هل تعرقل روسيا نشاط سلاح الجوّ الإسرائيلي في سوريا؟

هل تعرقل روسيا نشاط سلاح الجوّ الإسرائيلي في سوريا؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
12/08/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

تظهر روسيا قلقها أمام الولايات المتحدة إزاء تصاعد حجم هجمات إسرائيل على سوريا، كما أنّ الأمريكيين قلقون من ذلك أيضاً، حيث وجهت انتقادات لسلوك إسرائيل في المنطقة، ما فاجأ جهاز الأمن الإسرائيلي، ويعكس ذلك عدم رضا موسكو عن تواصل الهجمات الإسرائيلية على سوريا.

قبل بضعة أيام أصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً، تطرقت فيه إلى الهجومَين الإسرائيليَّين على منطقة الصفيرة في محافظة حلب، وعلى منطقة القصير في محافظة حمص. وزارة الدفاع الروسية قالت إنّ منظومات الدفاع الجوي الروسية ساعدت في التصدي لهجمات سلاح الجوّ الإسرائيلي على هذه المناطق.

في حال نجحت إسرائيل في مواصلة العمل في سوريا، فسيؤدي ذلك إلى إحراج الصناعات الدفاعية الروسية، والتي هي مصدر دخل من الدرجة الثانية بعد منتجات الطاقة

 مقابل ذلك؛ تبدي إسرائيل خشيتها من هذه التصريحات، كما أنّ هناك تقارير متواترة تشير إلى نية روسيا اعتراض نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا، وهذا يشكّل وضعاً مقلقاً يجب الانتباه إليه، لأنّ السياسة الروسية في سوريا تتلخّص في أنّها (روسيا) تريد أن تكون هي المتحكم في الأمور كلها، فيما يرى مراقبون إسرائيليون أنّ الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا وتقليص الوجود الإيراني، أو الإضرار به، يخدم المصلحة الروسية رغم اتفاقها أو اختلافها مع المصلحة الإسرائيلية، لكنّهم مهتمون بمصلحتهم، والنشاط الإسرائيلي في هذا الجانب داخل سوريا يخدم مصلحتهم، وفي الوقت ذاته لا يريدون الظهور هناك على أنّهم يخدمون المصلحة الإسرائيلية، ولا يناسبهم أن ينظر إليهم على أنّهم أصحاب الوطن الإقليمي في سوريا، فخلال الأسبوع الماضي، نفِّذت ثلاث هجمات إسرائيلية في سماء سوريا، وسط وشمال الدولة، وفي مناطق قريبة من المواقع التي فيها حضور عسكري روسي، وادّعت وسائل إعلام عربيّة أنّ أحد أعضاء حرس الثورة الإيرانية وربما مقاتل من حزب الله قُتلا في هذه الهجمات.

عندما أسقطت الدفاعات السورية طائرة روسية

لقد حدثت أزمة شديدة بين إسرائيل وروسيا قبل ثلاث سنوات، بعد أن أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة عسكرية روسية بالخطأ، كان على متنها 15 عسكرياً روسياً، أثناء هجوم لإسرائيل على منطقة اللاذقية، شمال غرب سوريا، واتّهمت موسكو إسرائيل بالمسؤولية عن الحادثة، ووجهت انتقاداً لسلوكها في سوريا، وقد نجح بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء السابق، في تجاوز الأزمة، وتمت تسوية الخلافات بعد جهود كبيرة، لكن اليوم، في ظلّ حكومة بينيت الضعيفة، يصرّح أعضاء في "الليكود"؛ بأنّ نتنياهو حافظ خلال فترة حكمه، بفضل العلاقات الوثيقة بالرئيس الروسي، على حرية العمل في سوريا، وقدّمت إسرائيل خلال الفترة السابقة عملاً إستراتيجياً، لكن اليوم أمام حكومة بينيت ستضغط روسيا على تقييد حركة الجيش الإسرائيلي فوق سوريا. وقد بحث كلّ من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، مطلع الشهر الحالي، موضوعات أمنية، واعترف بينيت لبوتين بفضل روسيا في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، واتفقا على لقاء قريب، كما قدّرا أنّ العلاقات الجيدة التي كانت تربط الرئيس بوتين ورئيس الحكومة السابقة، بنيامين نتنياهو، ستستمرّ أيضاً مع رئيس الحكومة بينيت، بسبب مصالح الدولتين المشتركة.

رغبة روسيا في الاعتراض على الهجمات الإسرائيلية فوق سوريا جاءت بعد أن أبدت الولايات المتحدة، خلال المحادثات التي جرت في قمة جنيف الشهر الماضي، بين الرئيسين بوتين وبايدن، معارضتها لاستمرار الهجمات الإسرائيلية على سوريا، وهذا الأمر دفع روسيا إلى الوقوف علناً ضدّ أيّة عملية عسكرية إسرائيلية تمسّ بالسيادة السورية، لكن يبدو الآن أنّ روسيا تتخوّف من أن تضرّ العمليات الإسرائيلية في سوريا بمصالحها، وهي تنوي تغيير قواعد اللعبة التي اتبعت حتى الآن في العمليات الجوية الإسرائيلية ضدّ التمركز العسكري الإيراني في سوريا، وضدّ نشاط مشروع الصواريخ الدقيقة التي تزود إيران حزب الله بها؛ إذ يوجد بين إسرائيل وروسيا تنسيق عسكري بشأن موضوع الطلعات الجوية الإسرائيلية في المجال الجوي السوري، وتحرص إسرائيل على هذا التنسيق، خصوصاً بعد الحادثة التي وقعت عام 2018، عندما أسقطت منظومة الدفاع الجوي السورية طائرة روسية كانت تحلق فوق البحر المتوسط، الأمر الذي أدّى إلى توتر في العلاقات بين الدولتّين دام لعدة أشهر.

توجّه روسي لتغيير قواعد اللعبة

ترجّح تقديرات سياسية في إسرائيل أنّ توجّه روسيا لتغيير قواعد اللعبة بهذا التوقيت يعود لعدة أمور مهمة، منها؛ أنّ روسيا تعتقد قيام حكومة في إسرائيل بزعامة بينيت ستكون ضعيفة، وهي تحاول أن تستغل ذلك، وتعمل على ردع مواصلة الهجمات على سوريا، إضافة إلى أنّ روسيا تلمح إلى إسرائيل بأنّ منظومات الدفاع الجوي الجديدة التي زوّدت بها سوريا، ناجعة جداً، ولا فائدة من استمرار الهجمات الإسرائيلية؛ لأنّها ستعترض معظم الصواريخ الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: إطالة الأزمة السورية الورقة الرابحة في لعبة أردوغان

 إلى جانب ذلك تحاول روسيا بعد انتخاب الأسد لولاية جديدة، ترميم مكانته قبل بدء الحوار بين الرئيس الأسد والمجتمع الدولي، فاستمرار الهجمات الإسرائيلية سيحرج الأسد، كما أنّ لدى روسيا معلومات تفيد بأنّ الولايات المتحدة بصدد سحب قواتها من روسيا قريباً، وهي الآن تريد خلط الأوراق، لكن ليس هناك ما نتوقعه من نتنياهو بإظهار مسؤولية أو أيّ تضامن، لإيجاد حلّ للمسائل الأمنية الحساسة، وقد كان ذلك متوقعاً كي يستغل هذه الفرصة لإحراج وريثه، لكن عملياً يبدو أنه سيمرّ وقت طويل قبل أن يتضح إلى أية درجة يمكن أن يقيّد عدم رضا روسيا عن خطوات إسرائيل في سوريا، لكن رغم كلّ هذه الخطوات تقديرات السياسيين الإسرائيليين، تشير إلى أنّ إسرائيل ستواصل عملياتها ضدّ التمركز العسكري الإيراني في سوريا، وسيجري توضيح الموضوع في الاجتماع الأول بين الرئيسَين الروسي والإسرائيلي.

بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي، يلاحظ على المدى القصير وجود إشارات واضحة على تصعيد محتمل مع إسرائيل وحزب الله، وهو يركز على حماية مصالحه والاهتمام بالاحتياجات الأساسية، لكنّ الخوف هو من أنّ عدم الاستقرار سيؤدي أيضاً إلى خطوات غير متوقعة، يمكن أن تؤثر أيضاً في ما يحدث على الحدود، إضافة إلى ذلك ثمة إمكانية بأن تخدم الفوضى الداخلية في لبنان حزب الله، الذي سيحصل أيضاً على إرساليات النفط والغذاء من إيران لصالح السكان الشيعة في لبنان، وقد يستغل الفوضى لمواصلة تحسين وسائله القتالية التي بحوزته دون أيّة رقابة وضبط عليه.

الوضع الداخلي للبنان

 تشخّص إسرائيل، في هذه الأثناء، الوضع الداخلي للبنان كمصدر محتمل للمشكلات في المستقبل، لكن ليس كعامل فوري لتصعيد أمني بالضرورة، حتى الآن يصعب معرفة الوقائع الحقيقية هذه المرة طبقاً لسياسة الغموض التي تمسكت بها إسرائيل. بالنسبة إلى معظم الهجمات في سوريا؛ فإنّ جهاز الأمن لا يتطرق بشكل مباشر إلى مدى صحة الادعاءات الروسية الجديدة، مع ذلك لا تعرف إسرائيل مخرجات الحوار الروسي الأمريكي عن ذلك، ولا عن عدم رضا واضح لواشنطن عن الهجمات الأخيرة، يبدو أنّ تصريح روسيا الرسمي استهدف إبراز أمرين، هما: قلق روسيا من اقتراب الهجمات من مناطق تهتم بها في سوريا، وتأكيد التزامها للنظام في دمشق بمساعدته في الجهود الدفاعية، في حين أنّ التنسيق الإسرائيلي مع روسيا للهجمات يستهدف فقط التدخّل الإيرانيّ ونقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله وسوريا، وسلاح الجوّ الإسرائيلي سيبقى قادراً على القيام بهجماته في سوريا بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ التصعيد العسكري "المفاجئ" في الجنوب السوري؟

 لكنّ الأمر الوحيد والمهم هو الحوار المباشر مع الروس حتى يتم السماح بأكبر قدر ممكن من هذه الهجمات، في وقت تعتقد فيه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أنّه لا تغيير في سياسة روسيا تجاه الأنشطة المنسوبة لسلاح الجو الإسرائيلي في الأراضي السورية، على الرغم من التصريحات التي نسبت لجنرال روسي عن مساعدة الجيش السوري في إحباط الضربات الجوية، وإسرائيل مقتنعة بأنّ روسيا لا تساعد سوريا في اعتراض الهجمات الإسرائيلية على أراضيها، والدليل على ذلك أنّ سوريا لا تستخدم أنظمة الاعتراض الروسية المتطورة ضدّ هذه الهجمات.

بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي، يلاحظ على المدى القصير وجود إشارات واضحة على تصعيد محتمل مع إسرائيل وحزب الله، وهو يركز على حماية مصالحه والاهتمام بالاحتياجات الأساسية

خبراء عسكريون في إسرائيل يقدّرون أنّ المعلومات الواردة حول نوايا روسيا تقييد الطلعات الجوية في سماء سوريا غير مقلقة، فهم راضون عن الوضع الراهن الذي نشأ فيما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية، وليس هناك اختلاف جديد عمّا كان عليه في الأشهر السابقة؛ ما قد يشير إلى عدم وجود أيّ تغيير، والروس يسيرون على السياسة نفسها بمرور الوقت داخل سوريا، لكن في إسرائيل يجب أن يكونوا على بينة بأنّ هناك معادلة فيها عدد غير قليل من المتغيرات يجب التعرّف إليها، ويجب على إسرائيل أن تكون على درجة عالية من اليقظة للتطورات القادمة؛ فخلال السنوات الماضية، ومع بدء التموضع الإيراني داخل سوريا، توصلت روسيا مع إسرائيل والولايات المتحدة لتفاهمات حول الضربات الجوية الإسرائيلية، لكن يوجد الآن خيط رفيع يجب على إسرائيل الانتباه إليه.

مسألة الصواريخ خاضعة لتقارير الرادارات

 صحيح أنّ الوضع اليوم قد لا يختلف عن الماضي، لكنّ مسألة الصواريخ التي يسمحون بها وما لا يسمحون بها داخل سوريا مسألة خاضعة لتقارير الرادارات؛ فهي التي تحدد الضربات الجوية والبرية وغيرها من الهجمات، وفي ظلّ كلّ المتغيرات في المنطقة يجب أن يبقى أمن إسرائيل قضية تسبق أيّة مصلحة وتكون مفضّلة عليها؛ فالنشاط الإسرائيلي ضدّ الأهداف الإيرانية في سوريا طالما أنّه غير موجّه ضدّ نظام الأسد، فهو لا يتعارض مع مصلحة روسيا المعنية بالحدّ من تكثيف تواجد إيران في سوريا، وهناك دائماً ميزة كبيرة لوجود علاقة جيدة بين القادة الروس والإسرائيليين، لكن لا يمكن الاعتقاد بأنّ المصلحة الروسية تحددها مسألة مرتبطة بوجود شخص بنيامين نتنياهو في الحكم أو غيره، ويعتقد الخبراء أنّ الروس يفهمون أنّ الوضع في سوريا معقّد للغاية، وقد يفضّلون عدم قيام إسرائيل بتلك الهجمات، لكن من ناحية أخرى؛ فإنّ مصالحهم تكمن في منع تمركز إيران وحزب الله في سوريا.

 الخلاصة أنّ حرية إسرائيل في العمل في سوريا لم تتغير في الأشهر الأخيرة، وستواصل العمل على أراضيها وفق لمصالحها الأمنية والعمل على إبقاء إيران خارج المنطقة، لذلك هناك معايير كثيرة، وليس فقط معيار وجود نتنياهو في المشهد السياسي، ومعيار آخر مرتبط بأنّ الإيرانيين مهتمون بالأمريكيين لتمهيد الأرضية لاتفاق نووي، لكن المعيار الأهم يكمن في رغبة روسيا في بسط سيطرتها على سوريا والتحكم في مجريات الأمور لوحدها، صحيح أنّ السوريين استخدموا في بعض الأحيان أنظمة أسلحة روسية، لكن على كلّ حال الجيش الروسي لا يساعد سوريا باستخدام الأنظمة المتطورة ضدّ أهداف إسرائيلية.

اقرأ أيضاً: الخزانة الأمريكية توقع عقوبات على هؤلاء بشأن سوريا

 كما أنّه في حال نجحت إسرائيل في مواصلة العمل على الساحة السورية، فسيؤدي ذلك إلى إحراج الصناعات الدفاعية الروسية، والتي هي مصدر دخل من الدرجة الثانية لروسيا، بعد منتجات الطاقة؛ فقد برّر الروس فشل السوريين في منع الهجمات الإسرائيلية من خلال الأنظمة الروسية لديهم، وفي الحقيقة فإنّ السوريين غير ماهرين في تشغيل هذه الأنظمة، لكن تزامناً مع تصريحات وزارة الدفاع الروسية باعتراض الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل على حمص، يبقى المطلوب في هذه المرحلة الحساسة ألا تنجرّ تلّ أبيب وموسكو إلى حسابات خاطئة، لأنّ لدى موسكو أساليب عديدة لإيصال الرسائل إلى تل أبيب، كما أنّ لروسيا التصرف بقوة لإحباط الهجمات الإسرائيلية داخل سوريا، من خلال تقديم أنظمة متقدمة مضادة للصواريخ؛ لذلك فإن تحقّق حصول أيّ تغيير في السياسات بين الدولتَين قريباً، فقد يلحِق ذلك ضرراً كبيراً في العلاقات بين الجانبين.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.mako.co.il/news-columns/2021_q3/Article-06610b7b84dda71026.htm



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية