هل تملك مصر خيارات مائية لمواجهة آثار سد النهضة؟

هل تملك مصر خيارات مائية لمواجهة آثار سد النهضة؟


23/07/2020

محمود عبده

بعد ما يقارب العشر سنوات من عمر مفاوضات أزمة ملف سد النهضة الإثيوبي من دون التوصل إلى اتفاق نهائي مرضي للأطراف الثلاثة المصرية والسودانية والإثيوبية، هل بات على القاهرة أن تتبنى مساراً موازياً للتعامل مع الأمر الواقع مستقبلاً بعد اكتمال البناء وبدء ملء السد ما سيكون له التأثير في حصة المياه الواردة لمصر لتجنب الآثار السلبية لنقص المياه، سواء كان ذلك من خلال ترشيد الاستهلاك أو التوسع في تدشين محطات تحلية مياه البحار.

استراتيجية للمياه بتكلفة 56 مليار دولار

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أن الحكومة تنفذ خطة تتضمن مجموعة من المشروعات لوضع رؤية استراتيجية للمياه إلى عام 2037.

وأوضح خلال إفادة له أمام مجلس النواب المصري، أن الخطة عكف عليها خبراء من خيرة العقول في إدارة موارد المياه، مع أخذ الزيادة السكانية، وحاجات الشعب من المياه في الاعتبار.

وأشار مدبولي إلى أن تكلفة هذه الخطة، التي بدئ تنفيذها بالفعل، تبلغ 900 مليار جنيه (حوالي 56 مليار دولار)، وتشمل التحول إلى الري الحديث في الزراعة، وترشيد الترع والمصارف، ومعالجة مياه الصرف، والتوسع في محطات تحلية مياه البحر أو المياه الجوفية.

كما كشف عن أنه خلال أقل من 3 سنوات نُفذت مشروعات من الخطة بقيمة 110 مليارات جنيه (6.8 مليار دولار)، مشيراً إلى أنه في خلال أقل من عامين، سيتم الانتهاء من محطات تحلية للمياه بقيمة 160 مليار جنيه (حوالى 10 مليار دولار)، لسد الحاجات من المياه، عن طريق تحلية مياه البحر، فضلاً عن تطوير عمل القائم منها فعلياً. حيث كانت محطات التحلية المصرية تنتج نحو 80 ألف متر مكعب قبل 3 سنوات، وأصبحت حالياً تنتج 800 ألف متر مكعب يومياً، إضافة إلى مشروعات معالجة مياه مصرف "بحر البقر"، الذي ينتج نحو 5.5 مليون متر مكعب من مياه الصرف الزراعي، ومعالجة مياه مصرف "المحسمة"، الذي ينتج مليون متر مكعب يومياً.

استراتيجية حتى 2050

تصريحات رئيس الوزراء المصري بُنيت على استراتيجية لوزارة الري والموارد المائية، بالتعاون مع الشركة القابضة المصرية لمياه الشرب المملوكة للدولة، التي جرى وضعها منذ 4 سنوات، للحفاظ على الأمن المائي المصري، على مدار 30 عاماً المقبلة.

وقال ممدوح رسلان رئيس الشركة المصرية لمياه الشرب، إن الاستراتيجية ترتكز على 4 محاور رئيسة جرى الإعداد لها والعمل عليها مع بداية عام 2016.

وأضاف في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إن أهداف الاستراتيجية تنصب على توفير الحاجات المائية المطلوبة لمصر في شتى القطاعات حتى عام 2050.

4 محاور أساسية

وأشار إلى أن محاور الاستراتيجية تستند إلى 4 محاور أساسية: الأول توفير الحاجات المائية لحل المشكلات الحالية، ومواكبة الزيادة السكانية الطبيعية المستقبلية بالمجتمعات السكانية القائمة، والثاني توفير الحاجات المائية البديلة، لإيقاف نقل مياه الشرب إلى المحافظات البعيدة عن العاصمة مثل: مطروح بالشمال الغربي للبلاد، والبحر الأحمر، وسيناء شرقاً، والثالث هو توفير الحاجات المائية البديلة للمياه السطحية، من توسعات ومحطات قائمة، وترع حرجة، فضلاً عن توفير الحاجات المائية المطلوبة للتنمية العمرانية كمحور أخير.

110 مليارات متر مكعب سنوياً تحتاجها مصر

وتبلغ حاجات مصر من الموارد المائية، نحو 110 مليارات متر مكعب سنوياً، وتستورد مصر مياهاً افتراضية في شكل منتجات غذائية زراعية وحيوانية، بما يقدر بـ30 مليار متر مكعب سنوياً، وهي كمية المياه التي يحتاجها إنتاج تلك المنتجات ضمن الدورة الزراعية المحلية في مصر، فيما يبلغ إجمالي الموارد المائية الفعلية لمصر 59 مليار متر مكعب سنوياً فقط وفقاً لوزارة الري المصرية.

الموارد المائية 60 مليار متر مكعب سنوياً

وتبلغ الموارد المائية التقليدية من المياه العذبة، المتوافرة حالياً لمصر 60 مليار متر مكعب، وتتضمن حصة مصر من مياه النيل، التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، إلى جانب المياه الجوفية العميقة، بنحو 2.1 مليار متر مكعب، علاوة على مياه الأمطار والسيول بواقع 3.1 مليار متر مكعب، إضافة إلى تحلية المياه المالحة بكمية قدرها 350 مليون متر مكعب سنوياً.

85 في المئة من "النيل" من الهضبة الإثيوبية

ويجري 85 في المئة من إيراد نهر النيل، الذي تعتمد عليه مصر من الهضبة الإثيوبية، فيما تصل النسبة المتبقية من مياه النهر، من البحيرات الاستوائية وجنوب السودان وتمثل حوالى 15 في المئة.

وتشيرالخطوات المصرية لتحقيق الأمن المائي إلى ضرورة الاستغلال الأمثل للمياه الجوفية، وإعادة هيكلة وتقييم خزانات المياه الجوفية، لضمان استدامة هذا المصدر المائي للتنمية المستهدفة، وكذلك التوسع في إنشاء محطات تحلية المياه، في الحصول على موارد مائية معتمدة على موقع مصر الجغرافي المميز على بحرين (البحر الأحمر والبحر المتوسط).

محطات التحلية الخيار الإستراتيجي

وتعتبر القاهرة التوسع في إنشاء محطات لتحلية المياه، أحد أهم خياراتها الاستراتيجية في مواجهة قلة المياه المتوقعة، واستخدامها كمياه للشرب مع التحول التدريجي في الاعتماد على المياه المحلاة، بالمناطق الساحلية والنائية وكذلك استخدامها في الأماكن السياحية.

15 مليار دولار لإنشاء 109 محطات تحلية

وتستهدف الخطة التي أطلعت عليها "اندبندنت عربية"، تنفيذ وتطوير 109 محطات لتحلية مياه البحر، بطاقة إجمالية 10.46 مليون متر مكعب في اليوم، وتكلفة مقدرة بـ239.3 مليار جنيه (حوالى 15 مليار دولار)، وتتوزع الخطة على 12 محافظة مصرية هي: شمال سيناء وجنوب سيناء وبورسعيد والإسماعيلية والسويس والبحر الأحمر ودمياط والدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة والإسكندرية ومطروح.

وتشمل الخطة أيضاً تنفيذ 32 محطة، بطاقة 2.28 مليون متر مكعب يومياً بكلفة إجمالية قدرها 49 مليار جنيه (حوالى 3 مليارات دولار)، في المحور الأول، وتنفيذ 7 محطات بطاقة 335 ألف متر مكعب يومياً بكلفة إجمالية قدرها 6.7 مليار جنيه (حوالى 419 مليار دولار)، في المحور الثاني.

كما تشمل الخطة تنفيذ 54 محطة بطاقة 6.87 مليون متر مكعب يومياً بكلفة إجمالية، قدرها 164.31 مليار جنيه (حوالى 10 مليار دولار) في المحور الثالث، و16 محطة بطاقة 966 ألف متر مكعب يومياً بكلفة إجمالية قدرها 20 مليار جنيه (1.25 مليار دولار) في المحور الرابع.

وأوضحت الخطة أنه يوجد 64 محطة تحلية قائمة بطاقة إجمالية 742.26 ألف متر مكعب في اليوم، بمحافظات شمال سيناء وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومطروح والإسماعيلية والسويس، فيما يجري تنفيذ 20 محطة بطاقة إجمالية قدرها 553 ألف مكعب في اليوم، بكلفة 11.13 مليار جنيه (688 مليون دولار)، بمحافظات مطروح والبحر الأحمر وشمال سيناء وجنوب سيناء وبورسعيد والدقهلية والسويس.

ووفقاً للخطة سيتم تنفيذ 47 محطة شرق البلاد، و31 محطة بالوسط، و31 محطة في الغرب.

الاعتماد على المياه الجوفية

إضافة إلى التوسع في محطات تحلية مياه البحر، تسعى الاستراتيجية للتوسع في الاعتماد على المياه الجوفية، مع اتباع بعض السياسات التي تساعد على التنمية واستغلال الخزانات الجوفية، وحمايتها من التلوث كماً ونوعاً، وتوجيه الدراسات والبحوث نحو تعديل التشريعات في هذا الغرض، مع ضرورة استخدام المياه الجوفية الصحية في الوادي والدلتا، ومراعاة عدم تداخل مياه البحر والمراقبة المستمرة لمناسيب ونوعية المياه المسحوبة، علاوة على استخدام المياه الجوفية، من خزان الحجر الرملي النوبي.

مياه الأمطار والسيول

وإلى جانب المياه الجوفية، تسعى الحكومة المصرية للاستفادة من مياه الأمطار والسيول، خصوصاً في المناطق التي تتركز فيها كميات كبيرة منها مثل سلاسل جبال البحر الأحمر، وشبه جزيرة سيناء، والساحل الشمالي الغربي، وذلك عن طريق إنشاء السدود والبحيرات للاستفادة من هذه المياه.

إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي

كما تسعى الاستراتيجية إلى الاستفادة من إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي، بمعالجتها صناعياً، وفقاً للمواصفات البيئية الدولية، وإعادة استخدامها بالقطاع الزراعي، خصوصاً أن الأخير يستهلك نحو 75 في المئة من الموارد المائية.

وتعتبر محدودية كمية المياه المتاحة للزراعة، من أكبر التحديات التي تواجه التوسع في المساحة المزروعة في مصر، لذلك يجب رفع كفاءة المياه في قطاع الزراعة، عن طريق تحديث وتطوير نظم الري الحقلي، إضافة إلى استنباط محاصيل جديدة تتحمل الجفاف والملوحة، مع التوسع في إنتاج أصناف المحاصيل قصيرة العمر، وهو ما يؤدي إلى خفض استهلاك المياه، علاوة على منع زراعة المحاصيل عالية الاستهلاك المياه في الأراضي الجديدة، ووقف تصدير المحاصيل الشرهة لاستخدام المياه ودعم المحاصيل قليلة الاستهلاك للمياه، وتشجيع القطاع الخاص على التوسع في التصنيع الزراعي، وإحلال المزارع السمكية المخالفة، والمقامة على أراضي مشروعات الاستصلاح، واستبدالها بأخرى مطورة، كلها أهداف مهمة للاستراتيجية.

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية