لماذا يُتهم السودان بالتنازل لصالح أثيوبيا في أزمة سدّ النهضة؟

لماذا يُتهم السودان بالتنازل لصالح أثيوبيا في أزمة سدّ النهضة؟


20/07/2020

مرّ الموقف السوداني من أزمة سدّ النهضة بعدّة تحولات كبرى؛ ففي عهد نظام البشير السابق تطابقت وجهتا النظر، السودانية والأثيوبية، ثم عقب إطاحته تبنّت حكومة عبد الله حمدوك موقفاً جديداً، يضع مصالح السودان أولاً، وتصدّرت مسألة أمان السدّ اهتمام المفاوض السوداني.

اقرأ أيضاً: سد النهضة: هل تقف تركيا وراء محاولات حصار مصر مائياً؟

وعاد الموقف السوداني ليتغير خلال الأيام الأخيرة من جولة المفاوضات، التي رعاها الاتحاد الأفريقي، في الفترة بين (3 - 13) تموز (يوليو) الجاري، بعد تصريحات وزير الطاقة السوداني، خيري عبد الرحمن، التي قلّل فيها من مخاطر السدّ بشكل كبير، وأعلى من شأن المصالح المترتبة عليه لبلاده، ما عدّه خبراء سودانيون تراجعاً كبيراً عن مصالح السودان، بينما رآه آخرون يصبّ في مصلحتها.

إخفاق تفاوضي جديد

اختتمت الجولة الأخيرة من المفاوضات التي رعاها الاتحاد الأفريقي، الإثنين الماضي، دون التوصل إلى اتفاق نهائي، أو حلّ المسائل العالقة بين مصر وإثيوبيا بشكل خاص، وأعلن السودان، على لسان وزارة الريّ والموارد المائية، إحراز تقدم طفيف في عدد من المسائل، في ظلّ استمرار الإخفاق في حلّ القضايا القانونية.

مرّ الموقف السوداني من أزمة سدّ النهضة بعدّة تحولات كبرى

وأضاف بيان الوزارة إلى تقديم السودان اقتراحات جديدة؛ هي تحديث لمسودة الاتفاق التي سبق أن تمّ طرحها في جولة تفاوض يونيو، برعاية رئيس وزراء البلاد، عبد الله حمدوك.

وبحسب البيان؛ رفع السودان تقريراً بنتائج المفاوضات إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي، ومن المنتظر أن يدعو رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، إلى عقد اجتماع قمة أفريقية مصغرة لرؤساء الدول الثلاث، للدفع نحو حلّ الخلافات، بصفته رئيس هيئة مكتب رئاسة الاتحاد الأفريقي.

الأكاديمي والصحفي السوداني عمر محمد الحاج لـ"حفريات": السودان بموقفه الأخير في المفاوضات، أصبح ينتهج نهجاً حراً، يعبّر بكل وضوح عن مخاوفه من قيام سدّ النهضة

وسبقت ذلك تصريحات لوزير الطاقة السوداني، الأحد 12 تموز (يوليو)؛ أعلن فيها توقيع اتفاقيتين مع أثيوبيا؛ لاستيراد 4000 ميجا وات كهرباء، بتعرفة مخفضة.

كما أشار الوزير إلى الفوائد الكبرى للسدّ على سدود السودان، بتنظيمه تدفق المياه، ما يتيح فرصاً أكبر لتوليد الكهرباء من السدود، التي تعتمد البلاد عليها لتلبية حاجتها من الكهرباء.

اقرأ أيضاً: هل تتجه أزمة سد النهضة للحل بعد الاتفاق على عدم اتخاذ إجراءات أحادية؟

وفي السياق نفسه؛ نفى وزير الريّ والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، تذبذب الموقف السودانى فى مسألة سدّ النهضة، بحسب وكالة "سونا".

أمان السدّ.. رأي سوداني آخر

لا يتفق قطاع واسع من خبراء الريّ السودانيين مع تصريحات وزير الطاقة، التي قللت من مخاطر السدّ على شرق السودان، وتصريحات أخرى للمدير التنفيذي لمفوضية الطاقة في الاتحاد الأفريقي، المهندس راشد عبد الله علي، التي قال فيها: إنّ "مساحة الأراضي التي ستفقد خصوبتها نتيجة توقف الريّ الفيضي (ري الفيضان) لا تزيد عن 50 ألف فدان".

وحول قضية أمان السدّ، قال المهندس، عبد الكافي أحمد، الخبير السابق بوزارة الريّ السودانية، وخبير الهيدرولوجيا: "هناك مخاطر كبرى ناتجة عن السدّ؛ فلا توجد عنه دراسات جدوى اقتصادية، أو بيئية، أو تحليل مخاطر، أو دراسات سلامة. وهناك غموض كبير حول السدّ، فالحديث كان عن سدّ يسمى "سدّ الحدود"، على بحيرة تتّسع 11 مليار متر مكعب من المياه، لكن فوجئنا بظهور سدّ آخر، أسموه "سدّ النهضة" على بحيرة تتّسع لــ 74 مليار متر مكعب كحد أدنى".

اقرأ أيضاً: محادثات سد النهضة: هل ثمّة ضوء في آخر النفق؟

وأضاف عبد الكافي أحمد لـ "حفريات": "هناك فرق بين دراسات انهيار السدّ، ودراسات سلامة السدّ؛ فالأولى معروفة، أما الثانية فلا توجد دراسات حولها، وتتعلق بمخاطر تهديد سلامة السدّ نتيجة عمل إرهابي، أو حروب، أو نزاعات. إلى جانب غياب دراسات جادة حول هيدرولوجيا السدّ، وعدم وجود دراسات عن آثار المياه النظيفة التي يصرفها السدّ، على جسمه وقواعده في الجانب الآخر، بعد حجز الطمي الذي يخفف من عملية النحر التي تقوم بها المياه".

اقرأ أيضاً: هل يشعل سد النهضة الإثيوبي أول حرب على المياه في العالم؟

ولا يتفق كثيرون مع المهندس عبد الكافي، ويثقون في مراعاة لجنة التفاوض السودانية للمخاطر المحتملة على السدّ، ويرى الأكاديمي والصحفي السوداني، عمر محمد الحاج: أنّ "السودان بموقفه الأخير في المفاوضات، أصبح ينتهج نهجاً حراً، يعبّر بكل وضوح عن مخاوفه من قيام السدّ، التي كان النظام السابق عاجزاً عن التعبير عنها بوضوح، وأصبح المفاوض يدعو إلى التفكر والتدبر في مسألة أمان السدّ ومخاطره المستقبلية، خاصة التهديدات التي يمكن حدوثها مستقبلاً على سدّ الروصيرص".

ونفى الحاج لـ "حفريات"؛ "موالاة السودان لأيّ طرف، سواء أثيوبيا أو مصر، على حساب مصالح البلاد"، مؤكداً على "شفافية الموقف الرسمي، والإجماع الشعبي الكبير حوله".

التصحّر.. خطر تتجاهله الحكومة

يهدّد السدّ مناطق واسعة من أخصب الأراضي الزراعية في السودان بالتصحّر، بعد فقدان الطمي الذي سيحجزه سدّ النهضة من جهة، وغياب الفيضان الذي يروي هذه المساحات صيفاً، وتُعرف باسم مناطق الريّ الفيضي.

ويرفض عدد من الخبراء السودانيين، الذين شكلوا مجموعة تُعرف باسم "مجموعة مخاطر السدّ الأثيوبي" تهوين المسؤولين في السودان من مخاطر التصحّر.

 ويقول، محمد عثمان، عضو مجموعة مخاطر السدّ الأثيوبي، إنّهم تواصلوا مع الخبير الزراعي السوداني، البروفيسور التجاني الأمين، حول هذه المسألة، وكان ردّه: "حتى آخر فيضان وصلت مساحة أراضي الريّ الفيضي إلى ما يزيد عن 736 ألف فدان، وفق خبراء هيئة البحوث الزراعية، وليست 50 ألف فدان كما يصرّح المسؤولون، وهذه الأراضي مهدّدة بالتصحر، بعد حجز السدّ للفيضان".

ويضيف محمد عثمان لـ "حفريات، وفق كلام الخبير التجاني: "غابة السنط من أراضي الريّ الفيضي، تشكّل وحدها 350 ألف فدان، وهي مهدّدة بالتصحّر، كما أنّ حجب الفيضان بما يحمله من طمي له مخاطر كبيرة على الجزر النهرية في البلاد؛ فستصبح مهدّدة بأن تجرفها المياه بالنّحر، بعد غياب الطمي الذي كان يعوض ما تفقده".

الربط الكهربائي... خبراء يشكّكون

كان وزير الطاقة قد أعلن عن حصول السودان على 4 آلاف ميجا وات من كهرباء سدّ النهضة، بتعرفة ضئيلة، دون مزيد من التوضيح حول الاتفاق.

ويشكّك الخبير السابق بوزارة الريّ السودانية، عبد الكافي أحمد، في جدوى هذا الاتفاق، قائلاً: "هذه نكته كبيرة، لا شيء في الكهرباء اسمه 4 آلاف ميجا وات فقط، بل يجب أن يحدد كيف سيحصل السودان على ذلك، وبأيّة قدرة، والمدى الزمني، لربما نجد أنّ السودان يحصل على حصة ضئيلة في آخر الأمر، لكنّها موزعة على مدى زمني طويل".

ويضيف عبد الكافي أحمد، لـ "حفريات": "من الناحية الفنية ليست في مصلحتنا الحصول على كهرباء السدّ، التي ينتجها من النيل الأزرق، مثل سديّ سنار والروصيرص؛ ويعني ذلك أنّ كلّ كهرباء البلاد ستتوقف على حجم مياه الأمطار التي تجري في النهر، وهذا مخاطرة كبيرة؛ فلو حدثت مشكلة في مياه النهر لتعطلت كلّ مصادر الكهرباء في السودان".

وكان عدد من الخبراء السودانيين قد دعوا عبر صفحاتهم على الفيسبوك إلى؛ "ضرورة الربط الكهربائي مع مصر، كونها لا تعتمد على مياه النهر لتوليد احتياجاتها من الكهرباء إلا بنسبة ضئيلة، إلى جانب أنها تنتج 40 ألف ميجا وات سنوياً، بينما لن يزيد إنتاج أثيوبيا بعد تشغيل توربينات السدّ بكامل طاقتها عن 10 آلاف ميجا وات. ودعا هؤلاء الحكومة إلى تدشين مشاريع وطنية بدلاً من الاستيراد.

شكك خبير سوداني في مجال الكهرباء في إنتاج سدّ النهضة 6 آلاف ميجا وات، فهذا الرقم لن ينتجه السدّ إلّا في أعلى انسياب للنهر في فترة الأمطار والفيضان

وشكّك الدكتور عمر بادي، الخبير السوداني في مجال الكهرباء، في مقال منشور في موقع "سودانايل" الإخباري، في إنتاج سدّ النهضة 6 آلاف ميجا وات، مبيناً أنّ هذا الرقم لن ينتجه السدّ إلّا في أعلى انسياب للنهر في فترة الأمطار والفيضان، بينما سينتج ألفي ميجا وات وفق منسوب النهر المتوسط.

هل يمسك رجال البشير بملف المياه؟

قال عضو مجموعة مخاطر السدّ الأثيوبي، محمد عثمان، لـ "حفريات" إنّ "رجال البشير ما يزالون يمسكون بملف التفاوض، وعلى رأسهم وزير المياه الحالي، ياسر عباس، وعثمان التوم، وسيف الدين حمد".

ومن جانب آخر؛ ألغت وكالة "سونا" مؤتمراً كان مقرراً عقده لخبراء سابقين في وزارة الري حول مخاطر وإيجابيات سدّ النهضة، قبيل دقائق من عقد المؤتمر، وفق ما قاله عبد الكافي أحمد ومحمد عثمان، لـ "حفريات"، اللذان اتهما وزير الريّ بمحاولة إخفاء الحقائق حول مخاطر السدّ عن الشعب، بالضغط على الوكالة لإلغاء المؤتمر، وفق ما نقلاه عن مصادر داخل الوكالة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية