محللون: قمة عمّان محور سياسي اقتصادي لمواجهة الأطماع التركية والإيرانية

محللون: قمة عمّان محور سياسي اقتصادي لمواجهة الأطماع التركية والإيرانية


27/08/2020

حظي ملف التعاون الاقتصادي بنصيب كبير من مناقشات القمة الثلاثية في عمان بين العاهل الأردني، الملك عبد الله، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء العراق، مصطفى الكاظمي.

القمة ناقشت ملفات اقتصادية وسياسية وأمنية؛ لما يمثّل ذلك من ضرورة حيوية للدول الثلاث، وأكّد البيان الختامي على تفعيل التعاون في ملفات؛ الطاقة، التجارة البينية، البنية التحتية، الصحة، التعليم، والاستثمار.

تطرقت القمة إلى مسألة السيادة العراقية، في إشارة إلى التدخلات الإيرانية، والانتهاكات التركية المستمرة للسيادة العراقية في الشمال، وكانت مصر والأردن قد دانتا، أكثر من مرة، التدخلات التركية

القمة شهدت اختلافاً جذرياً عن القمتين السابقتين؛ تمثّل في تغيّر رئيس الوزراء العراقي من عادل عبد المهدي، الموالي لإيران، إلى مصطفى الكاظمي، الذي ينتهج سياسة خارجية مستقلة، ولديه توجه عربي، وتحديات اقتصادية يسعى إلى علاجها بالاستفادة من التعاون مع مصر والأردن.

وهناك دلائل تشير إلى جدية الدول الثلاث في تفعيل التعاون الاقتصادي والسياسي العربي، وأولها؛ الإصرار على عقد القمة، رغم إصابة أعضاء في الوفد العراقي بفيروس كورونا، بعد اتخاذ إجراءات صحية مشددة، والاتفاق على تشكيل سكرتارية تنفيذية للتنسيق الثلاثي، لمتابعة تنفيذ مخرجات القمة.

الاقتصاد: أبرز الملفات

ثمة مؤشرات قوية على إمكانية نجاح التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، لعدّة أسباب، هي: أنّ الدول الثلاث تملك إمكانيات وفرص مجتمعة بإمكانها تحقيق تنمية حقيقية، ووجود احتياجات لكلّ طرف يمكن تلبيتها من طرف آخر، وقناعة الدول الثلاث بنجاعة التعاون.

القمة الأولى في القاهرة

ويوضح الخبير المصري في الاقتصاد والطاقة، جمال القليوبي، المنافع المتبادلة للدول الثلاث من التعاون، بقوله: "تملك مصر الخبرات اللازمة في قطاعات النفط والطاقة والكهرباء والبنية التحتية، وهي الخبرة التي يحتاجها العراق بشكل ضروري لإصلاح تردي البنية التحتية والخدمات الحكومية، وتطوير الإنتاج النفطي، وإصلاح شبكات الكهرباء".

ويضيف القليوبي، لـ "حفريات": "وبالنسبة إلى مصر؛ تحتاج إلى النفط العراقي، وتستورد منه 12.5 مليون برميل سنوياً، فضلاً عن تصدير الغاز والكهرباء إلى العراق، عبر خطوط نقل الغاز والنفط، والربط الكهربائي عبر الأردن، وهو ما يجعل الأردن ممراً لتبادل الطاقة، ويحقق لها؛ الحصول على احتياجاتها من الطاقة، بتكلفة أقل، إلى جانب ما تجنيه من رسوم".

اقرأ أيضاً: زيارة الكاظمي إلى السعودية تُحدد قريباً... ما علاقة واشنطن؟

وكان العراق والأردن قد وقّعا اتفاقية إطارية لإنشاء خط نقل النفط والغاز من البصرة إلى العقبة، عام 2013، إلا أنّ المشروع لم يرَ النور بعد، رغم ما يتيحه للطرفين من مصالح متبادلة، وربما يجد المشروع دفعة لإحيائه، بعد وجود حديث عن مدّ الخط من العقبة إلى مصر، لنقل النفط إليها، لمصافي التكرير المصرية، وكانت مصر والعراق قد وقّعتا اتفاقية لاستيراد النفط وتكريره عام 2017.

ويقول الصحفي العراقي، سيف الهيتي: "تجربة مصر تعدّ نموذجية في مجال الطاقة، نتمنى أن يستفيد العراق منها، خصوصاً في النفط والكهرباء".

ويردف لـ "حفريات": "نفط العراق ستسانده خبرة مصر وإمكاناتها البشرية، والموقع الإستراتيجي للأردن، وهذا ما يدعو للفرح والأمل بإصلاح قطاع حيوي في العراق، يعاني من مشكلات حقيقية منذ ١٧ عاماً، ناهيك عن المنفعة المشتركة للدول الثلاث".

اقرأ أيضاً: قمة ترامب – الكاظمي .. ماذا تحمل للعراق؟

وبحثت القمة التعاون في مواجهة جائحة كورونا، وإنشاء منطقة اقتصادية مشتركة، تسهل التبادل التجاري، والاستثمار، وأكدت على عقد لقاءات دورية لرجال الأعمال، برعاية الوزارات المعنية.

وذكر الخبير المصري في الاقتصاد والطاقة، جمال القليوبي؛ أنّ التعاون بين الدول سيشمل التبادل التجاري لمواد البناء، وخبرات البنية التحتية، وهو ما تتيحه مصر للعراق والأردن، خصوصاً بعد الطفرة الكبيرة في مشروعات البنية التحتية في مصر.

فضلاً عن ذلك؛ يحتاج العراق إلى الخبرة المصرية في ملفات الريّ، وتبطين الترع، ومعالجة مياه الشرب، وفق ما ذكره القليوبي.

الملك عبد الله الثاني أثناء استقبال مصطفى الكاظمي

وأشار بيان القمة إلى اختيار الأردن ليكون مقراً لسكرتارية الآلية الثلاثية للتعاون، على أن يتبدل المقر بالتناوب بين الدول الثلاث، وتكليف وزراء الخارجية بوضع المهام التنفيذية لها، والتي تتمثّل في التحضير لاجتماعات القمم الثلاثية والوزارية ومتابعة مخرجاتها، ورفع التقارير اللازمة لاجتماعات القادة.

ووجه القادة الثلاثة إلى عقد ملتقى أعمال، على هامش الاجتماع الأول القادم لوزراء تجارة وصناعة الدول الثلاث.

رسائل إلى إيران وتركيا

وتطرقت القمة إلى بحث مسألة السيادة العراقية، في إشارة إلى التدخلات الإيرانية، والانتهاكات التركية المستمرة للسيادة العراقية في الشمال، وكانت مصر والأردن قد دانتا، أكثر من مرة، التدخلات التركية، وأعلنتا مساندتهما للعراق.

وأشار بيان القمة إلى أنّ "القادة جدّدوا تأكيدهم على الوقوف إلى جانب جمهورية العراق في حماية سيادته وأمنه واستقراره، وجهوده لتكريس الأمن والاستقرار، وتحقيق طموحات شعبه، وتعزيز النصر الكبير الذي حققه العراق الشقيق بتضحيات كبيرة على الإرهاب الذي يشكّل عدواً مشتركاً".

وحول ذلك، يقول الصحفي العراقي، صالح الحمداني: "كلّ لقاء لرئيس الوزراء مع دولة بالمنطقة يعني انفتاحاً، من نوع نتأمل بأنّه سيخدم العراق بالدرجة الأساس، ويخدم هذه الدول".

ويردف الحمداني، لـ "حفريات"، عمّا تحمله القمة من رسالة لتركيا : "تركيا تتحسّس من أيّ تحرّك في المنطقة، خاصة أنّه يجري بفعل ثلاث دول مهمة، ومن ضمنها مصر، التي تقف ضدّ التدخلات التركية في ليبيا، وتمثّل منافساً في قيادة المنطقة، إضافة إلى الأردن وعلاقاته المتميزة".

اقرأ أيضاً: المهمة الصعبة في العراق.. هل نجح الكاظمي بعد 100 يوم من التكليف؟

أمّا عن الرسائل التي حملتها القمة لإيران، فيقول الصحفي العراقي، عمر الجنابي: "فحوى هذه القمة هي ربط العراق بمحيطه العربي وإبعاده تدريجياً عن المحور الإيراني، خصوصاً في ظلّ سياسة الكاظمي المستقلة، بعكس سلفه، عادل المهدي، المحسوب على إيران، والذي لم نشهد في عهده تفاعلاً مع مخرجات القمتين السابقتين بين الدول الثلاث".

ويضيف الجنابي، لـ "حفريات": "هناك اعتراضات على القمة من محور إيران، بشكل غير معلن، واتّهامات بعلاقتها بصفقة القرن، على الرغم من سياسة الكاظمي التي تتجنب استفزاز محور إيران في العراق".

إستراتيجية عربية جديدة

وناقشت القمة القضايا العربية الراهنة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وليبيا وسوريا واليمن، وأزمة سدّ النهضة، وعبّرت القمة عن دعمها للأمن المائي المصري، وضرورة التوصل لاتفاق عادل يحفظ حقوق مصر والسودان.

وفيما يتعلّق بفلسطين؛ أكدت القمة على التمسك بالمبادرة العربية للسلام، ورفض خطط الضمّ الإسرائيلية، وثمنت الوصاية الأردنية على المقدسات في فلسطين المحتلة.

ويرى الصحفي العراقي، سيف الهيتي؛ أنّ القمة تشكل محوراً خاصاً يختلف عن بقية المحاور التي تتجاذب المنطقة، والتي أدخلتها في دائرة الصراعات، وأنّها ربما تكون نافذة لاستنشاق هواء مختلف عما سبقه.

الخبير المصري في الاقتصاد والطاقة جمال القليوبي لـ"حفريات": التعاون بين الدول سيشمل التبادل التجاري لمواد البناء، وخبرات البنية التحتية، وهو ما تتيحه مصر للعراق والأردن

ويردف الهيتي، لـ "حفريات": "إذا نجحت "قمة عمّان الثلاثية" بالمضي في مشروعها، فإنّ شكل المنطقة سيتغير، وسيصبح أكثر توازناً واستقراراً، وتعود القوة والتأثير لدول المركز العربية التاريخية، ونحن لا نعوّل على حلول جذرية سريعة، لكنّها خطوة في الاتجاه الصحيح".

وكتب الدكتور محمد ناجي عمايرة في صحيفة "الرأي" الأردنية: هذه القمة الثلاثية تذكرنا بقمة عمان التاريخية التي أطلق عليها مسمى "قمة الوفاق والاتفاق العربي" والتي كانت أساسية في لمّ الشمل وتوحيد صفوف الأمة في ثمانينات القرن الماضي، كما تذكرنا بسلسلة قمم "مجلس التعاون العربي" بين الأردن ومصر والعراق وفلسطين واليمن في تسعينات القرن الماضي أيضاً والتي وحدت جهود الأقطار الخمسة في مواجهة ظروف تلك المرحلة وتحدياتها.

يذكر أنّ الدول الثلاث عقدت قمتها الأولى في القاهرة، في 24 آذار (مارس) 2019، بمشاركة الرئيس المصري، السيسي، والملك عبد الله، عاهل الأردن، ورئيس وزراء العراق السابق، عادل عبد المهدي.

وتبعتها قمة ثانية، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 21 أيلول (سبتمبر) العام الماضي، بمشاركة الرئيس العراقي، برهم صالح، بدلاً من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية