هل جلب المحور التركي القطري السلام أم الفوضى إلى الشرق الأوسط؟

هل جلب المحور التركي القطري السلام أم الفوضى إلى الشرق الأوسط؟


09/06/2020

براق تويغان

فوجئ الكثير برد فعل تركيا الفوري على الاندفاع لمساعدة قطر قبل ثلاث سنوات، عندما قطعت مجموعة من الدول العربية بقيادة السعودية العلاقات الدبلوماسية مع الدولة الخليجية، وفرضت قيودًا على حركة البضائع والأفراد، مشيرة إلى دعمها للتنظيمات المتطرفة.

شكلت تركيا جسرًا جويًا للبلاد بعد الأزمة، وأرسلت القوات والطعام، في خطوة نقلت فعليًا عائلة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعيدًا عن كونها فريسة إقليمية.

وفي غضون ذلك، لم تتردد تركيا في إدارة ظهرها لدولتين كانت لها علاقات متوترة معها بالفعل – وهما السعودية والإمارات. فضلت تركيا قطر، التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة على السعودية، أكبر شريك تجاري لها في المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة.

ولم تتوقف تركيا عند هذا الحد. بل حاولت تغيير توازن القوى في المنطقة، من اتباعها سياسة لي الذراع - من ليبيا إلى سوريا، ومن اليمن إلى السودان.

وكانت هناك أسباباً عدة لاتخاذ هذا القرار، الأمر الذي دفع تركيا إلى مزيد من العزلة السياسية والعزلة الإقليمية.

أولها علاقة الرئيس رجب طيب أردوغان الغامضة بأمير قطر. هناك العديد من الأسئلة المعلقة حول هذه العلاقة، والتي لا تتماشى مع العادات الدبلوماسية. على سبيل المثال، لم يتم الرد بالكامل على التقارير في عام 2018 التي أفادت أن آل ثاني أعطى أردوغان طائرته الخاصة التي تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، وكذلك لم تقدم أنقرة أي تفسير حول سبب تسليم هذه الطائرة إلى أردوغان.

قام أمير قطر بأكبر عدد من الزيارات إلى تركيا في السنوات الأخيرة. كان هناك الكثير من التكهنات حول سبب الحاجة إلى عقد العديد من الاجتماعات المباشرة بين الزعيمين.

وفي حين أن محتوى الاجتماعات غير معروف، فمن الواضح أن عامل الإخوان المسلمين كان أحد أهم الروابط الذي جمع هذين الزعيمين معاً. وبينما تعود علاقات تركيا مع قطر إلى أبعد من ذلك، اتخذت العلاقات بين الحليفين بُعدًا جديدًا بعد رئاسة زعيم الإخوان المسلمين محمد مرسي في مصر عام 2012.

ومع وصول مرسي إلى السلطة، بدأت أنقرة والدوحة، اللتان شرعتا في وضع خطط للإطاحة أو تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، بالتعامل مع أطراف أخرى مرتبطة بالإخوان المسلمين في دول عربية أخرى. وأصبحت كل دولة، بما في ذلك تونس وليبيا والمغرب ودول الخليج والأردن وسوريا والجزائر واليمن هدفا.

لكن الإطاحة بمرسي عام 2013 وإسقاط نظامه من خلال انقلاب دمر خطط تركيا وقطر. تحولت الدولتان إلى تبني استراتيجية كانوا فيها صانعي ألعاب إلى مفسدين ألعاب.

أصبحت ليبيا وسوريا واليمن والصومال التركيز الرئيسي لكلا الدولتين. أصبحت الدولتان، اللتان اتبعتا في البداية طريق الإخوان المسلمين، هما اللاعبتان الرئيسيتان.

والسبب الثاني للمحور التركي القطري هو ثروة الغاز في قطر وحاجة تركيا لها. لقد تأثر الاقتصاد التركي بشكل متزايد بخطوات أردوغان في السياسة الخارجية منذ عام 2013، والتراجع في سيادة القانون وحقوق الإنسان في البلاد، ونهج التجارة الذي مهد الطريق للفساد.

وهناك سبب آخر مزعوم وهو ما يسمى بـ "الخزينة الخاصة" بأردوغان في قطر، والتي تحوي مليارات الدولارات، وهو صندوق يُزعم أنه تم إنشاؤه بعد تحقيق فساد في حكومته في عام 2013.

وبينما لا يوجد وضوح في هذا الأمر، يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار أن قطر هي الدولة الوحيدة التي وافقت على فتح خط مبادلة عملات مع تركيا هذا العام حيث يكافح اقتصاد البلاد للتعافي من أزمة العملة في عام 2018 ووباء كورونا هذا العام.

لجأ أردوغان كذلك لتبني سياسة خارجية أكثر مغامرة لأنه لم يعد بإمكانه تقديم تعهدات بزيادة الرفاهية الاقتصادية للناخبين. وفي البداية، كان أردوغان يتأرجح باستمرار بين الانحياز إلى روسيا والولايات المتحدة في سوريا.

وفي حين أن بعض أجزاء شمال سوريا لا تزال تحت السيطرة التركية، لكن هناك شكوك تدور حول مدى استمرار هذه العمليات المكلفة، لا سيما وأن الحفاظ على قوة احتلال في دولة أجنبية يأتي بتكلفة مالية عالية.

وتظهر هناك الكثير من الأسئلة حول مستقبل محافظة إدلب السورية. ستكون تركيا مسؤولة عن سلامة أكثر من 3 ملايين من السكان إذا تم الحفاظ على الوضع الراهن. هناك الآلاف من العناصر المسلحة والعديد من المنظمات الإرهابية العاملة في إدلب، والتي يُشار إليها غالبًا باسم غزة الثانية.

لكن ليبيا هي عملية استعراض أردوغان في الوقت الحالي. فمع استمرار جائحة كورونا في إحداث دمار في اقتصادات العالم، تواصل تركيا، التي لا تمتلك سنتاً في خزائنها، تحويل الأموال إلى ليبيا التي كان يجب أن تقدمها كمساعدة لشعبها. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم تركيا بتزويد الأراضي الليبية بمسلحين من سوريا وطائرات ذاتية القيادة ومدرعات وذخائر.

كانت التطورات في ليبيا حتى الآن إيجابية بالنسبة لقطر وتركيا، لأن الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي بدأت في التعبير بوضوح عن دعمها لحكومة الوفاق الوطني. وكان الوجود الروسي على الأرض في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا هي السبب الرئيسي لهذا التطور السياسي. حيث لا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة تريد روسيا موجودة في البلاد.

رابعاً، قطر هي أكبر مشترٍ لمنتجات صناعة الدفاع التي ينتجها رجال أعمال لهم علاقات وثيقة مع أردوغان. ومن بين الأسلحة التي بدأت قطر في إدراجها في مخزونها الدفاعي طائرات ذاتية القيادة من طراز "تي بي 2"، ومركبة "إجدر فور باي فور"، ومركبات "كيربي"، و"أمازون"، وسفن التدريب العسكرية أنادولو. كما ستنتج شركة "بي إم سي" التركية حوالي 250 دبابة من طراز "ألتاي" للجيش القطري.

خامساً، تشعر تركيا بالقلق بشأن تغيير قطر لاستراتيجيتها في أي لحظة. فهي تريد التقدم إقليمياً بقدر المستطاع بينما تضمن الدعم القطري. وكنتيجة لذلك، تسببت زيارة وزير الخارجية القطري في أكتوبر من العام الماضي للسعودية وما تلى ذلك من إذابة للعلاقات بين الدولتين في إثارة القلق في أنقرة.

وقد انتقدت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة بشدة صمت قطر في مواجهة أزمة بين أنقرة وواشنطن في 2018 بشأن اعتقال قس أميركي بتهمة تتعلق بالإرهاب.

نفس وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة قامت بالاحتفال بمضاعفة صفقة العملات بين قطر وتركيا بمقدار ثلاثة أضعاف هذا العام إلى 15 مليار دولار من 5 مليارات دولار وإعلان قطر عن استثمارها واسع النطاق في تركيا.

لكن التأرجح في العلاقات بين أنقرة والدوحة لا يقتصر على هذه التطورات. تشارك قطر أيضًا في استكشاف الغاز الطبيعي مع عملاق الطاقة الأميركي "إكسون" بالقرب من قبرص في منطقة تعتبرها تركيا جزءًا من جرفها القاري.

علاوة على ذلك، تم وصف التغطية السلبية لشبكة قنوات الجزيرة القطرية لهجوم "عملية ربيع السلام" التركي في شمال سوريا في أكتوبر من العام الماضي على أنها "طعنة في ظهر تركيا" من قبل شبكة تلفزيون "تي آر تي" التركية الحكومية وصحيفة صباح اليومية الموالية للحكومة.

سادسًا، زعم أردوغان أن الإمارات دعمت محاولة انقلاب 15 يوليو 2016 للإطاحة بحكومته. ووفقًا لتقرير لوكالة أنباء الأناضول الحكومية في 8 مايو، فإن الأحداث المحيطة بالانقلاب الفاشل هي أحد العوامل السلبية الكبيرة التي تؤثر على العلاقات بين تركيا والإمارات.

تؤكد أنقرة أن الإمارات هي واحدة من أهم القوى وراء الانقلاب الفاشل. وذكرت وسائل الإعلام التركية أن الإمارات أنفقت 3 مليارات دولار لدعم الانقلاب الفاشل. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الادعاءات صادرة من مصادر قريبة من إدارة أردوغان وتفتقر إلى الإثبات.

سابعاً، هناك وثائق أعدتها منظمات استخبارية دولية تبين أن تركيا وقطر دعمتا الجماعات المسلحة في الحرب بسوريا. وبحسب تقرير لوكالة المخابرات الدفاعية الأميركية بتاريخ 2 يونيو 2016، قدمت الدولتان المساعدة لجبهة النصرة. تم تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة.

ثامناً، في حين جاءت التطورات الأكثر إيجابية في العلاقات بين تركيا وقطر مع صعود مرسي إلى السلطة في مصر والحصار الذي قاده السعوديون على قطر، وتشكيل اللجنة الاستراتيجية العليا في عام 2014، مما فتح الباب أمام نشر القوات التركية في قطر وهو حدث مهم آخر يبرز العلاقات الأوثق بين الدولتين. تم نشر وحدة تركية قوامها حوالي 3 آلاف جندي في قاعدة طارق بن زياد العسكرية في قطر كجزء من هذا الاتفاق. تم التوقيع على إنشاء ثكنات للقوات التركية خلال زيارة أردوغان لقطر في نوفمبر من العام الماضي.

من المتوقع إحياء الزخم على الجبهتين الليبية والسورية بمجرد أن تستقر جائحة كورونا. يمكن أن تؤدي هزيمة تركيا وقطر إلى تفكك محور الدوحة وأنقرة في فترة زمنية قصيرة.

ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت السياسات التي يحتفظ بها أي من الدولتين مستدامة. حيث إن نهج تركيا الصارم، بقيادة زعيم سياسي مستقبله مهدد من الاقتصاد المتعثر والذي يجد نفسه في مواجهة مع دول مثل روسيا وفرنسا، يمكن أن يأتي بنتائج عكسية في أي لحظة.

عن "أحوال" التركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية