هل شجع المجتمع الدولي الحوثيين على رفض المبادرة السعودية؟

هل شجع المجتمع الدولي الحوثيين على رفض المبادرة السعودية؟


27/03/2021

لو وضعنا أنفسنا مكان الحوثي، لما اختلف ردّنا بالرفض على المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار، لعدد من الأسباب، منها؛ أنّ الحوثي لا يأبه بالكارثة الإنسانية التي يعيشها المجتمع اليمني، خاصّة أنّ الأحوال أكثر تردياً في مناطق الحكومة الشرعية، وأنّه صامد في جبهات القتال، بل يبادر بفتح جبهات جديدة، مع انكفاء واضح لقوات الشرعية.

المسار الدولي هو الأنسب للحوثي؛ كونه لا يلتفت إلى الدور الإيراني إلا بخجل، ولا يتصدّى للمخطط الحوثي - الإيراني بتغيير هوية اليمن

إلى جانب إدراك الحوثي أنّ الوقت ليس في صالح التحالف والشرعية، إذ يواجهان ضغوطاً دولية لوقف الحرب، بسبب الكارثة الإنسانية التي خلفتها، إضافة إلى التكلفة الباهظة التي تتحملها المملكة جراء استمرار القتال، على عكس الحوثي الذي يعتمد على آليات وإستراتيجيات غير مكلفة مادياً، وإن كانت مكلفة إنسانياً، وهو أمر لا يعبأ به.

ويدير الحوثي الأزمة كلعبة عضّ الأصابع، معتمداً على الانقسام الكبير في معسكر الشرعية، وإخفاق التحالف في إدارة هذا الانقسام، بسبب الاختلاف الأيديولوجي لمكوّنات الشرعية، وأبرزها حزب الإصلاح الإخواني، الذي يهيمن على الشرعية، ويوظفها لحساب التمكين الذاتي، على حساب قتال الحوثي، وهو ما كشفه الانهيار الأول أمام الحوثي في جبهة مأرب.

وزير الخارجية السعودي أثناء الإعلان عن مبادرة وقف إطلاق النار

ويعتمد الحوثي على الوضع الدولي في إدارة الصراع، مستغلاً تغاضي المجتمع الدولي عن الخطر الإيراني، وتعامله القاصر مع الأزمة على أنّها نزاع بين فرقاء يمنيين، يحظى كلّ منهم بدعم أجنبي، ولهذا رفض بثقة مبادرة المملكة، مراهناً على إطالة أمد الحرب، ليعطي فرصة للمجتمع الدولي لاستيعاب المبادرة السعودية، وإعادة طرح مبادرة المبعوث الأممي، التي تشرعن العدوان الحوثي، وتُنحي دور التحالف الدولي.

مبادرة المملكة

في 22 من الشهر الجاري؛ أعلنت المملكة على لسان وزير خارجيتها، مبادرة لوقف إطلاق النار في اليمن، وإطلاق مفاوضات سياسية مباشرة، برعاية الأمم المتحدة، وأكّد الوزير، فيصل بن فرحان آل سعود، أنّ المبادرة ستدخل حيّز النفاذ بمجرد قبول الحوثيين بها.

اقرأ أيضاً: اليمن: الحوثيون يرتكبون جرائم جديدة في محافظة حجة

وتضمّنت المبادرة الآتي؛ وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة، وفق اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.

ودعت المملكة كلّاً من الحكومة اليمنية والحوثيين إلى قبول المبادرة، ومن جانبها؛ رحّبت الحكومة اليمنية بالمبادرة، بينما أعلن الحوثيون رفضهم لها.

انتقد جون بولتون الأمم المتحدة لتجنبها إثارة الدور الإيراني في اليمن

وردّ الناطق الرسمي باسم الحوثيين، ورئيس وفد التفاوض، محمد عبد السلام، عبر حسابه على "تويتر"؛ على أعتاب العام السابع نُذكر "دول العدوان بوجوب إنهاء عدوانها بشكل شامل ورفع الحصار بشكل كامل، وضرورة الفصل بين ما هو حقّ إنسانيّ، كإعادة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، بما لا يكون ذلك خاضعاً للابتزاز السياسي والعسكري"، على حدّ زعمه.

اقرأ أيضاً: المبادرة السعودية حيال اليمن: ضربة معلم

وحظيت المبادرة بترحيب دولي واسع، من قبل الدول العربية والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا والصين وروسيا، وغيرهم.

الرفض الحوثيّ

ولم يكن مفاجئاً رفض الحوثيين للمبادرة، التي حقّقت لهم اعترافاً بالوضع القائم، وفتحت الباب أمام مفاوضات مباشرة لإنهاء الأزمة.

ويُرجع السكرتير الإعلامي بالرئاسة اليمنية، الكاتب والباحث السياسي، ثابت الأحمدي، الرفض الحوثي لعدة أسباب، منها؛ أنّ "الحوثي مجرّد مخلب من مخالب إيران في المنطقة، لا يملك أمره مطلقاً، ويستحيل أن يقطع في أمر دون العودة إلى أسياده في إيران".

السكرتير الإعلامي بالرئاسة اليمنية، الكاتب والباحث السياسي الدكتور ثابت الأحمدي

ويتابع الأحمدي، في حديثه لـ "حفريات"؛ بأنّ "الميليشيات الحوثية، عبر تاريخها القديم والحديث، جماعة حرب، لا تعرف السلام، ولا يمكن على الإطلاق أن تجنح للسلام، بسبب أيديولوجيتها الموالية لإيران، والتي تتلحف زوراً بغطاء الشيعة الزيدية الهادوية".

اقرأ أيضاً: هل هي نهاية حرب اليمن؟

ويعلم الحوثيّ أنّ المجتمع الدولي سيقدم له عرضاً أفضل بكثير مما قدمته المملكة؛ ذلك لأنّ المجتمع الدولي لا يلتفت للأطماع الإيرانية، كأساس للأزمة، بل يساويها بدور المملكة، متناسياً أنّها دخلت الحرب استجابة لطلب الحكومة الشرعية، لمواجهة انقلاب طائفي يُهدّد الشعب اليمني، وأمن المملكة والمنطقة.

السكرتير الإعلامي بالرئاسة اليمنية، ثابت الأحمدي، لـ "حفريات": الشعب اليمني فقد ثقته بسياسة اللاعبين الكبار دولياً، التي تتعاطى مع الشأن اليمني من زاوية مصالحها

وفي هذا السياق، أكّد مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، في عهد إدارة ترامب على دعم الأمم المتحدة للحوثي، وذكر في حديث تلفزيوني مع قناة "العربي"، في 23 من الشهر الجاري، أنّ إيران "وجدت في اليمن طريقاً منخفض الكلفة لممارسة ضغط كبير على السعودية، والدول الأخرى في شبه الجزيرة العربية، وهذا ما لا يمكن قبوله".

اقرأ أيضاً: الحوثيون يتلاعبون بحياة اليمنيين... أزمات مفتعلة ومجاعة تلوح بالأفق

وعن تخاذل الأمم المتحدة في معالجة التخريب الإيراني، أضاف بولتون: "الأمم المتحدة لو ركزت أكثر على هذا الجانب لربما كنا توصلنا إلى حلّ سلميّ في وقت مبكر".

واستفاد الحوثي كثيراً من التدخّل الدولي، الذي شرعن انقلابه في اتفاق ستوكهولم بشأن ميناء ومدينة الحديدة في عام 2018، بوساطة الأمم المتحدة، إلى جانب الخدمة الكبيرة التي قدمتها إدارة بايدن للحوثيين برفعهم من قوائم الإرهاب، وتجميدها للصفقات العسكرية مع المملكة، وغير ذلك من الضغوط السياسية على القيادة.

ويؤكد السكرتير الإعلامي بالرئاسة اليمنية، أنّ الشعب اليمني فقد ثقته بسياسة اللاعبين الكبار دولياً، "التي تتعاطى مع الشأن اليمني من زاوية مصالحها الخاصة هي، لا من زاوية مصالح الشعب اليمني نفسه، التي تحميها المرجعيات الثلاث؛ قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل".

لا يخفي الحوثي تبعيته لإيران في كلّ مناسبة

وكانت المملكة قد أكّدت في مبادرتها على ضرورة التزام الحوثي بالمرجعيات الثلاث، التي تضمن حلّاً جذرياً للأزمة، لكنّها تطلّب، في الوقت نفسه، من الحوثي التنازل عن المكاسب الميدانية والسياسية التي حققها.

ويعلّل ثابت الأحمدي، موقف المجتمع الدولي، بأنّه "لا يريد القضاء على أيّة مشكلة، بقدر ما يريد التحكم فيها فقط، ولا أدلّ على ذلك من التخبط السياسي في التعاطي الأمريكي معه؛ ففي الوقت الذي تعلن الولايات المتحدة الأمريكية فيه أنّ الحوثيّ إرهابيّ سرعان ما تتراجع عن ذلك".

صفقة المجتمع الدولي

وفي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، نشرت صحيفة "الأيام" اليمنية، وثيقة باسم "الإعلان المشترك للحلّ في اليمن"، وهو عبارة عن خطة سلام منسوبة إلى الأمم المتحدة، تتجاوز فيها المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن، وتحدّد الحوثيين والحكومة الشرعية كطرفَي نزاع، عليهما الجلوس معاً، وتقاسم الحلّ.

اقرأ أيضاً: هكذا تحاول تركيا السيطرة على باب المندب عبر اليمن

وينصّ الإعلان على الآتي؛ الوقف الفوري الشامل للعمليات العسكرية، من قبل جميع الأطراف، وتوسيع دائرة التدابير، الإنسانية والاقتصادية، لتخفيف معاناة المواطنين، والتصدي لجائحة كورونا، وضمان حرية التنقل، وإعادة فتح المطارات، وبناء الثقة بين الطرفين تمهيداً لاستئناف المشاورات السياسية.

ويتضمن؛ الالتزام بوقف إطلاق النار فور توقيع الطّرفين (الحكومة والحوثي)، ووقف العمليات العسكرية، الجوية والبرية والبحرية، للتحالف العربي، مع التزام الحوثيين بوقف الأنشطة العدائية تجاه السعودية.

ولمراقبة وقف إطلاق النار؛ اقترح الإعلان تشكيل لجنة تنسيق عسكري، برئاسة الأمم المتحدة، وعضوية ممثلين عسكريين رفيعي المستوى، عن طرفي الاتفاق، وإشراك طرف ثالث، يقوم بتسيير طلعات جوية للمراقبة والاستطلاع، لضمان الالتزام من الطرفين.

يشهد اليمن أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث

وفيما يخصّ الأسرى، يلتزم الطرفان بالإفراج عن جميع الأسرى، بإشراف لجنة تتولى ذلك، وفيما يتعلق بالتنقل؛ يتمّ فتح الطرق بين المدن الواقعة تحت سيطرة الطرفين.

وحول الموازنة العامة، يسند الإعلان إلى البنك المركزي في صنعاء، سلطة جمع إيرادات الدولة، من نفط وغاز وجمارك وضرائب وموانئ، وإعادة توزيعها، خصوصاً لصرف الرواتب، وتشكيل لجنة مشتركة لاعتماد آلية تنسيق للسياسة النقدية.

وفيما يخصّ المطارات؛ تقرّر فتح مطار صنعاء الدولي، وتضمّن الإعلان شرطاً حوثياً، ينصّ على منع طلعات المراقبة فوق المطار، وتشكيل آلية مشتركة بين مطار صنعاء والأمم المتحدة لتنسيق التشغيل.

اقرأ أيضاً: ضربات موجعة للحوثيين... تحركات الجيش اليمني والتحالف

وبشأن الموانئ؛ تقرّر رفع القيود على دخول سفن الحاويات التجارية، والسفن المحملة بالنفط والغاز والمشتقات النفطية والبضائع، مع الالتزام بقرار حظر التسليح، وإيجاد آلية أممية لتفتيش السفن، وضمان سلامة الناقلة صافر.

ويسترشد الإعلان بمبادئ تقوم على؛ احترام سيادة اليمن واستقلاله ووحدة أراضيه، والدخول في مرحلة انتقالية، بعد التوصل إلى اتفاق سلام شامل، وتكثيف العمل لتطبيق اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة.

ولم ينصّ الإعلان على المرجعيات الثابتة للحلّ في اليمن، وهي؛ المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الدولية حول اليمن. كما لم يشِر، بأيّ شكل، إلى دور التحالف العربي، وطالبه بوقف العمليات العسكرية، ورفع الرقابة عن الموانئ والمطارات اليمنية، وبشكل واضح أنهى أيّ دور للتحالف العربي.

ويرجّح صحّة الوثيقة المنشورة بعنوان "الإعلان المشترك"، ما جاء في كلمة الأمين العام للأمم المتحدة،  أنطونيو غوتيريش، في اجتماع مجلس الأمن حول "صون السلام والأمن الدوليين: مراجعة شاملة للوضع في منطقة الخليج"، بتاريخ 20 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، "تواصل الأمم المتحدة تسهيل المفاوضات بين الأطراف اليمنية بشأن الإعلان المشترك، الذي يتضمّن وقفاً لإطلاق النار على مستوى البلاد، وتدابير بناء ثقة اقتصادية وإنسانية واستئناف العملية السياسية".

فإذا كان الحوثيّ نجح في الحصول على هذه المكاسب من المفاوضات المباشرة مع المبعوث الأممي، مارتن جريفيث، وجولات تفاوض أخرى مع الأوروبيين، فمن الطبيعي أن يرفض المبادرة السعودية، التي لا تقدّم له أيّة مكاسب.

وسواء ثبتت صحة الوثيقة كاملةً أم أُجريت تعديلات عليها لمراعاة التحالف العربي والحكومة اليمنية، فسيظلّ المسار الدولي هو الأنسب للحوثي، كونه لا يلتفت إلى الدور الإيرانيّ إلا بخجل، ولا يتصدّى للمخطط الحوثي - الإيراني بتغيير هوية اليمن، ليكون شوكة في خاصرة المملكة والدول العربية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية