هل يعود العراق إلى بيئته العربية؟

هل يعود العراق إلى بيئته العربية؟


16/01/2022

عثمان الماجد

كمتابع للبرامج الحوارية العراقية التلفزيونية التي تبث على «اليوتيوب»، خصوصا في هذه الأيام التي يشهد فيها العراق حراكا انتخابيا تمخضت عنه نتائج ما تزال مثار جدال أحسبه سيطول بين الأحزاب، يرغمني منتسبو الأحزاب السياسية الحاكمة في العراق على التمسك ببعض مفردات الكتابة التي توجه إلى الممارسات الطائفية؛ حتى ليبدو لمن لا يعرفنا أننا بترديدنا مثل هذه المفردات مصابون بمثل تلك اللوثة التي تصم كل أحزاب السلطة في العراق. ولنعترف جميعا بأن الكتابة في الشأن العراقي أضحت مستحيلة من دون استخدام مفردات بعينها مثل شيعة، سنة، ميلشيات، محاصصة، تمييز، فساد، عمالة، إيران.. وغيرها مما يترك أثرا شائها في الأسماع. وأعتقد جازما أن ذلك لا يعود إلا للأوضاع المزرية التي أسست لها الأحزاب السياسية الحاكمة في العراق شيعية كانت أم سنية. 

 المؤرقات التي ينوء تحت وقرها المواطن العربي بحكم الضغط الناجم عما يجري في العراق، أو بحكم الوعي بما يحاك للعراق ويدبر لها بالليل والنهار، كثيرة. وإحدى أهم هذه المؤرقات مشاهدة تدمير عراق التاريخ وعراق الحضارة وعراق الفسيفساء الاجتماعية الأجمل على الإطلاق على أيادي تيارات سياسية إسلاموية طائفية ترعاها ميليشيات مذهبية تتحصل على الدعم اللازم من إيران لضمان بقائها ممسكة ببوصلة المسار السياسي وتوجيهه إلى حيث تتعزز الهيمنة الإيرانية ويتكرس نفوذها، هذا فضلا عن تعاظم الفساد الذي يُعد أداة فعالة من أدوات المافيا السياسية الماسكة بدواليب الشأن العراقي استجلبتها مع ديمقراطية بريمر والدبابة الأمريكية لتخلف بؤسا اجتماعيا لدى كافة المكونات الاجتماعية العراقية قاطبة، وهذه حالة مستمرة منذ إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003. 

 ورغم ذلك فإننا كلما جد جديد على حراك جماهير العراق استبشرنا خيرا وارتفع منسوب آمالنا لهذه البلاد بتغيير جذري يعود بالعراق والعراقيين إلى حاضنتهم العربية، إلا أن شيئا من ذلك لا يحدث ولا يبدو أنه سيحدث في الأفق القريب طالما بقي العراق على هذا النحو من التجاذب المرير بين قواه المتناحرة على السلطة وليس على رفعة وحرية ورخاء المواطن العراقي.

 آخر هذه المستجدات التي تشيع بعض أمل في هذا الخصوص نجاح إجراء الانتخابات التشريعية في وقتها، على الرغم مما صاحبها من تهويش وعراقيل كانت من صنع الأحزاب التي خسرت الانتخابات وتلك التي تفاجأت بحقيقة وزنها وحجمها في المجتمع العراقي وفي بيئتها تحديدا، وهي أحزاب مدعومة من إيران كانت ممثلة بتحالف الفتح وتضم ممثلين لميليشيات، مثل «حزب الله» في العراق، وعصائب أهل الحق وغيرها من أحزاب اختارت أن تمثل إيران على الأرض العراقية. وأتاح للتيار الصدري أن يحتل مساحة مهمة في المشهد لكي يفرض بعض شروطه التي تستجيب في الحد الأدنى لضرورات إجراء بعض التغيير في منهج الحكم. فبدلا من أن تكون الأغلبية التوافقية وآليتها المحاصصاتية بين أحزاب السلطة على مدى السنوات الماضية سيد المشهد السياسي لاحتكار الأحزاب التي جاءت في عام 2003 مع الأمريكان ونهبت السلطة، يذهب التيار الصدري إلى الأخذ بمفهوم الأغلبية الوطنية. وهو إن سار في هذا النهج فإنه سيجد حتما في القوى الوطنية الرافضة للهيمنة الإيرانية على القرار العراقي، شيعية وسنية وأكراد وغيرها من المكونات المجتمعية سندا داعما. ولعل في انتخاب رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي علامة أولى من علامات نجاح التيار في مسعاه رغم المسرحية التراجيدي-كوميدية التي قام بدور البطولة فيها رئيس جلسة السن محمود المشهداني بغية تأجيل الجلسة الانتخابية طلبا لمتسع أكبر من الوقت للمناورات أو المؤامرات النيابية. 

 صحيح أن تيارات الإسلام السياسي، لا يمكن أن يُعول عليها في انتهاج المبدأ الديمقراطي خاصة في مسألتي التداول السلمي على السلطة، وإعطاء قيمة للإنسان بوصفه مجبولا على الاختلاف في الرأي والمعتقد، وفي هذا لا أنزه طبعا التيار الصدري. ذلك أن المسألة الديمقراطية في عمقها الفكري والفلسفي تتناقض جوهريا مع دعائم الإسلام السياسي وتياراته المختلفة بما في ذلك تلك التي تبدو لنا في ظاهر الأمر حريصة على سيادية القرار الوطني ومختلفة شيئا ما عن التيارات التي ارتضت لنفسها دور الحارس لمصالح أسياده في طهران. ولهذا فإن أمر هذه الأحزاب على اختلاف مسمياتها ومواقفها سيفتضح في معترك النضال من أجل تكريس الحريات وتعزيز مكتسبات الدولة المدنية ودولة المواطنة والقانون والمؤسسات أكثر فأكثر مما هو مفضوح الآن نتيجة لهذا العراك المحتدم بين هذه الأحزاب في ظل مناكفة الإطار التنسيقي الذي يضم التيارات الخاسرة مع تيار إسلاموي آخر وهو التيار الصدري.

 لا شك أن نتائج الانتخابات محبطة لبعض أهم تيارات السلطة الحاكمة الموالية لإيران بشكل لا يصدق، وهي تفتح المجال لتجريب آلية أخرى لتداول السلطة. فهل هذه الانتخابات، يا تُرى، هي بداية عتق العراقيين من ربقة الأحزاب السياسية والميليشيات الولائية؛ ليتدبروا طريقهم في حكم أنفسهم بأنفسهم، ويعودوا بالعراق إلى محيطه العربي بلدا فاعلا يحمل، إلى جانب همومه التنموية، الهم العربي والعمل ضمن منظومته؟ نأمل ذلك.

عن "الأيام"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية