ما هي خيارات بايدن في سوريا؟

ما هي خيارات بايدن في سوريا؟


12/01/2021

بين الآمال الكبيرة، والخيارات المحدودة أمامه، تنتظر بايدن مهمة صعبة في سوريا؛ التي تعيش وضعاً مجمداً، عقب تقاسم السيطرة بين اللاعبين الإقليميين وروسيا، بعد الانسحاب الأمريكي الكبير من الملف السوري، خلال الأعوام الأربعة الماضية.

وتذهب التوقعات إلى انخراط أكبر لواشنطن على المستوى الدبلوماسي، القائم على العمل المؤسسي، بعد تهميش دور المؤسسات مع ترامب، الذي اعتمد على العلاقات الشخصية، والمقاربات الارتجالية، مثل قرار سحب القوات الأمريكية، والتخلي عن الحليف الكردي.

اقرأ أيضاً: لماذا يتجه أردوغان نحو مزيد من التصعيد في سوريا؟

وتتصدّر قضية تحجيم النفوذ الإيراني، وذراعه حزب الله، أولويات إدارة بايدن، بحسب توقعات معظم المراقبين، إلى جانب تحجيم العمل العسكري التركي ضدّ حلفاء واشنطن، ومتابعة مسار القرارات الدولية بالعمل مع روسيا، وربما التوجّه نحو تشديد العقوبات على النظام السوري، بهدف إحداث تغييرات كبيرة داخله.

سنوات ترامب العجاف

وتميّزت سياسة ترامب في الشرق الأوسط، بشكل عام، وسوريا خاصة، بالانخراط وفق الحدّ الأدنى، والتركيز على مكافحة تنظيم داعش، مع متابعة فرض العقوبات على نظام الأسد، وإهمال المسارات الدولية لحلّ الأزمة، ما فتح الباب أمام توسع القوى الإقليمية في سوريا، خاصة تركيا وإيران.

قوات أمريكية قرب حقل نفط في سوريا

وحول سياسة ترامب، يقول مدير مركز دراسات القارات الثلاث، الصّحفي السوري أحمد حسن: "شاب المرحلة الماضية، خاصة ما بعد 2016، بروز سياسة محاور في الملفات الإقليمية؛ في سوريا واليمن ولبنان وليبيا وفلسطين، تزامنت مع تراجع الدور الأمريكي المباشر في المنطقة، وترك المنطقة للمنافسة بين المحاور، مما ساهم في انكفاء بعض الدول عن الدور الإقليمي، وزيادة دور دول أخرى، بشكل يتجاوز توازنات المنطقة".

نشرت وكالة "بلومبرج" مقالاً جاء فيه أنّ النفوذ الإيراني المتنامي في سوريا يعدّ الخطر الأكبر على مصالح واشنطن في المنطقة، أكثر من النفوذ الروسي

وتراجع الدور الدولي مع ترامب، ومعه تراجعت الأدوار التي كانت تؤديها الدول العربية، خاصة السعودية والإمارات ومصر، في الملف السوري، الذي انفردت فيه روسيا وإيران وتركيا، من خلال التنسيق المشترك، ولقاءات القمة التي جمعت رؤساء الدول الثلاث، والتفاهمات حول النفوذ.

وجاء التوسّع التركي في شمال سوريا بناء على التفاهمات الشخصية بين ترامب والرئيس التركي، وهي الخطوة التي لاقت معارضة كبيرة من الديمقراطيين في مجلس النواب، الذين حاولوا فرض عقوبات على تركيا، أكثر من مرة، على خلفية العمليات العسكرية ضدّ الأكراد.

اقرأ أيضاً: بالوقائع والأرقام.. الانتهاكات مستمرة بحق الصحفيين في شمال سوريا

وتسببت سياسة ترامب نحو تركيا في توسّع نفوذ الأخيرة، على الرغم من تنسيقها المباشر مع موسكو وطهران، والذي أدّى إلى تعميق التحالف معهما، بشكل أضرّ بمصالح الولايات المتحدة؛ حيث وقّعت تركيا صفقة "إس - 400" مع روسيا، والتي تسبّبت في فرض واشنطن عقوبات عسكرية عليها، وكذلك ساعدت طهران في التهرّب من العقوبات الأمريكية.

خيارات بايدن

وحول سياسة بايدن المتوقّعة، يقول الصحفي البلجيكي، والمتخصص في الشأن السوري، جينس هيترين: "بصرف النظر عن نية الانسحاب من سوريا؛ فإنّ السياسة الأمريكية تجاه سوريا، في ظلّ حكم بايدن، لن تختلف كثيراً عن سياسة ترامب وأوباما، وسيبقى نظام العقوبات مكانه، وستظلّ قرارات الأمم المتحدة، التي أشارت إليها الإدارات السابقة، العمود الفقري لنهج واشنطن مع بايدن، مع استمرار محاربة تنظيم داعش، ومحدودية الخيارات تعود إلى تصلّب مواقف القوى الفاعلة الثلاث؛ روسيا وتركيا وإيران".

مدير مركز دراسات القارات الثلاث الصحفي السوري أحمد حسن

ويعتقد هيترين، كما أبلغ "حفريات" أنّ إدارة بايدن "ستتبع أسلوباً دبلوماسياً مختلفاً، مقارنة بإدارة ترامب؛ حيث كانت الدبلوماسية في عهد ترامب أكثر تقلباً، ولم تكن بعيدة المدى، واتسمت بالأحادية؛ أبيض أو أسود، لكن مع بايدن ستعود الدبلوماسية إلى نشاطها، خاصة مع تركيا وإيران".

حالياً، يقول الصحفي السوري، أحمد حسن إنّ إصلاح السياسة الدولية "يعد من أولويات الإدارة الامريكية الجديدة، وهذا يحتاج إلى إعادة المؤسسات الفاعلة، خاصة الاستخبارات، ومنهج الإدارة الديمقراطية في العمل الدولي يركز على إعطاء صلاحيات أوسع للمؤسسات، على عكس إدارة ترامب، التي ركّزت على تعزيز التنافس بين المحاور  الإقليمية، وعلى التفاهمات البعيدة عن المؤسسات، أو بتجاهل تحذيراتها".

الصحفي البلجيكي جينس هيترين لـ"حفريات": "لن تختلف إدارة بايدن في نهجها نحو روسيا فيما يتعلق بسوريا، وستعمل معها على إحراز تقدّم في المفاوضات

وأفاد حسن، لـ "حفريات" أنّ "المتوقع في الملف السوري خاصة، والملفات الإقليمية في المنطقة بشكل عام، هو العمل على توازن بين المحاور الدولية والإقليمية؛ لذلك تعدّ المصالحة الخليجية جزءاً من هذه التحولات، ويدفع هذا نحو عودة التعاون بين تركيا والمحور العربي في بعض الملفات، وكذلك التعاون بين هذه المحاور مع روسيا".

دور استخباراتي أكبر

ويضيف مدير مركز أبحاث القارات الثلاث: "ستعيد إدارة بايدن النشاط إلى المكاتب الإقليمية الاستخباراتية، والتي تتطلع بالتنسيق مع أجهزة المخابرات في المنطقة، ما يعني زيادة التدخل الأمني والاستخباراتي الأمريكي، والذي تراجع خلال إدارة ترامب".

ويردف بقوله: "تقوم إستراتيجية بايدن على إحداث تغيير داخل النظام السوري، أو تغيير بنيته، والعمل على إنتاج مقاربات مع القوى الإقليمية، لتنفيذ القرار الدولي رقم 2254، والذي تعدّ إيران العائق الأول أمام تنفيذه؛ لذلك ستركّز واشنطن على تحجيم نفوذها، خاصة بعد إنزواء النظام والمعارضة عن الفاعلية الدولية، ما يعني أنّ واشنطن ستعمل على التعاون مع الروس ودول الإقليم".

الكاتب حسين أبيش: "يجب على بايدن أن يبلغ تركيا بحزم، بأنّ واشنطن تدرك حاجتها إلى حماية أمنها، لكنّ ذلك لا يعني أن تحتلّ أراضٍ سورية، وتهاجم حلفاء واشنطن".

ونشرت وكالة "بلومبرج" مقالاً حول سوريا، جاء فيه أنّ النفوذ الإيراني المتنامي في سوريا، يعدّ الخطر الأكبر على مصالح واشنطن في المنطقة، أكثر من النفوذ الروسي، المحدود بتأمين مصالح محددة، على عكس طهران التي تريد الهيمنة على النظام السوري، ما أدّى إلى ظهور خلافات بين الأسد وروسيا من جانب، وطهران من جانب آخر.

الصحفي البلجيكي والمتخصص في الشأن السوري جينس هيترين

ويقول الصحفي البلجيكي، جينس هيترين: "لن تختلف إدارة بايدن في نهجها نحو روسيا فيما يتعلق بسوريا، وستعمل معها على إحراز تقدم في المفاوضات الدستورية المجمدة، وفق قرارات الأمم المتحدة".

تحجيم تركيا

وإلى جانب إيران، يعدّ تحجيم الدور التركي ثاني توقعات سياسة بايدن في سوريا، خاصة أنّ هدف تركيا يقوم على دحر الأكراد، حلفاء واشنطن، الذين يحظون بعلاقات جيدة مع الديمقراطيين وبايدن، علاوةً على أنّهم الطرف الأكثر مصداقية وفعالية في مكافحة الإرهاب.

تحجيم الدور التركي يعدّ ثاني توقّعات سياسة بايدن في سوريا، خاصة أنّ هدف تركيا يقوم على دحر الأكراد، حلفاء واشنطن، الذين يحظون بعلاقات جيدة مع الديمقراطيين وبايدن.

ويقول جينس هيترين: "فيما يتعلق بتركيا؛ أتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً أكثر حزماً، لكن مع العمل على إعادة الاستقرار والتفاهم مع أنقرة، بمراعاة مخاوفها الأمنية من وجود حزب العمال الكردستاني في سوريا؛ لذلك ستعمل واشنطن مع الأكراد على ضمان عدم تغلغل حزب العمال داخل مؤسساتهم، وستدفع نحو زيادة الحضور السياسي للمجلس الوطني الكردي، القريب من أنقرة".

وحول التصعيد التركي في عين عيسى، يقول هيترين: "التهديد في عين عيسى ناتج عن خلاف بين أنقرة وموسكو، حيث لا وجود لأمريكا في المنطقة، ويعكس موقف تركيا الراسخ من وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، وهو موقف ثابت، سواء عارضت موسكو أو واشنطن ذلك".

قوات تركية في سوريا

وفي مقاله المنشور في "بلومبرج"، يقول الكاتب حسين أبيش: "يجب على بايدن أن يبلغ تركيا بحزم؛ بأنّ واشنطن تدرك حاجتها إلى حماية أمنها، لكنّ ذلك لا يعني أن تحتل أراضٍ سورية، وتهاجم حلفاء واشنطن، وبأنّ الاستمرار في نهج زعزعة الاستقرار في سوريا وشرق المتوسط وليبيا يهدّد وجودها في الناتو، ومكانتها كحليف للولايات المتحدة".

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذر من توقف المساعدات شمال سوريا.. ما علاقة النظام السوري؟

ويؤكّد أبيش أنّ إعادة تسليح ودعم قوات سوريا الديمقراطية أمر أساسي لسياسة أمريكية فاعلة في سوريا، وردع الانتهاكات التركية بحق الحلفاء.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 2018؛ أمر الرئيس الأمريكي، المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بسحب القوات الأمريكية من سوريا، بعد إعلانه هزيمة تنظيم داعش، وهو القرار الذي عارضه البنتاغون ومؤسسات أمريكية أخرى، وتحت الضغط المؤسّسي قرر ترامب الإبقاء على عدّة مئات من العسكريين، لحماية آبار النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية