هكذا شكلت 3 نساء شخصية هارون الرشيد

هكذا شكلت 3 نساء شخصية هارون الرشيد

هكذا شكلت 3 نساء شخصية هارون الرشيد


13/03/2024

لهارون الرشيد الخليفة العباسي الخامس، شهرة لا تضاهي غيره من الخلفاء، الذين ربما كانوا أعظم منه، لكنّه كان أوفر حظاً منهم، بحسب وصف الباحث أحمد أمين.
لكن وراء تلك الشخصية ثلاث نساء كان لهنّ الدور الأساسي في تشكيل هذه الشخصية المتناقضة، بل وصل تأثيرهنّ إلى سُدة الحكم، فكم من قرارات تاريخية اتخذت من فم الرشيد لكنهنّ صاحباتها الفعليات.

الخيزران أم ومستشارة
سميت بأم الخلفاء؛ لأنّ ولديها "موسى الهادي وهارون الرشيد، قد توليا الخلافة بعد وفاة أبيهما "أبو عبد الله المهدي"، كانت الخيزران جارية يمنية، أحبها المهدي فأعتقها ثمّ تزوجها، وأنجبت له الخلفاء، حتى إنّ كلّ من تولوا الخلافة العباسية بعد ذلك كانوا من نسل الرشيد؛ لذلك كانت هي جدة معظم الخلفاء العباسيين، وكانت لها منزلة خاصة عند زوجها، ورغم أنّها جارية، وتزوّج بعدها من ابنة عمّه صالح بن العبّاس، إلّا أنّه عقد البيعة لولديها إرضاء لها، وبحسب رواية كتاب "الإنباء في تاريخ الخلفاء"، للطبريّ؛ فإنّ الخيزران بنت عطاء كان لها من النفوذ في القصر ما لا يضاهيه غيرها من النساء، وكان زوجها يطيعها في كلّ ما تطلب، إلّا أنّ ابنها الهادي كان شديد التذمر من تدخل النساء في أمور الحكم، وكان هذا سبب تفضيل الرشيد عليه؛ لأنّه كان الأكثر طاعة لها، وبحسب ما أخبرنا الطبري، فإنّ المهدي مات فجأة، قبل أن يعقد البيعة للرشيد أولاً كما أمرت أمّه، فتولى الهادي الحكم، وسلبها نفوذها، ليخبرها أن تهتم بصلواتها ولا تتدخل في شؤون الدولة.

كانت الخيزران جارية يمنية، أحبها المهدي فأعتقها ثمّ تزوجها

كانت الخيزران أكثر ميلاً للرشيد؛ لأنّ الهادي كان أكثر غلظة منه، لذلك فإنّ رواية الطبري تخبرنا بأنّ الخيزران اشتدّ غضبها على الهادي حين حاول خلع أخيه ومبايعة ابنه جعفر، الذي لم يكمل عامه الخامس، وبالرغم من ذلك فقد حاول موسى أن يدسّ لها السم إلّا أنّ جارية لها حذرتها، فدسّت له السم، ومات الهادي شاباً، ثمّ تولى الرشيد، فحظيت بنفوذها كاملاً، حتى أنّ يحيى البرمكي الذي عُيّن وزيراً بأمرها، كان يقف على بابها يستشيرها في كلّ صغيرة وكبيرة، وكان هذا ما تتطلع إليه، حتّى إنّ ابنها الرشيد كان يسألها رأيها في أمور الحكم، وعن بيعته لولديه الأمين والمأمون، وبعد عام من تولي الرشيد عام 171هـ، خرجت إلى الحج في موكب مهيب، وأقامت هناك مدّة، ولما عادت بدا عليها الوهن، لكن استمر نفوذها قائماً حتى ماتت، عام 173 هـ، وحضر جنازتها الرشيد حافياً، والدمع يبلل لحيته، كما روى الطبري والمسعودي، وحزن عليها حزناً شديداً، ومشى بموكب دفنها إلى مدافن قريش في بغداد.
العباسة..النديمة والرفيقة
عليّة بنت المهديّ، التي اشتهرت بالعبّاسة، كانت أقرب إخوة الرشيد إليه، وأحبهم إلى قلبه، اتخذ منها الصديقة وشاركها في مجالس الغناء، لما كان منها من حبّ للشعر والغناء، هي وأخوها إبراهيم بن المهديّ،  وكانت كثيراً ما تنشد الشعر وتغنّي، حتى كثر ذكرها في كتاب "الأغاني"، لأبي فرج الأصفهاني، ولذلك كان إسحاق الموصلي وأبوه إبراهيم، يستشيرانها في مغني القصر، وأشعارهم.

لم يجد المؤرخون في حقبة الرشيد، التي استمرت 5 أعوام، سوى حربه مع المأمون، ومظاهر البذخ التي عاش فيها

قبل خلافة الرشيد تزوجت العباسة من ابن عمّها وسرعان ما عادت إلى القصر بعد فشل الزواج، فآنست الخليفة في مجالسه، إلى جانب وزيره ونديمه على الشراب، جعفر بن يحيى البرمكيّ، وبحسب رواية المسعودي والطبري، فإنّ الرشيد تحدث مع جعفر أن يعقد قرآنه على العباسة، حتى يأنس بهما معاً؛ إذ لا يحل لوزير رؤية أميرة من أميرات القصر، فعقد عليهما الرشيد بشرط ألّا يلتقيا أبداً إلّا تحت ناظريه وفي مجالسه، وكان جعفر عاقداً العزم على تنفيذ أوامر الخليفة، إلّا أنّ العباسة وبحسب رواية المسعودي، اتفقت مع أم جعفر أن تنال منه في غرفته وهو سكران لا يدري، وحملت منه.

كانت الخيزران أكثر ميلاً للرشيد؛ لأنّ الهادي كان أكثر غلظة منه

بعد أن استفاق جعفر وأدرك أّنّها العباسة، خشي من غضب الرشيد، ولما وضعت العباسة ولدها، أرسلته إلى مكّة وخبأته من أخوتها، وظل الوضع هكذا حتّى جاءت نكبة البرامكة، التي يرى المسعودي أنّ قصة العباسة كانت أحد أسبابها، بينما يرى الطبريّ أنّ الرشيد خشي على سلطته من تعاظم نفوذ البرامكة، وبعد أن استمر جعفر وزيره الأمين لـ 10 أعوام، أمر الرشيد فجأة بمحاصرة يحيى وولديه الفضل وجعفر، وصادر كافة ممتلكاتهم، ولأنّ زوجة الرشيد "زبيدة"، كانت تكره بني برمك وحكمهم، لأنّهم فرس، وشت بما فعلت العباسة إلى الرشيد حتى تحرضه على جعفر، فخرج الرشيد إلى مكّة قاصداً الطفل، فبعثت العباسة برسالة إلى الخادم والمرضعة أن يرحلوا إلى اليمن فقبض عليهما الرشيد، ولم يقتل الولد، بحسب رواية الطبري، لكنّه قتل جعفراً وأخاه وكلّ نسل البرامكة، عام 187، ولم تتحمّل العباسة فراق جعفر فماتت بعده.
زبيدة الزوجة العربية
كانت زبيدة بنت جعفر حفيدة الخليفة المنصور، ابنة عم الرشيد، وأول زوجاته، وفي الوقت نفسه الذي تولى فيه الرشيد الحكم، ولد ابنه عبد الله المأمون، من جارية فارسية تدعى مراجل، فأوكل الرشيد رعايته لبني برمك الذين ربوه صغيراً، وبعد أشهر وضعت زبيدة مولودها الأول، محمد الأمين، الذي أفسده دلالها، فكانت دائمة الغيرة من حُسن أدب المأمون وعلمه واطلاعه، وحبّه للقيادة، لكنّ المنافسة في نظر زبيدة كانت أكبر من أخين؛ فهي بالأحرى بين الفضلين، الفضل بن يحيى "وزير البرامكة"، والفضل بن الربيع، وهو من أحفاد بني كيسان موالي عثمان بن عفان، وكان بن الربيع مناصراً لزبيدة، وعينها التي لا تغفل في القصر، يخبرها بكلّ صغيرة وكبيرة؛ إذ إنّ زبيدة أدركت باكراً أنّ البرامكة سيشيرون على الرشيد بالبيعة للمأمون، فسبقتهم بخطوة، وأمرته بالبيعة لابنها لأنّها حرة عربية وليست جارية فارسية، كما أم المأمون، فكتب الرشيد البيعة لابنها، لكنّه وقع في خطأ أبيه المهدي نفسه؛ إذ سرعان ما بدأ القتال بعد وفاته، بين الأخين، أو بين الفريقين، الفرس والعرب، والذي انتهى بتفوق المأمون وتوليه الحكم بعد قتل أخيه، وعاشت زبيدة حتى رأت مقتل ابنها.

قبل خلافة الرشيد تزوجت العباسة من ابن عمّها وسرعان ما عادت إلى القصر بعد فشل الزواج

أوضح أستاذ مساعد التاريخ الإسلامي بجامعة طنطا، الدكتور محمد فيّاض، في حديثه لـ "حفريات": أنّ "النساء في القصر العباسي كان لهن دور أساسي في السياسة، فبهنّ كانت تدبر الدسائس والمكائد، والحقيقة أنّ دور النساء في حياة الرشيد نراه فاعلاً من علاقته الخاصة بأمه وأخته، ثمّ زوجته، حتى إنّ الطبري يروي أنّ الرشيد كان مفضلاً لأمه منذ نعومة أطفاره وهو ما خلق هذه الثقة بينهما بعد أن أصبح الحاكم؛ إذ كان الحكم يتم بمشورتها من الرشيد ويحيى بن برمك، أمّا العباسة فكانت حاضرة الشعر والغناء، ويتضح أنّ ميلها الفني قد أبعدها عن قسوة السياسة وجمودها، فنراها تملأ قلب الرشيد بحبها ورفقتها، وكتاب الأغاني بحسن نظمها، وأما زبيدة فاشتهرت بعمل الخير وسقاية الحاج والصدقات، لكنّها عاشت في الترف والنعيم، حتى روى المسعودي أنّ ثوباً واحداً لها بلغت تكلفته آلاف الدنانير، ونقلت هذا الرغد إلى ابنها الذي انشغل عن أمور الحكم باللهو والبزخ وكان معاقراً للخمر، حتى إنّ المؤرخين لم يجدوا في حقبة حكمه، التي استمرت 5 أعوام، سوى حربه مع المأمون، ومظاهر البذخ التي عاش فيها، فلا ذكر ولا إنجازات".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية