مهرجان بابل يتحدى التطرف الديني وينتصر للفن الجميل

مهرجان بابل يتحدى التطرف الديني وينتصر للفن الجميل


28/10/2021

منذ أسبوع، والشاب علي خليل يروّجُ للفعاليات الغنائية التي يقيمها مهرجان بابل الدولي، بدورتهِ الأولى، بعد انقطاعٍ دامَ قرابة العقدين من الزمن. خليل، ابن الـ 37 عاماً، يبدي حماسةً كبيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لدعوةِ أقرانهِ الشباب لحضور الفعاليات التي ستشهدُ حضور شخصياتٍ غنائية، محلية وعربية، وهي خطوة تعد الأولى من نوعها منذ سيطرة قوى الإسلام السياسي على مقاليد الحكم في العراق.

ويعتقد خليل أنّهُ "كلّما انحسر دور الإسلام السياسي، زادت نوعية المهرجانات الفنية الراقية". 

ويضرب الجمهور العراقي موعداً، مع المهرجان الدولي، الذي ينطلق اليوم الخميس، على خشبة المسرح البابلي، الذي يعود لحقبة الإسكندر المقدوني، بعد أن جرى تأجيل المهرجان من شهر آذار (مارس) 2021 بسبب ظروف جائحة كورونا.

إليسا في حفلها الأخير في العاصمة بغداد

ويعدّ مهرجان بابل الدولي أشهر مهرجان سنوي يقيمهُ العراق على المدرجات الأثرية لمدينة بابل (100 كم جنوب بغداد)، والذي انطلقت أولى فعالياتهُ عام 1987، ويتم خلاله استضافة العديد من الفرق العراقية والأجنبية التي تقوم بعروض فنية وموسيقية متنوعة ضمن فترة المهرجان الذي توقفَ بعد الغزو الأمريكي، عام 2003، وشيوع مناخ التطرف الديني في البلاد.

 "من بابل الحضارة .. نصنع الحياة"

وبدأت التظاهرات الثقافية المدنية تستعيد حيويتها مجدداً، منذ تولي الشخصية الليبرالية، مصطفى الكاظمي، رئاسة الحكومة في العراق. وعلى الرغم من دعمِ حكومتهِ من قبل قوى إسلامية نافذة، لكنّ الحكومة أخذت تُفعّل مرافق الدوائر الثقافية المعطلة في البلاد، وذلك بغية التقرّب من المزاج الشعبي المتذمر من سلطة الإسلاميين التي عاشَ في ظلها الفنانون العراقيون، حالةً من الإهمالِ والقحط في الإنتاج.

طالت انتقادات إدارة المهرجان، لاقتصارها على ثلاثة فنانين عرب فقط، فيما عدّ البعض أنّها "خطوة لا بأس بها"، مطالبين بتجاوزها في الدورات المقبلة عبر دعوة فنانين كبار

الاختباء خلف حكومة الكاظمي دفعَ الأخير إلى استثمار سلطتهِ لتنظيم فعاليات مهرجان بابل الدولي، الذي ينتظر الشارع المحلي انطلاقهُ اليوم، ويستمر لخمسة أيام.

وستشهد فعاليات المهرجان، الذي يحملُ شعار (من بابل نصنعُ الحياة)، مشاركة الفنانين العرب والعراقيين وفرق فنية شعبية عربية وأجنبية، إضافة إلى فعاليات في عرض الأزياء البابلية والعراقية والعزف والرسم الحر وفعاليات في الطيران الشراعي والمناطيد والدبكات العربية والكردية، بحسبِ بيان لمحافظ المدينة، رئيس المهرجان، حسن منديل.

وأعلن منديل أنّ المهرجان "سيتضمن افتتاح معارض للفنّ التشكيلي والفوتوغرافي، وتقديم العديد من الفعاليات الأدبية والفنية لتكون ملتقى الفنون والآداب العالمية على أرض بابل".

استذكارات لماضٍ تسعيني

لم تغبْ عن ذاكرة العراقيين إطلالة مطربيهم في أشهر دورة سنوية لمهرجان بابل، وهي دورة عام 1997، وهي الدورة التي تصدّرها الحضور الكبير لـ "أمير الشجن العراقي"، المطرب الراحل رياض أحمد، لا سيما في أغنيتهِ المشهورة "مرة ومرة" التي ما يزال الناس يسمعها عبر أداء المطرب آنذاك على المسرح البابلي، تاركين النسخة المسجلة في الأستوديو.

المدرج البابلي الأثري الذي يعود لاسكندر المقدوني

وما أن تضمنت لائحة المطربين المدعوين اسم الفنانة رحمة رياض، ابنة المطرب الراحل، حتى استذكر الكثير ذلك الموسم التسعيني اللافت.

ويرى الناشط خليل؛ أنّ "مهرجان بابل، بنسختهِ الجديدة، يفتقد الفنان الراحل رياض أحمد، ومن أسباب إعجابي برحمة لأنّها ابنة رياض أحمد"، مضيفاً لـ "حفريات"؛ أنّ رحمة "ستنعش الذاكرة ثانيةً بشأن حضور والدها على المسرح، ولا ننكر إمكانياتها الفنية التي جعلتها نجمة كبيرة على الساحة العراقية على أقل تقدير".

اقرأ أيضاً: السعودية تُدشن أول جمعية مهنية للمسرح والفنون الأدائية في المملكة

وتابع: "أنا بانتظار أن تغني بعض الأغاني الشجية من أرشيف والدها الراحل؛ لذا أنا متحمسُ لظهورها على المسرح".   

وتضمّنت لائحة المطربين المدعوين كلّاً من: الفنان هاني شاكر، والفنانة نوال الزغبي، والفنانة شمس الكويتية، على المستوى العربي، والفنان حميد منصور، والفنان حاتم العراقي، والفنان صلاح حسن، والفنانة رحمة رياض، على المستوى المحلي.

مطالبة بتوسعة المشاركة العربية مستقبلاً

وطالت انتقادات إدارة المهرجان، لاقتصارها على ثلاثة فنانين عرب فقط، فيما عدّ البعض أنّها "خطوة لا بأس بها"، مطالبين بتجاوزها في الدورات المقبلة عبر دعوة فنانين كبار، لاسيما من مبدعي الفنّ الخليجي، نتيجة التقارب الموسيقي والذائقة الفنية المشتركة بين العراق وبلدان الخليج المجاورة.

وقال الناقد الفني فلاح الخياط لـ "حفريات": "هناك نقد لخيارات إدارة مهرجان بابل الدولي للفنانين العرب، كونها ليست على المستوى المطلوب"، واستدرك قائلاً: "لكن لا بأس بها، باعتبار المهرجان الغنائي يأتي بدورتهِ الأولى منذ عام 2003".

وأشار إلى أنّ "اختيار الفنان هاني شاكر كان موفقاً جداً، فهو يعدُّ أمير الغناء العربي، كما يُطلق عليه، وأيضاً الفنان حاتم العراقي وحميد منصور ونوال الزغبي وصلاح حسن، وشمس الكويتية، كلّها أسماء جيدة"، وأضاف: "بصراحة لو كان الخيار لي لدعوتُ فنانين عرباً كباراً، أمثال: أصالة، وعبدالله الرويشد، وراشد الماجد، ومبدعي الغناء الخليجي؛ لأنّ المشاركة الخليجية في هذا المهرجان ضعيفة، ومختصرة على الفنانة شمس"، معرباً عن أملهِ في "أن تكون هذه الأسماء حاضرة في الدورات القادمة".

إليسـا لجمهورها البغدادي: انبسطوا قدر الإمكان

وغالباً، ما يختصر حضور المطربين العرب على الحفلات الغنائية في إقليم كردستان العراق؛ حيث الوضع الأمني المستتب وأجواء الحريات العامة المتاحة من قبل حكومة الإقليم، إلا أنّ هذه المرة كانت العاصمة بغداد محطّ جذب لمطربين يعدون من الصف الأول في الساحة الفنية العربية.

الفنان الراحل رياض أحمد.

وأحيّتْ المطربة اللبنانية إليسا، الجمعة الماضية، حفلاً غنائياً في مسرح "سندباد لاند" بالعاصمة العراقية، وسط حضور جماهيري لافت، وحرصت إليسا، في بداية حفلها الأول في بغداد، وبعد صعودها خشبة المسرح على إلقاء كلمة للعراقيين، أكدت فيها أنّه من بين أمنيات حياتها أن تغني في بغداد وتحققت اليوم.

الناقد فلاح الخياط لـ"حفريات": المشاركة الخليجية في مهرجان بابل ضعيفة، ومختصرة على الفنانة شمس، ونأمل أن تكون هذه الأسماء حاضرة في الدورات القادمة

وتابعت: "شعب العراق يمتلك طاقة عالية، وأتمنى أن تعود الحياة للعراق، وأن يكون حفلها سهرة جميلة، وبداية لسهرات كبيرة خلال الفترة القادمة، وانبسطوا قدر الإمكان".

اقرأ أيضاً: أكثر من 15 مليون كتاب بمختلف اللغات.. هذه أبرز فعاليات معرض الشارقة

وتصدّرت إليسا الترند المحلي، بعد انتهاء الحفل، إثر أقاويل عن ارتدائها لسترة واقية ضدّ الرصاص، في ظلّ الحراسة المشددة عليها، لكنّ الفنانة اللبنانية ردّت على تلك الأقاويل، في تغريدة لها بتويتر: "زيارتي إلى بغداد كانت زيارة بين أهلي وناسي وأشخاص بحبن وبيحبوني. ما كنت بحاجة لا لدرع واقٍ ولا لغيرو وكل هالكلام سخيف وما له أي مصداقية".

تظاهرة ثقافية في البصرة

وعلى صعيدٍ آخر، وفي سياق الحراك الثقافي العراقي، احتضنت مدينة البصرة أقصى الجنوب العراقي، معرضاً دولياً للكتاب، وهو الأول من نوعهِ، وحمل اسم الشاعر الكبير بدر شاكر السياب.

المطربة العراقية رحمة رياض

 المعرض الذي شاركت فيهِ عدة دورٍ عربية، شهدَ إقبالاً واسعاً من قبل أبناء المدينة، التي يهيمن على إدارتها متشددين دينيين وقبليين.

وبشأن هذه التظاهرة الثقافية، يرى أستاذ الأدب في جامعة البصرة؛ الدكتور عقيل عبد الحسين، أنّ مدينتهُ "تواقة إلى مثل هذه الأنشطة، وأعتقد أنهُ الأول من نوعهِ وأنّهُ متميز تنظيماً، من حيث عدد دور نشر، وتنوّع كتب"، مبيناً أنّ المعرض "قد سبقهُ ورافقهُ دفع إعلامي وإعلاني ظاهر ومدروس، أسهمَ في زيادة حفاوة المدينة وابتهاجها به".

اقرأ أيضاً: فرانسيس غويا: متاهات البحث عن الحقيقة

 وتعدّ مدينة البصرة حاضرةً  ثقافية عريقة، لكنّها لم تحظَ بأيّ دعمٍ حكومي لفعالياتها الثقافية، ويرجع سبب الإهمال هذا، إلى "تعثر الأوضاع السياسية"، بحسب عبد الحسين، الذي تحدث لـ "حفريات" قائلاً: "المدينة لم تعرف الاستقرار منذ ما بعد سقوط النظام السابق، وكانت ساحة للتصفيات والصراعات والتظاهرات، ولعلّها الآن تشهد الهدوء نسبياً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية