لماذا يقف أردوغان على أطرافه في العراق؟

لماذا يقف أردوغان على أطرافه في العراق؟


05/07/2020

ثمة محاولات دؤوبة تسعى من خلالها تركيا إلى مدّ شبكة نفوذها في العراق، الذي يعدّ أحد الأسواق التجارية المهمة للبضاعة التركية، فضلاً عمّا يمثله من أهمية إستراتيجية لها في المجالَين السياسي والأمني، إلى جانب الاقتصادي؛ حيث تتجه، خلال الفترة الأخيرة، إلى ممارسة دور أوسع في فضاءات البلد الذي تتقاسم نفوذه إيران والولايات المتحدة، وهو ما يتقاطع مع رؤى قديمة لأنقرة باتجاه بغداد، شهدت خلالها ثوابت ومتغيرات متفاوتة، حكمت العلاقة بينهما، كما فرضت على ضوئها سياسات إقليمية وتحركات متباينة، كما هو الحال، في الحرب العراقية الإيرانية ثم غزو الكويت، وحتى احتلال العراق، عام 2003؛ حيث ظلت بؤرة اهتمام تركيا تتركز على المياه والطاقة والملف الكردي، باعتبارها الثابت الوحيد في المعادلة.

تعمد أنقرة إلى تحقيق تواجد على أكثر من مستوى، وتشكيل حواضن سياسية لها، خاصة بين التكتلات السنّية في المناطق المعارضة للنفوذ الشيعي بواسطة طهران، كما تقوم بتحريك أدواتها الناعمة، الدبلوماسية والاقتصادية، لدعم نشاطها السياسي والإقليمي، إلى جانب الآلة العسكرية للتعامل الخشن مع التواجد الكردي في إقليم كردستان، شمال العراق، الذي يبعث بهجوم متواصل، بين الحين والآخر، ضدّ تركيا في مجلس النواب العراقي.

أحلام الخليفة وأوهامه

وتسعى أنقرة، من خلال تطلعاتها للهيمنة، إلى ملء الفراغات الممكنة وسط ترقّب حثيث لجملة التغيرات السياسية، وكذا التوقعات القائمة بتراجع نفوذ طهران في بغداد، وذلك بالتزامن مع انطلاق الحوار الأمريكي العراقي، الذي يقضي بتقليص الوجود العسكري للقوات الأمريكية في بغداد، كما سيفرض ترتيبات جديدة في العلاقة بين البلدين، وكذا وضع الأحزاب والميلشيات الموالية لإيران، الأمر الذي تخشى طهران أنّ تغييره قد يهدّد أو يقلص نفوذها الأمني والسياسي.

عبد القادر الجنابي لـ"حفريات": يقوم أردوغان بالضغط المتواصل، سواء من خلال تصريحاته المباشرة أو عبر أجهزته الإعلامية، بفكرة الحقوق التاريخية والسياسية المسلوبة من أنقرة

قبل أيام قليلة من إعلان أنقرة العملية العسكرية في إقليم كردستان، شمال العراق، خلال الشهر الجاري، تمّ الإعلان عن زيارة لرئيس المخابرات التركي، هاكان فيدان، إلى بغداد، حيث التقى رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، وقد وصفتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية بـ "السرية"؛ حيث لم يعلن عنها من الجانب العراقي، وبينما حاول مراقبون الربط بين الزيارة "السرية" والعملية العسكرية، باعتبار أنّ ثمة تنسيقاً جرى بين الطرفين، اللذين تجمعهما صلات قديمة، أثناء رئاسة الكاظمي لجهاز المخابرات العراقي، رغم إدانة الحكومة ببغداد للهجوم، ووصفه بأنّه "انتهاك لسيادتها"، غير أنّ هناك سياقاً أوسع تقف على أطرافه تلك الأحداث، خاصة أنّه تزامن مع زيارة فيدان، زيارة أخرى لقائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، وهو ما يبدو عنوانه العريض التنافس بين أنقرة وطهران على المصالح في بغداد، على خلفية الحوار الإستراتيجي بين الأخيرة وواشنطن، وإعادة التموضع بناء على الترتيبات الجديدة.

زيارة سرية

وبحسب التسريبات التي نقلتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية؛ فإنّ زيارة رئيس المخابرات التركي إلى بغداد، وضعت ضمن أولوياتها بحث الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تجمع بين البلدين، إضافة إلى مناقشة التقارب العراقي مع أكراد سوريا، والذي يعدّ أحد أبرز الملفات حساسية لدى أردوغان وحزب العدالة والتنمية، خاصة بعد الزيارة التي قام بها إلى بغداد، مؤخراً، الجنرال مظلوم كوباني، قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتي أثارت غضب أنقرة وقلقها.

وتبرز مخاوف أخرى باتجاه فقدان تركيا السوق العراقي، ومحاولة تأمين أوضاع الشركات التركية التي تملك أعمالاً في مجالات وقطاعات حيوية عديدة، في البناء والطاقة والأثاث والمعدات الثقيلة؛ إذ إنّ التحوّل عن ذلك وشموله بأيّ تغيير أو إصلاح، وكذا تقليل نسب الواردات من أنقرة، سوف يتسبّب في خسارة مالية فادحة للاقتصاد التركي، الذي يعاني بالأساس في تلك الفترة من أزمات حادة، لا سيما أنّ الصادرات التركية للعراق، بلغت عائداتها نحو20 مليار دولار، في أوقات سابقة، ولم تتقلص إلا مع ظهور تنظيم داعش في العراق، العام 2014.

الرئيس التركي في أحاديثه الصحفية ولقاءاته الرسمية دأب على الحديث المستمر عن معاهدة لوزان، التي تمّ توقيعها عام 1923 بين الحلفاء المنتصرين بعد الحرب العالمية الأولى

وبحسب فاتح يلدز، السفير التركي في العراق؛ فإنّ إجمالي حجم التبادل التجاري بين بغداد وأنقرة، قفز من 13 مليار دولار، عام 2018، إلى 15 مليار و800 مليون دولار، عام 2019، بالتالي؛ حقّق حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعاً، بلغ نحو 7.8%، في العام الأخير.

 مبدئياً، بعد التدخل التركي في ليبيا؛ فإنّ فرص حصول تحوّل جذري في تعاطي أنقرة مع بغداد، بات كبيراً، لا سيما مع اقتراب الذكرى المئوية لاتفاقية لوزان الثانية، كما يقول لـ "حفريات"، الباحث والصحفي العراقي، منتظر القبيسي. وبالتبعية؛ فإنّ الأوساط الإخوانية وتيارات الإسلام السياسي تنشط في الحديث عن وجود بند في الاتفاقية الدولية، يسمح لتركيا بمعاودة المطالبة بـ "ولاية" الموصل، والتي أسقطت المعاهدة تبعيتها لها ضمن إعادة ترسيم حدود الإمبراطورية العثمانية، وتفكيك امتداداتها في ثلاث قارات، ومن ثم تدشين الجمهورية التركية الحديثة.

سياسة الذئاب

تبرز تطلعات الرئيس التركي المتزايدة باتجاه بغداد، منذ مطلع العام الحالي؛ حيث أعلن عن شروعه في تدشين قنصليتين جديدتين في محافظتي النجف وكركوك، إضافة إلى إعادة افتتاح قنصليتين غيرهما، في محافظتَي البصرة والموصل، والأخيرتَين من أكبر مدن العراق على مستوى التجارة.

اقرأ أيضاً: هل ينجح الكاظمي في استعادة هيبة الدولة العراقية؟

وفي أيار )مايو) الماضي؛ أجرى الرئيس التركي اتصالاً هاتفياً مع الكاظمي؛ أكّد خلاله استعداد أنقرة لتقديم الدعم الكامل إلى العراق، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، كما أنّه يتطلع لزيارة بغداد في أقرب فرصة ممكنة، لجهة تعزيز العلاقات وفق الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، وهو ما يتفق والتقديرات السياسية التي تضع مؤشرات حول ما يمكن أن يقوم به رئيس الوزراء العراقي الجديد، عبر حشد العراق ضمن التحالف الإقليمي، الذي يضمّ مصر والسعودية والإمارات، ما يضعها في مواجهة المحور المضاد، الممثل في أنقرة والدوحة وجماعات الإسلام السياسي.

من جانبه، يرى الصحفي العراقي، عبد القادر الجنابي، أنّه فيما يتصل بانتهاك السيادة العراقية، خاصة مع الهجمات المتكررة من قبل تركيا أو بشكل أقل من جانب إيران على إقليم كردستان، فالموضوع ينقسم إلى شقين: الأول يتمثل في كون الحكومة التركية تزعم أنّ لديها اتفاقية قديمة مع العراق، للتوغّل بعمق 15 كم داخل الأراضي العراقية لمحاربة حزب العمال الكردستاني، وذلك أثناء حكم الرئيس الراحل، صدام حسين، والأمر الثاني يعود إلى المزاعم بملاحقة المعارضين الأكراد، وتجميد أيّ تهديد للأمن القومي لأنقرة وطهران.

اقرأ أيضاً: هل بات العراق مسرحاً للتدخلات التركية بعد اجتياحه إيرانياً؟

ويضيف لـ "حفريات": "الرئيس التركي في أحاديثه الصحفية ولقاءاته الرسمية، دأب على الحديث المستمر عن معاهدة لوزان، التي تمّ توقيعها عام 1923 بين الحلفاء المنتصرين بعد الحرب العالمية الأولى، وترتّب عليها حصول الدول التابعة للإمبراطورية العثمانية على استقلالها، ومن بينها مصر والعراق وسوريا وليبيا، كما يقوم أردوغان بالضغط المتواصل، سواء من خلال تصريحاته المباشرة أو عبر أجهزته الإعلامية، بفكرة الحقوق التاريخية والسياسية المسلوبة من أنقرة، بعد المعاهدة الدولية، ومن ثمّ المطالبة بالتخلص من آثارها، كما يزعم.

تتبنى الدعاية السياسية والأيديولوجية في أنقرة سردية تبدو غريبة، بحسب الصحفي العراقي؛ هي أنّ المعاهدة الدولية سوف تنتهي عام 2023، وهو التاريخ الذي سيوافق مرور مئة عام على إبرامها، ومن ثم على الدولة التركية أن تبدأ حقبة ومرحلة جديدتَين، تستعيد خلالهما نفوذها السياسي والإقليمي والاقتصادي، فتشرع في التنقيب عن النفط، مثلاً، وحفر قناة جديدة تربط بين البحر الأسود والبحر المتوسط مروراً ببحر مرمرة، الذين يربط بينهم مضيق البوسفور؛ لذلك يمكن على كلّ حال، أن نفهم في هذا السياق، التحركات الإقليمية المتزايدة لأنقرة، بين سوريا وليبيا والعراق من جهة، ومحاولة استعادة التاريخ القديم باعتباره حديقة تتجمع فيها أحلام الرئيس التركي، فضلاً عن خلافاته مع الغرب والولايات المتحدة، من جهة أخرى. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية