ما الذي يدفع المقدسيين للحصول على الجنسية الإسرائيلية؟

ما الذي يدفع المقدسيين للحصول على الجنسية الإسرائيلية؟


09/12/2020

منذ احتلال مدينة القدس، عام 1967، وبسط سيطرتها على 87% من مساحتها، تحاول السلطات الإسرائيليّة السيطرة الكاملة على المدينة المقدّسة، وتهويدها بشكل كامل، وإلغاء الحق الفلسطيني بها، وذلك من خلال التضييق على السكان المقدسيين، وفرض الضرائب وسياسة الهدم، وإقرار العديد من المشاريع لإجبارهم على مغادرة مدينتهم.

السلطة الفلسطينية لا تهتم كثيراً بسكان القدس، والمخصصات المالية الخاصة بالمدينة ضئيلة جداً، إضافة إلى عدم وجود امتيازات للمقدسيين الذين يحملون الهوية الفلسطينية "الخضراء"

وفي الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ أصدرت المحكمة الإسرائيلية قراراً يقضي بتفعيل البند الخامس من قانون الجنسية الإسرائيلي، الذي يخص الشبان المقدسيين، من عمر 19-21 عاماً، والسماح لـ 20 ألف مقدسي بالحصول على الجواز الإسرائيلي، بذريعة تسهيل تحركاتهم خارج البلاد بسهولة.

وتصنف السلطة الوطنية الفلسطينية مدينة القدس على أنّها ضمن مناطق السيادة التابعة للضفة الغربية، أما إسرائيل فحصلت على اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لها، في 2017، وترتب على ذلك اعتراف عدة دول بذلك، نقلت سفاراتها من تل أبيب إليها.

ويبلغ عدد فلسطينيي القدس 380 ألفاً، أما اليهود فعددهم 600 ألف، لكنّ المقدسيين يعانون من ازدواجية الهوية، فالسلطة الوطنية الفلسطينية تمنحهم الهوية الخضراء الفلسطينية، أما "إسرائيل" فتمنحهم هويات زرقاء مؤقتة على شكل إقامات تتجدّد كلّ عام، تسمح لهم بحرية الحركة والتنقل داخل المدينة، والاستفادة من خدمات التعليم والصحة، ولكن لا يحقّ لسكان مدينة القدس الترشّح، أو التصويت في انتخابات الكنيست، وبالمقابل لهم الحقّ بالتصويت، دون الترشّح، في انتخابات البلدية.

اقرأ أيضاً: محللون لـ"حفريات": اغتيال زاده يعني أن إيران مخترقة أمنياً

وبحسب القرار الأخير؛ فإنّ أيّ شاب فلسطيني يعيش في القدس المحتلة، يتراوح عمره ما بين 18 إلى 21 عاماً، ولا يحمل جنسية أخرى، سيتمكن من الحصول على جواز السفر الإسرائيلي، ويحصل على الجنسية الإسرائيلية، ويعامل كأنّه مواطن إسرائيلي، وليس فلسطينياً.

إغراء

ويبين مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، خليل التكفجي؛ أنّ "منح السلطات الإسرائيلية جواز السفر الإسرائيلي هو بمثابة إغراء للمقدسيين، الذين يسعون إلى  تحسين حياتهم المعيشية، والتنقل  خارج البلاد، وبين المدن الفلسطينية بسهولة، والحصول على بعض الامتيازات، خاصّة للتجار والطلاب الذين لا يستطيعون إكمال دراستهم بالخارج، لعدم امتلاكهم جواز سفر.

خليل التكفجي

 ويرى، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ حصول المقدسيين على جواز السفر الإسرائيلي بذريعة تحسّن أوضاعهم، والحصول على امتيازات خاصة، متعلقة بالعيش وحرية التنقل "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، وأنّ تلك الخطوة لا تصبّ بمصلحتهم على الإطلاق، "كونها وسيلة لسرقة تاريخ المدينة المقدسة".

اقرأ أيضاً: محللون فلسطينيون يكشفون لـ"حفريات" دوافع عودة التنسيق الأمني مع إسرائيل

وبسؤاله عن الأسباب الرئيسية التي دفعت "إسرائيل" لمنح 20 ألف مواطن مقدسي جواز السفر الإسرائيلي، أبلغ "حفريات"؛ بأنّ إسرائيل تسعى من خلال هذا المشروع لإنهاء قضية القدس بشكل كامل، سواء عن طريق السكان، أو الأرض، بحيث لا تكون مطروحة على طاولة المفاوضات النهائية، وتحويلها إلى "أورشليم"، للتخلص من الهوية المقدسية بشكل نهائي.

شروط الحصول على جواز السفر

وبحسب التكفجي؛ فإنّ من الشروط التي تضعها السلطات الإسرائيلية للحصول على جواز السفر الإسرائيلي؛ الولاء الكامل لدولة إسرائيل، ودفع كافة الضرائب، والسكن بمدينة القدس، وألّا يكون شارك بأعمال ضدّ الدولة.

الباحث الفلسطيني خليل التكفجي لـ"حفريات": منح جواز السفر الإسرائيلي بمثابة إغراء للمقدسيين، الذين يسعون إلى  تحسين حياتهم المعيشية والتنقل  خارج البلاد

ويشدّد: "يتذرّع المقدسيّون الذين يحصلون على الجنسية الإسرائيلية بأنّهم اضطروا إلى ذلك للحصول على التسهيلات، والامتيازات حتى لا يتمّ ترحيلهم من المدينة، لكنّهم بتلك الخطوة تجرّدوا من كافة المبادئ الوطنية؛ كونهم اعترفوا بالاحتلال من خلال ولائهم له رغم ممارساته العنصرية بحق الفلسطينيين طوال سنوات الصراع".

ويوضح أنّ "سكان مدينة القدس لا يحق لهم امتلاك جواز سفر فلسطيني بموجب اتفاقية أوسلو، ومن يحصل على الجواز الفلسطيني يتمّ ترحيله من المدينة كونه يتبع للسلطة الفلسطينية، وفي حال حصوله على جنسية أجنبية، تُصادر أملاكه بعد ثلاثة أشهر تحت بند قانون أملاك الغائب، والمملكة الهاشمية الأردنية ترفض إعطاءهم الوثيقة الأردنية؛ لذلك يحصلون على الجنسية "الإسرائيلية" لضمان تنقلهم بأمان دون طردهم من المدينة".

وينوّه إلى أنّ السلطة الفلسطينية لا تهتم كثيراً بسكان مدينة القدس، وأنّ المخصصات المالية الخاصة بالمدينة ضئيلة جداً، ولا تكفي  لمساعدة المقدسيين، إضافة إلى عدم وجود امتيازات للمقدسيين الذين يحملون الهوية الفلسطينية "الخضراء".

مشروع طرد

ويؤكد الباحث في شؤون مدينة القدس، زياد إبحيص، أنّ قانون الإقامة الدائمة للمقدسيين مشروع إسرائيلي منهجي، الهدف منه تحويل كلّ مقدسي إلى مشروع طردٍ محتمل يطبّق عند اللزوم، ضمن مشروع لفرض أغلبية سكانية يهودية.

زياد إبحيص

ويشير، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "منح الجنسية الإسرائيلية للمقدسيين مشروع قديم استجدّ في تسعينيات القرن الماضي مع صعود اليمين، وتولّي إيهود أولمرت رئاسة بلدية القدس، إذ بدأ اليمين يطرح فكراً مختلفاً بخصوص معاملة المقدسيين، مفاده فتح آفاق المغادرة الطوعية، وضرب النسيج المجتمعي المقدسي".

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون يترقّبون: هل يصلح بايدن ما أفسده ترامب؟

ويبيّن أنّ "التطور الجديد في مشروع منح الجواز الإسرائيلي لسكان مدينة القدس، هو حكم محكمة الصلح "الإسرائيلية" في القدس بإلزام داخلية الاحتلال بنشر شروط قبول طلبات التجنس للمتقدمين الشباب، وتسهيل الإجراءات بشكل يقدَّر أنّه سيفيد 20,000 شخص في تسريع الحصول على الجنسية. 

الاعتراف بشرعيّة الاحتلال

وبسؤاله عن النتائج المترتبة على منح المقدسيين الجواز الإسرائيليّ، أبلغ "حفريات"؛ بأنّ "هذا الأمر يضفي المشروعية على ضمّ القدس من قبل المقدسيين أنفسهم؛ لأنّ التقدّم بالطلبات على أساس "الإقامة داخل حدود دولة إسرائيل" هو اعتراف من المقدسيين بشرعية السيادة "الإسرائيلية على القدس، و هذا ما يسعى إليه الاحتلال".

اقرأ أيضاً: شبّان متطوّعون يطلقون مشروع "ساحات" للحفاظ على تاريخ الخليل

وبحسب إبحيص؛ فإنّ مشروع منح جواز السفر الإسرائيلي لسكان مدينة القدس سيؤدي إلى إحداث شرخ مجتمعي مقدسي، بين من يرون أنهم "مواطنون"، ويتبنون خطاباً حقوقياً لتحصيل حقوقهم من "الدولة"، ومن يرون أنفسهم أبناء مدينة محتلة ينشدون تحريرها ويصمدون في وجه المحتل حتى يحين أوانه.

وينوّه الباحث في شؤون مدينة القدس إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي سوف يستخدم هذا المشروع "منح الجواز الإسرائيلي لسكان مدينة القدس" وسيلة لتقييد وتحديد سلوك المتقدمين الشباب للجنسية؛ لأنّ أيّ خرق للقانون سيحرمهم من استكمال طلبهم، وهذا ما قد يحولهم ضمنياً إلى حراس عرب للقانون الصهيوني في القدس من الناحية الاجتماعية؛ إذ سيكونون ضدّ كلّ ما يرونه "خرقاً للقانون" تحقيقاً لمصالحهم.

هدف سياسي

ويقول الناشط المقدسي، فخري أبو دياب، في حديثه لـ "حفريات" إنّ "الهدف من وراء منح آلاف من المقدسيين الجنسية سياسي، لإنهاء قضية القدس، وأنّ من يسكنون فيها هم مواطنون إسرائيليون، مما يفقد الطرف الفلسطيني المطالبة بإنهاء الاحتلال عن سكان القدس، وبذلك يتمّ إثبات أنّ أهل القدس لا يريدون العيش تحت حكم السلطة الفلسطينية بحملهم للجنسية الإسرائيلية". 

فخري أبو دياب

ويرى أنّ منح الجواز الإسرائيلي لسكان مدينة القدس، "يسهّل على الاحتلال الإسرائيلي طرد وتطهير المقدسيين، بذريعة أنّها تريد أن تبقي مواطنين فقط يعيشون في اسرائيل، والقدس جزء منها، بحسب زعمهم، لذلك تشترط التوقيع على ورقة تسمى الولاء للدولة".

اقرأ أيضاً: لماذا أضحى جيل التسعينيات في غزة جيلَ التعساء والمنكوبين؟

عدم تبني السلطة الفلسطينية، وأيّة دولة عربية سكان مدينة القدس، وعدم حصولهم على أيّ جواز سفر، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، تلك الأمور دفعت الاحتلال الإسرائيلي، كما يؤكد أبو دياب، إلى "الاصطياد بالمياه العكرة واستغلال هذا الفراغ، ومحاولة إغرائهم من خلال منحهم جواز السفر الإسرائيلي".

وبحسب أبو دياب؛ فإنّه "يمكن مواجهة هذا المشروع من خلال توعية الناس بمخاطر الحصول على الجنسية الإسرائيلية، وأضرارها على قضية القدس، سياسياً واجتماعياً، وأنّ إسرائيل التي تعمل على تفريغ القدس لا يمكن أن تكون حملاً وديعاً تجاههم، وأنّ لها غايات وأهداف سياسية وأيديولوجية، وليست محبّةً بهم، وبعد انتهاء الهدف قد تسحب هذه الجنسية منهم بادّعاءات شتى، وأنّهم خالفوا ما وقّعوا عليه وخانوا الأمانة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية