لماذا يبدو أفول الإسلام السياسي في المغرب محتوماً؟

لماذا يبدو أفول الإسلام السياسي في المغرب محتوماً؟


11/10/2021

مثّلت هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية بالمغرب، حدثاً لافتاً، في ظلّ انحسار قوى الإسلام السياسي بالمنطقة، بعد أن نجحت في الوصول للحكم على تخوم أحداث ما عرف بـ "الربيع العربي".

اقرأ أيضاً: إلى أين يسير حزب العدالة والتنمية المغربي بعد الهزيمة الأخيرة؟

 غير أنّ العشرية الأخيرة سجلت متوالية إخفاق لأذرع جماعة الإخوان، بالدرجة نفسها لصعودها المباغت للسلطة، ومحاولتها فرض فلسفة "التمكين" عبر القوة والغلبة، كما أنّ تآكل حواضنهم الاجتماعية، وفقدان خطابهم الراديكالي للشرعية، إثر ممارستهم التي كشفت الفجوة بين الدعاية المفخخة والسياسات الواقعية، قد ساهم في تفاقم أزماتهم، وزيادة وتيرة النبذ الشعبي والاحتجاج ضدهم، بوسائل متفاوتة، كما هو الحال في مصر وتونس والمغرب.

الفرص الضائعة للإسلام السياسي

وبحسب مركز "أوراسيا ريفيو" الأمريكي، فإنّ هزيمة الذراع السياسية للإخوان بالمغرب بالانتخابات التشريعية كشفت إخفاقهم المرير في تحقيق وعودهم الانتحابية الخاصة بتحقيق الرفاه الاجتماعي، وكذا معالجة الأزمات الاقتصادية، وقضايا الفقر والبطالة، ناهيك عن الأزمة الصحية العالمية، المتمثلة في فيروس كورونا المستجد، لافتاً إلى أنّ المغرب به نحو 1.42 مليون شاب بدون وظيفة، خاصة الفئات التي تتراوح بين 15 و24 عاماً، الأمر الذي تسبّب في "التصويت العقابي" ضدّهم.

أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن طفيل، رشيد لزرق

ويلفت المركز الأمريكي إلى أنّه "لا يمكن أن تكون هناك نقطة تحوّل لإنقاذ حزب العدالة والتنمية، بيد أنّه، ربما، علمت أحزاب الإسلام السياسي أنّ الفوضى التي أوقعوا فيها أنفسهم من أجل الحكم ليست بالأمر الهين"، وأردف: "كما يتّضح من حقيقة أنّ حزب العدالة والتنمية جاء في المرتبة الأخيرة بين الأحزاب الثمانية التي تنافست في الانتخابات أنّ الناخبين غيّروا مواقفهم تجاه الإسلام السياسي بأعداد هائلة، ويدعم ذلك أيضاً حقيقة أنّ الناخبين المغربيين سجلوا نسبة تصويت بلغت 50٪ بدلاً من 43٪ التي سجلوها في انتخابات 2016".

صراع الأجنحة

دأب حزب العدالة والتنمية، منذ وصوله لرئاسة الحكومة، على تدبير مصالحه دون تحمّل المسؤولية السياسية، وفي اللحظات الصعبة يعمل على الاستعانة بنهج أسلوب "التجاوز" و"المزايدة"، وفقاً للأكاديمي المغربي وأستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن طفيل، رشيد لزرق، لافتاً في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ الأسلوب هذا يرجع لكون "الحزب يعتمد دوماً على ركيزة أساسية متمثلة في خطاب المظلومية والتظاهر بأنّه الحزب المستهدف، ومن ثم، فتحمّل المسؤولية يربكهم، ويؤدي بهم للانقسام والخلاف، والحرب على المواقع التي بدأت تخرج للعلن".

معضلة الإسلام السياسي حين وصل للحكم في المغرب؛ أنّه وجد نفسه من دون برنامج سياسي أو اقتصادي، عدا شعارات لا تسمن من جوع، ولا تقول أيّ شيء

والسبب في ذلك؛ أنّهم وجدوا أنفسهم في "حرب وصراع الأجنحة" داخل التنظيم، حسبما يوضح الأكاديمي المغربي؛ إذ يتصارعون من أجل السلطة، ويضيف: "هناك صراع تنظيمي داخل الحزب، بغية حصول ممثلي كل جناح على مواقع متقدمة في الحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة، تمكنهم من استعادة الوجاهة والنفوذ، وذلك بعد بروز ظاهرة الأغنياء الجدد، فنظرية الاستهداف هذه كانت تمكنهم من امتصاص الطموحات".

بالتالي؛ فإنّ قياداتهم تحاول من جديد تقوية نظرية الاستهداف وإمكانية الضبط الذاتي، بإشاعة كونهم في تفاوض مع القوى النافذة بالسلطة، وذلك بهدف لجم التضاربات التنظيمية، وإضعاف شركائهم في الحكومة، ثم مغازلة المعارضة التي تبدو دون أمل لتكوين البديل، خاصة بعد تنبيه الدولة بأنّ الانتخابات ستجري في وقتها المحدد، وفقاً لرزق، ويتابع: "لهذا؛ فإنّ تحضير الانتخابات يبدأ عندهم بوضع  أكبر قدر ممكن من أعضائهم في المناصب العليا، التي لها علاقات مباشرة بما هو اجتماعي، ويراهن عليه عند الاستحقاقات الانتخابية". 

اقرأ أيضاً: إخوان المغرب: نرجسية سياسية ودينية قضت عليهم شعبياً

ويختتم: "يحاول  العدالة التنمية اللعب على تناقضات خصومه، فدعم الصراع داخل التجمع الوطني للأحرار كمنافس محتمل هو بمثابة محاولة لجهة تبرير حصيلته السلبية، في وقت يعرف فيها الاقتصاد الوطني أخطر منعرج على الإطلاق، ومنطق العدالة والتنمية هو مصلحة الحزب قبل مصلحة الوطن، كما أنّ الوضوح السياسي يضعف العدالة التنمية، لهذا نجده يحاول توسيع مجال التحالفات السياسية، كي يضع شركاءه في الزاوية الضيقة، بعد لمسه السخط الشعبي على السياسات اللاشعبية وجسامة التحديات الاقتصادية القادمة، والتي لا يستطيع مجاراته، إذ إنّ الدفاع عنها، بشكل مسؤول، يترجم إلى نهاية وشيكة له، وقد نجح  الحزب في تثبيت صورة عن نفسه باعتباره محترفاً لفنون الهروب والمناورة، واللعب على كلّ الحبال لتجنب الظهور في الواجهة".

توظيف الإخوان في سنوات الحرب الباردة

يتفق والرأي ذاته، المفكر المغربي الدكتور سعيد ناشيد، والذي يرى أنّه مثلما هو حال كثير من الدول، صعد الإسلام السياسي إلى الحكم في المغرب عن طريق صناديق الاقتراع، وذلك في سياق ما كان يعرف بالربيع العربي، وقد استطاع أن يتغول في دواليب الإدارة والمجتمع، غير أنّ قدرته على الاستقواء ليست وليدة اليوم، بل مثل سائر الدول الأخرى، فقد تقوى الإسلام السياسي في سنوات الحرب الباردة، حين كانت الأنظمة والمنظومة الرأسمالية تعتقد بأنّ الخطر الأكبر هو الخطر الشيوعي، وبأنّ الإسلام السياسي يمكن أن يكون حليفاً قوياً.

المفكر المغربي سعيد ناشيد

ويضيف ناشيد، لـ "حفريات": "معضلة الإسلام السياسي حين وصل إلى الحكم في المغرب؛ أنّه وجد نفسه من دون برنامج سياسي أو اقتصادي، عدا شعارات لا تسمن من جوع، ولا تقول أيّ شيء، فوقع أسير برامج المؤسسات المالية المانحة للقروض، طالما لا يملك بدائل عنها، ولا يملك حتى القدرات التفاوضية لتعديل ما يمكن تعديله، لذلك كان تلميذاً نجيباً للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ وهو ما تسبب في تدهور القدرات الشرائية للمواطنين، وضرب مجانية التعليم، وضرب كثير من المكتسبات الاجتماعية التي اكتسبها المجتمع المدني بفضل نضال الأحزاب الوطنية، بل تسبّب في تدهور الطبقة المتوسطة باعتبارها الخلفية الاجتماعية للمشروع الحداثي الديمقراطي، دون أن ننسى الإشارة إلى تدهور الإنتاج السينمائي والغنائي والفنون الجميلة".

الأكاديمي المغربي رشيد لزرق لـ"حفريات": منطق العدالة والتنمية هو مصلحة الحزب قبل مصلحة الوطن، كما أنّ الوضوح السياسي يضعفه لهذا نجده يحاول وضع شركائه في الزاوية الضيقة 

ولذلك؛ سيتعرض الإسلام السياسي المغربي لنوع من التصويت العقابي، حيث كان لسان حال الناخبين يقول: لا يهمنا من سيأتي بعدهم، بقدر ما يهمنا ألا يعودوا مرة أخرى، بحسب المفكر المغربي الذي يتابع: "الأدهى بعد ذلك كله أنّ آثار النعمة التي ظهرت بسرعة قياسية على وجوه وزرائهم كانت فضيحة مجلجلة أمام أنظار عموم الناس، ودليلاً على ما تعنيه عبارة (تحسين الوضعية) عند تجار الدين".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية