ميليشيات "ربع اللـه" قناع الفصائل المسلحة في العراق

ميليشيات "ربع اللـه" قناع الفصائل المسلحة في العراق


05/12/2020

غفران يونس

انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لهجوم ميليشيات تدعى "ربع الله" على مراكز للمساج في منطقة الكرادة العراقية، كما اتُهمت أيضاً بتفجير محال خمور، ما أعاد إلى الأذهان سلوك "داعش" في ترهيب المجتمع.

بيانات متعددة تصدرها "ربع الله" تتناول فيها قضايا سياسية وأخرى اجتماعية، مثلما فعلت في بيان أصدرته في الـ 26 من نوفمبر، إذ يتماس مع هجوم مركز المساج، جاء نصه، "بعد أن تمادى أصحاب الملاهي والخمور في غيهم وبغيهم، واستغلوا شباب المجتمع في تحقيق أهدافهم الخبيثة التي رسمتها لهم أميركا وإسرائيل، كان لزاماً على الشباب المؤمن والعقائدي أن يواجه الخبث والخبائث بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يدافع عن كل مصالح أبناء المجتمع العراقي من خلال قطع أيادي الفساد كافة".

وفي اليوم ذاته أيضاً وبعد وقوع الهجوم، نفت "ربع الله" صلتها بحادثة مركز المساج في الكرادة، قائلةً إن "وجود هذه المراكز مفسدة لا تقبل النقاش. لكن، يجب أن تكون إزالتها بالطرق القانونية. نرفض أن يزجّ اسم (ربع الله) بأي عملية تخريب أو عنف هنا أو هناك، التي تكررت أخيراً، وأسهمت في تشويه هذا الاسم المبارك".

بيانات متناقضة ظهرت في اليوم ذاته، بين من يروّج ويعلن مسؤوليته عن الهجوم، وآخر يؤكد عدم صلته، ما يشير إلى ظاهرة تناسل وانتشار الميليشيات وتنوع أسمائها، مع غياب سيطرة الدولة العراقية.

كيف نفهم ظاهرة الميليشيات؟

يقول الصحافي معن الجيزاني إن ميليشيات "ربع الله" عنوان دعائي يشبه كثيراً مجموعة ما تسمّى بـ"القمصان السود"، التي أنشأها حزب الله اللبناني بعد 2008، واستعملها لإرباك الوضع الداخلي في البلاد وتهديد خصومه السياسيين كلما حلّ استحقاق سياسي، مثل تسمية رئيس وزراء أو تشكيل حكومة وما شابه، مضيفاً، "خرجت (ربع الله) إلى العلن في يونيو (حزيران) الماضي، وارتبط أول ظهور لها بحرق مقرّ قناة إم بي سي عراق"، رداً على بث فيلم وثائقي يتهم أبو مهدي المهندس بتفجير السفارة العراقية في بيروت".

ويتابع، "تزامن ولادة هذه المجموعة العنفية غير المسلحة مع تشكيل حكومة الكاظمي يُعطي انطباعاً بأن الميليشيات المسلحة التي تدير هذه الجماعة، أرادت منها تخفيف الضغوط الخارجية عن رئيس الوزراء، بتقليل النشاط الميليشياوي المباشر".

سلاح ناعم

ويوضح أن "دفع هذه المجموعة إلى الواجهة كقوة غير مسلحة لا يمكن إدراجها ضمن القوى الميليشياوية الأخرى، لكنها في الحقيقة القوة الميدانية الضاربة لها وسلاحها الناعم الذي تستعمله لخلط الأوراق السياسية وتعقيد المشهد الأمني داخل البلاد كلما أرادت إيران أو وكلاؤها إفشال أي تحرك أو مشروع أو مبادرة تؤثر في مصالحها بالعراق".

ويشير الجيزاني إلى أن "ربع الله" مجرد لافتة تضاف إلى لافتات مشابهة أخرى، مثل "الزلم الخشنة" و"ولد الشايب" وغيرها، عناصرها من ميليشيات العصائب وكتائب حزب الله والنجباء، ويحرّك كل فصيل منها مجموعة لتنفيذ أجنداته الخاصة المرتبطة حكماً بالأوامر الإيرانية المباشرة.

وعن مدى استمراريتها، يقول "ربما تذوب تسمية هذه الميليشيات وتتلاشى في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، وتظهر أسماء جديدة تُغطي على النشاطات ذاتها. هذه استراتيجية انتهجتها الفصائل منذ مقتل سليماني والمهندس العام الماضي، والهدف منها إبقاء سيطرة الميليشيات على القرار السياسي والتحكم في الوضع الأمني من دون تحمّل مسؤولية مباشرة، قد تضعهم في مواجهة إجبارية مع الحكومة العراقية، كما حدث مع خلية البوعيثة التابعة لكتائب حزب الله، أو لتجنّب التعرض لتهديدات أو عقوبات أميركية".

أوامر إيرانية

ويقول الباحث في الشأن العراقي يحيى الكبيسي إن من يستقصي نشأة الميليشيات القائمة في البلاد اليوم سيجدها إما موجودة قبل 2003 ضمن قوى المعارضة، وإما نشأت نتيجة انشقاقات عن جيش المهدي، وإما تشكّلت بدعم من فعاليات سياسية أو مجتمعية أو دينية، مضيفاً أن "ربع الله ذراع لفصائل قائمة وتحظى بالحصانة، ويراد استخدامها لتنفيذ الأعمال القذرة التي لا ترغب الميليشيات الأم في أن تتورط بها بشكل مباشر وعلني".

ويرجع الكبيسي ظاهرة تمدد الميليشيات إلى طبيعة التداخل بين قوى الدولة واللادولة، وبسبب قرار الفاعلين السياسيين الشيعة لا بد من الإبقاء على قوى عقائدية تكون بمثابة دولة موازية تحمي احتكارهم للسلطة والدولة معاً، موضحاً "أفعال هذه الميليشيات ليست قراراً ذاتياً، بل نتيجة تفاعل أوامر إيرانية مباشرة مع قرار الفاعلين السياسيين الشيعة المحليين".

قناع الميليشيات المسلحة

ويتابع، "طوال سنوات ما بعد 2003، كان الفاعل السياسي الشيعي يستخدم الميليشيات في أعمال قذرة لا يريد القيام بها عبر القوى الرسمية، ومن ثم لا يمكن أن تشكّل أفعال هذه المجموعات إحراجاً لأحد. ربع الله وغيرها من المجموعات التي برزت أخيراً مجرد قناع للميليشيات القائمة والفاعلة في المشهد العراقي اليوم، إذ تعمل على تنفيذ المهمات التي لا تريد الفصائل المعروفة تبنّيها بشكل مباشر، لأسباب دولية خوفاً من الانتقام الأميركي، وإقليمياً باستخدامها أوراقاً للتفاوض والضغط".

ويرى الكاتب الصحافي علي رياض أن "ربع الله" ميليشيات من "طراز خاص"، فهي "إعلامية غير مسلحة"، موضحاً، "لديها مهمات ثلاث، الأولى إدارة تريند محور المقاومة العراقية على وسائل التواصل الاجتماعي، بتوجيه مدوّنين مجنّدين يتسلمون التعميمات في مجاميع على قنوات تلغرام، والثانية تنظيم التظاهرات الداعمة للميليشيات، أو ما يسمّونها فصائل المقاومة، وعادة ما تعتري تظاهرات ربع الله عمليات اعتداء وتخريب، لكن لا تصل إلى القتل. أما المهمة الثالثة والأخطر، فهي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التحريض ضد الناشطين وبث الإشاعات، ما يهيّئ جمهور الفصائل لعمليات اغتيال تتبع التحريضات، لاستخدام التهم كحجّة للقتل والتصفية والخطف".

ويشرح رياض آلية التهديد التي تعتمدها تلك الجماعات، قائلاً "يأتي التهديد على مرحلتين، الأولى من خلال إعداد لائحة اتهامات بالعمالة لأيديولوجيات أو دول أجنبية، والثاني بالتحريض على تصفية الناشط المتهم لتخليص المذهب من عمالته، بحسب ادعائهم".

ويقول الناشط وسام ميمر إن "ربع الله" اسم وهمي يستعمله أصحاب وجماعات الأحزاب والتيارات في العراق، موضحاً، "بعد أن أصبح الناشطون مصدر قلق لهذه الأحزاب، وباتوا يهددون سلطتها، بدأت الأخيرة تكوين مجموعات من ضمن مجموعاتها بأسماء ربع الله أو أهل الكهف، تنفّذ ما تمليه عليها بكل دقّة، وفي الوقت ذاته لا تسبب هذه الأفعال إحراجاً للأحزاب التي انبثقت منها".

عن "اندبندنت عربية"

الصفحة الرئيسية