هل كان مؤتمر التطبيع في أربيل رسالة إيرانية مشفرة لواشنطن؟

هل كان مؤتمر التطبيع في أربيل رسالة إيرانية مشفرة لواشنطن؟


03/10/2021

بترتيب من مركز "اتصالات السلام" ومقره نييورك، وبمشاركة شخصيات عراقية وإسرائيلية، عُقد في أربيل عاصمة إقليم كردستان، ودون إعلانات مسبقة بتاريخ 24/9/ 2021 مؤتمر "السلام والاسترداد"، بهدف إطلاق دعوات للتطبيع بين العراق وإسرائيل على غرار التطبيع "الإبراهيمي" مع الإمارات والبحرين، وبعيداً عن الإدانات العراقية الرسمية والعربية والإسلامية التي صدرت بعد انعقاد المؤتمر، فإنّ معطيات عديدة  لا بدّ من التوقف عندها لفهم ما يتعلق بهذا المؤتمر:

أوّلاً: مكان انعقاد المؤتمر في أربيل كردستان العراق، وهو الإقليم الذي يتمتع باستقلالية كبيرة عن الحكومة المركزية في بغداد، لا ينفي عدم معرفة بغداد المسبقة بانعقاده، لا سيّما أنه كما تردد شارك فيه رموز وشيوخ عشائر "سنيّة وشيعيّة"، محسوبة أو قريبة من النخبة السياسية العراقية، ويبدو أنّ انعقاده في أربيل جاء في ضوء ما توفره كردستان العراق من هوامش "مناورة" بالنسبة إلى بغداد باتجاه التنصل من المسؤولية عن انعقاده، وهو ما تم من خلال التصريحات التي صدرت عن أوساط حكومية أو محسوبة عليها.

اللافت إقدام شخصيات شيعية محسوبة على إيران بالمشاركة في المؤتمر، وهو ما يطرح تساؤلات حول حقيقة الموقف الإيراني من إسرائيل

ثانياً: سياقات انعقاد المؤتمر غير معزولة عن اتفاقات "إبراهام" التي عقدت بين كل من الإمارات والبحرين، ولاحقاً بين المغرب والسودان مع إسرائيل، وبعيداً عن الاتهامات حول دور إماراتي في عقد المؤتمر، إلا أنّ التسريبات تؤكد أنه عقد بهدفين، وهما: فتح قنوات التطبيع بين العراق وإسرائيل عبر بوابة كردستان العراق، على غرار التطبيع العربي، أمّا الهدف الثاني، فهو توطين "فلسطينيين" في غرب العراق تمهيداً لإقامة إقليم "سنّي" مستقل، يضم إضافة إلى الأنبار، محافظات صلاح الدين والموصل وديالى، على غرار إقليم كردستان.

اقرأ أيضاً: العراق يلاحق قضائياً دعاة التطبيع مع إسرائيل... ما القصة؟

ثالثاً: الشخصيات العراقية التي حضرت المؤتمر "سنيّة وشيعية وكردية" محسوبة على الطبقة السياسية العراقية، فمن الجانب السنّي حضرت شخصيات محسوبة على ما يعرف بـ"الصحوات" التي تشكلت في المناطق السنيّة لمقاومة القاعدة وداعش بدعم أمريكي،  والشخصيات الشيعية محسوبة أو قريبة من قادة الأحزاب الشيعية "الحكيم ومقتدى الصدر ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي"، ولكل طرف حساباته المستقبلية من المشاركة بهذا المؤتمر، في ظل قناعات تتردد في أوساط كثير من تلك النخب بأنّ قيام العراق بالتطبيع مع إسرائيل سيكون مدخلاً لمواجهة المشروع الإيراني مستقبلاً.

 رابعاً: ارتباطاً بالاتهامات "التاريخية" التي توجه إلى الأكراد بإقامة علاقات مع إسرائيل، وقبول فرضية وجود اختراقات في أوساط السنّة العرب تقبل التطبيع مع إسرائيل، فإنّ اللافت إقدام شخصيات شيعية محسوبة على إيران بالمشاركة في المؤتمر، وهو ما يطرح تساؤلات حول حقيقة الموقف الإيراني من إسرائيل، لا سيّما أنّ القيادة الإيرانية تسيطر بصورة كاملة على النخب السياسية العراقية، تتجاوز مفاهيم أنّ السيطرة تقتصر على النخبة السياسية "الشيعية" بوجود اختراقات واسعة ومعروفة في أوساط السنّة والأكراد، وهو ما أثبتته التطورات منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، والصراعات التي شهدتها المكونات الـ3 "الشيعة، والسنّة والأكراد".

اقرأ أيضاً: إيران توضح الخلفيات الحقيقية للتوتر مع أذربيجان... ما علاقة إسرائيل؟

خامساً: بالرغم من الخطاب الإعلامي للنخبة الشيعية في العراق وباتجاهات إظهار العداء لإسرائيل انسجاماً مع الخطاب الإيراني العلني، إلا أنّ مفاهيم التطبيع مع إسرائيل تزداد حضوراً في هذا الخطاب، ليس من قبل النخب السياسية فقط، بل وفي الأوساط الشعبية الموالية لها، التي طرح بعضها على خلفية "الاحتلال الإيراني للعراق"، والاحتجاجات في مناطق الجنوب والبصرة، ضرورة بناء علاقات مع إسرائيل، فيما تحوّل مفهوم علاقة عراقية مستقبلية مع إسرائيل إلى مفردة سياسية في أوساط النخبة السياسية الشيعية، وترددت على ألسنة مقربين من "مقتدى الصدر ونوري المالكي".

مؤتمر أربيل لم يكن أكثر من رسالة إيرانية حول حدود إمكاناتها ومدى قدرتها على اللعب بالورقة العراقية

سادساً: توقيت انعقاد المؤتمر، وتنوع الحضور، بما يشمل المكونات العراقية، في ظل سيطرة إيرانية مطلقة على العراق، يجيب عن التساؤل حول الدور والأهداف الإيرانية من انعقاده، لا سيّما أنه يتزامن مع تطورات من بينها: مفاوضات إيرانية- أمريكية حول الصفقة القادمة بينهما، ولا يمكن عزله عن سياسات الرسائل المشفرة المتبادلة بين طهران وواشنطن، رغم تصريحات قادة من الحرس الثوري الإيراني بالاستعداد لمواجهة إسرائيل، رداً على تصريحات إسرائيلية بأنها تملك خيارات واسعة، من بينها توجيه ضربة عسكرية لإيران، ويتزامن أيضاً مع موافقة دمشق على استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية ومرورها عبر سوريا إلى لبنان، فيما تتواصل مفاوضات إسرائيلية لبنانية حول ترسيم الحدود البحرية، بقيادة حلفاء إيران "حزب الله وحركة أمل"، وهو ما يعني أنّ مؤتمر أربيل لم يكن أكثر من رسالة إيرانية حول حدود إمكاناتها ومدى قدرتها على اللعب بالورقة العراقية، تصعيداً من خلال فصائل الحشد الشعبي العراقي، أو تطبيعاً من خلال بوابة كردستان في المدى المنظور، وبغداد لاحقاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية