ما دلالات مقتل زعيم داعش في سوريا؟ وما مستقبل التنظيم؟

ما دلالات مقتل زعيم داعش في سوريا؟ وما مستقبل التنظيم؟


05/02/2022

 تطرح العملية التي نفذتها قوات أمريكية خاصة، وأسفرت عن مقتل زعيم داعش "أبو إبراهيم القرشي" في بلدة "أطمة" الواقعة بمحافظة إدلب السورية على حدود متاخمة للحدود التركية، العديد من التساؤلات حول مكان التنفيذ والتوقيت، والجهات الفاعلة في إنجازها إلى جانب القوات الأمريكية، والمكاسب والرسائل التي أرادتها الإدارة الأمريكية من العملية، بالإضافة إلى انعكاساتها على تنظيم داعش، والسيناريوهات المستقبلية لآليّة عمله، وفيما يلي إضاءات تجيب عن تلك التساؤلات.

أوّلاً: دلالات مكان التنفيذ

يُعدّ مكان تنفيذ العملية أحد أبرز "الألغاز" التي تحتاج إلى تفكيك، فبلدة "أطمة" في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا هي بلدة تقع مباشرة على الحدود مع تركيا، ولا تبعد كثيراً عن بلدة "باريشا" التي نفذت فيها قوات أمريكية في أواخر عام  2019  "في عهد الرئيس ترامب" عملية نوعية، نتج عنها "مقتل" زعيم تنظيم داعش حينذاك "أبو بكر البغدادي"، وتقع المنطقة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" ومجموعات من الفصائل الجهادية التي تمّ تجميع الكثير منها ونقلها الى إدلب خلال أعوام الثورة السورية، عبر اتفاقات "هدنة" مع الحكومة السورية، وتمّت غالبيتها بوساطة تركية.

المكوّن الجهادي الذي تشكّل في إدلب ضمّ فصائل وجماعات متفاوتة في القوة والعدد والعتاد، ورغم "توافقاتها" إلّا أنّ الطابع العام لها بقي في إطار المنافسة التي وصلت  إلى جولات متعددة ومتكررة من الصدامات فيما بينها لتوسيع مناطق نفوذها، بسبب تعدد ولاءاتها ما بين القاعدة وداعش.

يرتبط توقيت تنفيذ العملية بالعديد من المرجعيات بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية وتحركات تنظيم داعش فقد جاء التنفيذ متزامناً مع "غزوة" سجن "غويران" في الحسكة في شمال شرق سوريا

ورغم ذلك، بقيت هذه المناطق في عداد المناطق الخاضعة لسيطرة الأجهزة الأمنية التركية، غير أنّ اللافت للنظر فيها أنّها لا تُعدّ مناطق حاضنة ومسرحاً لعمليات تنظيم داعش، الذي اتخذ منذ تمدده في سوريا بعد العراق مناطق "شرق الفرات" مسرحاً لتواجده وعملياته، "الحسكة، ودير الزور، والرقة...، والمناطق المتداخلة مع الحدود السورية ـ العراقية"، ورغم أنّ تركيا تُعدّ أولى الجهات المحتملة في تقديم معلومات للجانب الأمريكي، كما هو حال العملية التي استهدفت "البغدادي"، إلّا أنّ هناك جهات أخرى أسهمت في العملية، من بينها قوات "قسد"، ومعلومات قدّمتها أجهزة مكافحة الإرهاب العراقية، وهو ما أكدته مصادر أمريكية، ويبدو أنّ أدوارها ومعلوماتها لم تكن بمستوى أهمية ومعلومات الأجهزة التركية.

ثانياً: دلالات توقيت العملية وسياقاتها

يرتبط توقيت تنفيذ العملية بالعديد من المرجعيات بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية وتحركات تنظيم داعش، فقد جاء التنفيذ متزامناً مع "غزوة" سجن "غويران" في الحسكة في شمال شرق سوريا، والتي نفذها تنظيم داعش لتحرير سجنائه من السجن المذكور، واستمرت أكثر من أسبوع، بتنسيق بين كوادر داعش من داخل السجن وخارجه، وكانت تتويجاً للعديد من العمليات التي نفذها داعش في سوريا والعراق منذ بداية العام 2022، وهو ما أرسل رسالة بأنّ التنظيم تمكّن من إعادة تنظيم صفوفه، واستعاد قدرات على شنّ عمليات "نوعية" في مناطق نفوذه، وبأساليب جديدة عنوانها "حرب العصابات" والعمليات الخاطفة.

أراد بايدن توجيه رسالة مزدوجة للرأي العام الأمريكي، "المشغوف بنموذج البطل"، بقوته وقدرته على اتخاذ قرارات نوعية ذات طابع عسكري

ومن المرجح ارتباط مقتل "القرشي" بعملية سجن "غويران"، حيث تمّت "إطالة" الوقت الذي استغرقته العملية من قبل قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأمريكية لكشف كوادر وعناصر داعش خارج السجن ومراكز التوجيه والقيادة والتحكم، لا سيّما بعد مؤشرات كثيرة، منذ تسلم القرشي قيادة التنظيم، أكدت على أنّ هناك تغييرات في أساليب قيادة داعش وإدارتها لنشاطاتها، من بينها اللّامركزية وحرب العصابات والعودة إلى العمل السرّي، إضافة إلى التخلي عن مقاربة الاحتفاظ بالأرض، وجميعها أساليب وضعت المزيد من التحديات والعقبات في "المتابعة الأمنية" للتنظيم.

أمّا بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية، فلا يبدو أنّ تفاصيل العملية، وفيما إذا قام القرشي بقتل نفسه وأطفاله، أو تمّ قتله من قبل القوات الأمريكية، مسألة ذات أهمية، إلّا بحدود "شيطنة" الإرهابيين، لا سيّما أنّ العملية لا ترتقي إلى مستوى عملية مقتل أسامة بن لادن في عهد الرئيس باراك أوباما، أو مقتل البغدادي في عهد الرئيس دونالد ترامب، لكن في الوقت نفسه فإنّ العملية غير معزولة عن العديد من السياقات، من بينها: تأكيد استمرار خطر الإرهاب في المنطقة، وهو ما يعني أنّ استمرار مبررات تواجد القوات والقواعد الأمريكية في المنطقة ما زالت قائمة، في ظلّ جدالات في المنطقة وداخل أمريكا حول مطالب بخروج أمريكا عسكرياً منها، ثمّ إنّ الرئيس بايدن أراد توجيه رسالة مزدوجة للرأي العام الأمريكي، "المشغوف بنموذج البطل"، بقوته وقدرته على اتخاذ قرارات نوعية ذات طابع عسكري، وكانت الرسالة لروسيا وأوروبا متزامنة مع الأزمة الروسية- الأوكرانية، والاتهامات التي توجّه له بأنّ إدارته غير قادرة على اتخاذ قرارات عسكرية حاسمة ونوعية، وهو ما يفسّر معه أنّ روسيا صعّدت مع أوكرانيا في ظلّ قناعات بضعف أمريكا بقيادة الرئيس بايدن، وتردّد أوروبي في الردّ على روسيا لأسباب اقتصادية وأخرى عسكرية، وفجوات بين اتجاهات السياسات الأمريكية مع الأوروبيين، وخاصة "طبيعة" الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان، بالإضافة إلى تعزيز التحالف بين أمريكا وبريطانيا على حساب الاتحاد الأوروبي، بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد.

ثالثاً: سيناريوهات مستقبل داعش ما بعد القرشي

يرتبط مستقبل داعش بعد مقتل القرشي بأهمية الدور الذي كان يقوم به القرشي، وهو دور لا يحظى بالأهمية والأدوار التي كان يقوم بها "البغدادي"، فقد كشفت مرحلة ما بعد البغدادي، وما تعرّض له التنظيم من ضربات في سوريا والعراق، أنّ التنظيم لم يعد كما كان في عهد البغدادي، بعد تراجعه عن مقاربة الاحتفاظ بـ"أرض لدولة الخلافة"، والعودة إلى العمل السرّي، ولامركزية التنظيم، وهو ما ظهر في أسلوب إدارة القرشي، وبالتزامن فمن المؤكد أن يعلن داعش بعد أيام عن اجتماع لمجلس شورى التنظيم، ومبايعة زعيم جديد للتنظيم، يخلف القرشي ولا يستبعد أن يكون عراقياً.

ورغم أنّ تداعيات مقتل القرشي ستنعكس بمزيد من الضعف على قدرات التنظيم في التخطيط والإدارة وتنفيذ العمليات وعلى معنويات كوادره وعناصره في المدى المنظور، إلّا أنّ المرجح أنّ التنظيم لديه القدرة على التكيف مع غياب قادته وإنتاج قيادات جديدة، خاصة مع أساليبه الجديدة باعتماد حروب العصابات والعمليات الخاطفة التي ستنفذ من قبل خلايا نائمة وربما ذئاب منفردة، والتي يتوقع أن تتوسع، وأن تكون سمة عامّة لعمليات التنظيم، ولا يُستبعد توسّع ترجمات مقولات أنّ داعش تحوّل إلى "فكرة" ملهمة أكثر من كونه تنظيماً، بظهور جماعات جهادية تكفيرية تضمّ مجاميع من الغاضبين بمرجعيات مختلفة، أسست لها الحروب الطائفية والمذهبية في المنطقة، ووفر لها تفاقم أزمات اقتصادية واجتماعية لم تصل بعد إلى خرائط لحلول حقيقة مرجعيات الاستمرار.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية