مصير "الحشد الشعبي"

مصير "الحشد الشعبي"


05/08/2019

عبد الوهاب بدرخان

المهم في المرحلة الانتقالية التي يمرّ بها «الحشد الشعبي» العراقي أن تغيير وضعه السابق، كجيش مواز للقوات المسلحة الحكومية، يتقدّم أكثر فأكثر في العقلية السياسية والعقائدية للعديد من قادته. عندما أصدر رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، مطلع يوليو الماضي، قراراً بإلحاق «الحشد» بالجيش العراقي، ما عنى عمليّاً «حلّ» الميليشيات. لكن النقاش الذي أعقب هذا القرار ساده تشكيك بإمكان تنفيذه، بل تنفيذه في موعده بنهاية ذلك الشهر، ليس فقط لأن المهلة قصيرة وإنما لأن الوسط السياسي لم يشهد أي تمهيد حكومي (أو إيراني) ملموس بأن هذه الخطوة ناضجة وجاهزة، رغم أن الرأي العام يترقّبها منذ أواخر 2017 عندما أُعلن رسمياً القضاء على سيطرة تنظيم «داعش». ما زاد الشكوك أن القرار جاء عشية حملة باشرها الجيش لملاحقة فلول التنظيم التي تجمّعت في عدد من المواقع، وأعلن «الحشد» أنه مشارك في هذه الحملة كما شارك سابقاً في الحرب على الإرهاب. ثم بدا أن الأمرين لا يتناقضان، بل على العكس يتكاملان طالما أن الجيش هو الذي يقود الحملة.
هناك مفهومان متنافسان في هذه القضية. الأول عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الإيرانية إذ قال إن قرار عبد المهدي لا يعني «الدمج الكلّي» لـ «الحشد» بل «إعادة تنظيمه»، ما قد يكون عنوان تفاهم عراقي- إيراني على مصير الميليشيات، كما يعكس ما سبق للمرشد علي خامنئي أن كرّره في مناسبات عدّة عن وجوب «عدم التقليل من شأن الحشد». لذلك ذهبت التوقعات إلى أنه لن يحصل دمج فعلي للميليشيات بل سيُصار إلى تأطيرها في وحدات خاصة تتبع القائد العام للقوات المسلحة، أي رئيس الحكومة.
أما المفهوم الآخر فيفيد بأن الهدف هو ضبط هذه الميليشيات وإنهاء حال تفلّتها بتجاوز القوانين وإساءة استخدام السلاح وجمع المال بطرق غير شرعية فضلاً عن استقوائها بحاضنتها المذهبية لممارسة الاضطهاد ضد أبناء مذاهب أخرى. ويُلفت أصحاب هذا الرأي إلى أن قرار رئيس الحكومة استند إلى القانون الذي اعتبر «الحشد» جزءاً لا يتجزّأ من القوات المسلحة، وبالتالي فإن مجرّد تنفيذه يلغي الميليشيات ومسمّياتها ومقارها ومكاتبها العسكرية و«الاقتصادية» لتلتزم معسكرات محدّدة إسوة بفرق الجيش، أما الفصائل التي لا تلتحق وتواصل العمل خارج الترتيب المعلن فستُعتبر مخالفة للقانون.
معلوم أن الجيش العراقي أعيدت هيكلته بإشراف أميركي، بدءاً من منتصف 2014، تعزيزاً لمهنيته واستعداداً للحرب على «داعش»، كما أُخضعت أجهزة الأمن لعمليات تطوير متواصلة. واقعياً، تعتمد الحكومة على هذا الجيش، الذي يقول الأميركيون إنهم أعدّوه ليقوّي شأن الدولة وتمكينها من بسط سيطرتها. ولم يكن سرّاً أن الأميركيين دأبوا على وضع ملف ميليشيات «الحشد» على جدول أعمال كل اجتماعاتهم مع الجانب العراقي، معتبرين أن «الحشد» حالٌ شاذة نقيضة للدولة. وسبق لوزير الخارجية مايك بومبيو أن قدّم أوائل هذه السنة لائحة بتسعة وستّين فصيلاً ميليشيوياً يتبع معظمها لإيران، وتطلب واشنطن حلّها. كان ذلك مطلباً عراقياً قبل أن يكون أميركياً، وقد تبنّاه رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي مدعوماً بالمرجع الشيعي علي السيستاني الذي تأسس «الحشد» بفتوى أصدرها لمقاتلة «داعش» لكن تنفيذها شهد انحرافات عدّة جعلته ينتقد الفصائل مراراً ويدين ممارساتها الخارجة عن الأهداف الدفاعية لإنشائها. وهو لا يزال ينتقد التقصير في «حصر السلاح الدولة».
قد يكون تأطير فصائل «الحشد» في كيان عسكري خاص صيغة وسطى بعدما رفضت إيران «دمجها» كلياً في القوات المسلّحة، لأن ذلك يعني تعريضها لعملية غسيل دماغ أيديولوجي. لكن يُعتقد أن هذه الصيغة مرشحة للتطوّر من داخلها وبفعل آليات العمل والانضباط التي يُفترض أن تخضع لها. وليس واضحاً إلى أي حد يمكن الرهان على إيجابية زعماء كمقتدى الصدر وهادي العامري، وحتى قيس الخزعلي، إزاء قرار عبد المهدي. الأكثر غموضاً هو موقفهم من الجيش الحكومي وما إذا كانوا يعتبرونه «أميركياً» ويريدون بقاء «الحشد» ندّاً «إيرانياً» له. لكن الأهم مدى التزام زعماء الميليشيات بالهدف الذي يتطلّع إليه العراقيون، أي استعادة الدولة العراقية.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية