وباء الإسلام السياسي يأبى مغادرة جسد أندونيسيا

وباء الإسلام السياسي يأبى مغادرة جسد أندونيسيا


22/05/2019

هشام النجار

في الوقت الذي تحاصر فيه التنظيمات السياسية المتبنية لأدبيات الإسلام السياسي خاصة منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عزم إدارته تصنيف الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، يبدو أن تغلغل هذا الفكر لن يتبدّد بعد في إندونيسيا التي فاز رئيسها جوكو ويدودو بولاية ثانية لمدة خمس سنوات.

وأعلن جوكو ويدودو فوزه بفترة رئاسية ثانية مدتها 5 سنوات، في الانتخابات التي أجريت في أبريل الماضي، وقد ضمن الأخير فرصا أوسع لمواصلة الحكم في إندونيسيا بإطنابه في مغازلة الإسلاميين بحثا عن تحالفات سياسية متينة تمكنّه من الحكم ثانية.

هذه النتيجة، لم تكن مفاجئة، فإندونيسيا كانت ستجد نفسها أيضا تحت قبضة الإسلاميين حتى لو فاز منافس ويدودو الجنرال السابق برابو سوبيانتو بالانتخابات، فكلاهما انتهج الأسلوب تقريبا، بمراهنتهما على عقد تحالفات متينة مع الإسلاميين.

واشتداد المزايدات الدينية والتنافس بين المرشحين على الرئاسة في إندونيسيا على من يجني تأييد تيار الإسلام السياسي، جعل من الديمقراطية بابا خلفيا لهيمنة المتشددين على الساحة، وأدخل النفوذ المتزايد للإسلاميين الأكثر تطرفا مرحلة متقدمة في طريق إحكام سيطرتهم على البلاد.

وظهر المنعطف المحافظ الذي سارت فيه الانتخابات الرئاسية والتشريعية في إندونيسيا في العديد من الوعود التي بذلها الرئيس الفائز بولاية ثانية جوكو ويدودو للمسلمين المحافظين، وعلى الرغم من شنه حملة مضادة على منافسه سوبيانتو بتصويره أكثر راديكالية وخطرا على التعددية الدينية في إندونيسيا، إلا أن الأول لم يجد وسيلة لموازنة قوة الأخير في الشارع والتي اعتمد فيها على التحالف مع حزب جماعة الإخوان غير استخدام نفس الحيلة والترويج لنفسه في صورة الأقرب لتحقيق مكاسب التيار الديني المحافظ والمتشدّد على السواء.

مغازلة الإسلاميين
يكفي إلى جانب إطلاق سراح القيادي الجهادي أبوبكر باعشير أن ويدودو لجأ إلى اختيار رجل الدين المحافظ معروف أمين نائبا له، وهو رئيس مجلس علماء إندونيسيا الذي يشتهر بآرائه المتحيزة ضد بعض الأقليات، علاوة على ما لعبه من دور في سجن الحاكم السابق لـجاكرتا باسوكي أهوك بورناما المسيحي الديانة عام 2017 عندما اتهم بالإساءة للإسلام.

ولقي اللعب على هذه الأوراق الخطرة عناية خاصة من السياسيين والراغبين في تصدر السلطة بعد انتزاع منصب حاكم جاكرتا من أهوك عبر دعاية دينية محبوكة استدعت تحشيدا دينيا ضخما لعبت خلاله الجماعات الإسلامية الدور الأكبر، ما أدى إلى إزاحة أهوك وتنصيب أنيس باسويدان وزير التربية الأسبق حاكما للعاصمة.

وحسمت المظاهرات الحاشدة التي نظمت في عام 2016 منصب حاكم العاصمة لصالح باسويدان، وجاء هذا الفوز من خلال تحالفه مع جماعات إسلامية استخدمت المساجد للدعاية له من منطلق كونه المرشّح المسلم، وفيما دلت مظاهرات العام 2016 على تنامي عدم التسامح الديني بإندونيسيا، صارت حافزا على رفع الأسهم في أوساط الإسلاميين لكسب نقاط في السباق الانتخابي خاصة وأن كلا المتنافسين ويدودو وسوبيانتو كانا في مقدمة الداعمين لها.

وتُبنى التحالفات في المشهد السياسي والانتخابي الإندونيسي حاليا على ما صنعته تلك الواقعة المفصلية من تحولات، وصار الرهان الأكبر على الدعاية الانتخابية الصادرة من المساجد وعلى تقوية التحالفات مع جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الإسلامية القريبة منها.

وتمتد أصول المشهد الحالي  بتحولاته ورهاناته إلى أبعد من تعقيدات وتشابكات الراهن السياسي بإندونيسيا، وصولا إلى ما تم الانطلاق منه قبل ثلاثين عاما على عجل بعد أحداث مايو في العام 1997، دون وضع أسس وقواعد وتفاهمات تضبط المشهد السياسي وتحمي الديمقراطية الوليدة من اختراقها واستغلالها عن طريق القوى المتشددة تحت ذريعة الحريات السياسية المكفولة للجميع.

كانت الأولوية بعد الاضطرابات السياسية والأمنية الواسعة وانهيار النظام الدكتاتوري الذي استمر لمدة اثنين وثلاثين عاما طي صفحة النظام القديم والتأكيد ولو شكليا على البدء في مرحلة مختلفة تمنح الجميع الحرية السياسية، لذا لم تسبق هذا التحول المفاجئ تمهيدات تضبط ممارسة الحرية السياسية وتلزم الفاعلين في الحقل السياسي بمبادئ من شأنها حماية مستقبل الديمقراطية في البلاد.

وعلى وقع الرغبة المتعجلة في التخلص من النظام الاستبدادي وإظهار إندونيسيا في محيطها السلطوي كبلد ينعم بالحرية السياسية، لم تترسّخ ديمقراطية حقيقية من شأنها إدامة حالة مدنية تعددية متماسكة تصون حقوق الأقليات وتحول دون توظيف الحالة السياسية الناشئة.

وحدث تكاثر كمي لأحزاب سياسية همها فقط الصعود والفوز في الانتخابات وتولي المناصب السياسية والحزبية، وتُركت الساحة دون أفكار ومناهج سياسية نوعية ودون ظهور كيانات مسؤولة تتحمّل مهمة حماية التحوّل الديمقراطي وتطويره حتى لا يستمر كمجرد إجراء شكلي لبعض الوقت، بينما تكمن تحت قشرته الظاهرة ممارسات وتحالفات بعيدة عن جوهر الديمقراطية وروح الدولة المدنية التعددية.

لم يكن اختراق تيار الإسلام السياسي والجماعات المتشددة للواقع السياسي الإندونيسي وتمكنه من توجيه دفة التنافسية السياسية والحزبية باتجاه مصالحه وليد اللحظة ودون مقدمات، حيث بدأت هذه القوى في الصعود بعد أن أوشكت على التلاشي قبل ثلاثة عقود عندما تم التعجيل بديمقراطية إجرائية تتكاثر فيها الحركات والأحزاب من دون حضور منهجي نوعي يفرض المبادئ الحاكمة التي تحول دون سرقة الديمقراطية لحساب تيارات مناهضة لجوهرها تتحكم في الأحداث وتفرض رؤاها الأحادية المتشددة من وراء ستار.

ولم يفكر أحد في عواقب هذا التكاثر، وأشدها خطرا ظهور عناصر القوى الأيديولوجية بطرق عديدة وأساليب متنوعة، منها الانضمام للأحزاب السياسية الجديد منها والقديم والانضمام للحركات الاجتماعية الناشطة في الساحة بغرض الوصول إلى السلطة أو على الأقل التحكم في توجهات من يسيطر عليها عبر القنوات الديمقراطية وبأدوات مشهد ما بعد إسقاط نظام سوهارتو الاستبدادي في العام 1998.

مزيد من التمكين

بعد هذه الانتخابات ونتيجة السعي لاستمالة الأوساط الإسلامية وشعور جماعات الإسلام السياسي بأنها صارت مركز قوة يتحكم في اختيار الرؤساء سيزداد نفوذ الإسلاميين وتيار التشدد الديني بإندونيسيا، والأخطر مزايدة السياسيين على التمييز الديني وهو ما يمنح الجهاديين مجالا أوسع للاستقطاب وكسب التعاطف مع ممارساتهم العنيفة ضد الأقليات والمختلفين في العقيدة.

واستبعد أسعد سعيد علي وكيل الرئيس السابق لهيئة المخابرات الإندونيسية والخبير في الشؤون الأمنية والحركات المتطرفة حدوث تطورات ثورية بعد الانتخابات الأخيرة على الرغم من تركها آثارا لا يستطيع أحد نكرانها على الواقع الاجتماعي والسياسي بإندونيسيا.

وشدد علي في تصريح خاص لـ”العرب” على أن استقرار الحالة الاقتصادية وحصول المواطن على احتياجاته اليومية بأسعار معقولة، علاوة على تعاون مؤسسات الدولة الأمنية والتنفيذية على حماية الاستقرار الأمني، يحول دون انفجار الاضطرابات الموسعة التي لا يمكن السيطرة عليها،  فضلا عن أن الهوية الثقافية والاجتماعية لإندونيسيا لا تزال محمية بأخلاق التسامح والتراحم لدى الغالبية من الإندونيسيين.

ويدعم موقف جماعة الإخوان اجتماعيا جماعات تفرض رؤى متشددة على المجتمع وأخرى مسلحة تعبر عملياتها بشكل عملي عن تحالف خفي بين رأس السلطة وطيف الإسلاميين ما يجعل من الديمقراطية في أكبر بلد إسلامي في العالم من حيث تعداد السكان ستارا لعملية انتهاك غير المسلمين.

وتنعكس هذه التطورات المتعلقة بتغيير سياسة الدولة سلبا على فلسفة نظام حكمها، كما تقلل من المقدرة على مكافحة التطرف وعلى حماية الأقليات الدينية، لكنها لن تصل بإندونيسيا على المدى المنظور إلى اتساع رقعة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية