الأخيرة، عبر تأمين عودة المحافظين والقضاة وأجهزة الشرطة إلى مناطق ما تزال خارج السيطرة.

وفيما بدا ماكرون حاذقاً لعدم تطرّقه على نحو مباشر إلى الملف الليبي خلال القمة، لسدّ أي  ثغرة يمكن أن تستخدمها تركيا للهجوم على تحركات باريس في دول الساحل على اعتبارها ستاراً لأهداف أخرى، فقد تداخل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، على نحو مباشر مع الملف.

وقال الرئيس الموريتاني الذي استضاف القمة: إنّ "التقدم الحاصل، وعلى الرغم من رمزيته وكونه يحمل آمالاً جساماً، يبقى ناقصاً في وجه حجم التحدّيات التي يجب رفعها، فالتطرف العنيف بمختلف أشكاله ما زال يستوطن العديد من مناطق فضاء مجموعة الخمس بالساحل ويتوسّع بشكل مقلق نحو مناطق جديدة"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

وأضاف أنّ "تطور الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا منذ 2011 يستدعي منّا ـ ولأكثر من مبررـ مزيداً من اليقظة، حيث إنّ الأزمة الليبية التي تشكل اليوم أحد المسببات الأساسية لتدهور الوضع الأمني في فضاء مجموعة الخمس بالساحل، تواصل اليوم تغذية مجموعات الإرهاب المسلحة النشطة في الساحل من خلال تهريب الذخيرة والمخدرات والاتجار بالبشر، ممّا يستدعي منا جعلها اليوم ضمن أولويات عملنا المشترك".

وهنا تبرز المكاسب التي حققها الرئيس الفرنسي من زيارته موريتانيا، فقد كان قبل الزيارة يكسب "مصر وتونس والإمارات والسعودية والبحرين وإيطاليا" وأخيراً "الجزائر" في صف واحد لرفض تدخلات تركيا في ليبيا، وخرج من القمة وقد زادت 5 دول أفريقية وهي: بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد.

في غضون ذلك، قال الباحث في العلاقات الخارجية طارق دياب، لـ "حفريات": إنّ العلاقة التي تجمع بين تركيا وفرنسا هي الأسوأ بين تركيا ودولة أوروبية، في ظل مجموعة من التوترات انعكست على علاقاتهما الخارجية وإدارتهما للملفات.

تعتمد تركيا على سلاح المساعدات الإنسانية والمشاريع الخيرية ودعم الجماعات المسلحة لدعم نفوذها في أفريقيا، والدولة الأوروبية تعمل في الاتجاه المعاكس

ولفت إلى أنّ التوتر بين الدولتين انعكس في بؤرتين رئيسيتين للصراع: الأولى في الشرق الأوسط وتحديداً سورية، والثانية في أفريقيا حيث دول الساحل والصحراء، وفيما نجحت تركيا في أن ترسّخ نفوذها في سورية، فإن فرنسا ليست على استعداد لتكرار الأمر ذاته في أفريقيا.

ويضيف دياب: خلال الأعوام الأخيرة حاولت فرنسا تثبيت نفوذها في سورية، تحديداً في منطقة شرق الفرات، عبر دعم قوات سورية الديمقراطية (أكراد) نكاية بتركيا.

ويرى الباحث أنّ تركيا تتقدم خطوات على فرنسا، من حيث النفوذ في سورية وفي دول أفريقية مثل الصومال التي تمتلك فيها قواعد عسكرية، وجيبوتي التي تربطها بها علاقات اقتصادية قوية، لذا فلم يكن لفرنسا أن تترك المجال لتواجد تركيا في ليبيا، والذي يجعلها على مشارف دول الساحل التي تتواجد فيها فرنسا وتملك نفوذاً منذ أعوام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية