وقف المد التركي لتسييس الإسلام في أوروبا... ألمانيا تلحق بفرنسا

وقف المد التركي لتسييس الإسلام في أوروبا... ألمانيا تلحق بفرنسا


20/06/2021

لحقت ألمانيا بفرنسا أخيراً فيما يتعلق بتحجيم النفوذ التركي في الدولتين، والذي تنامى عبر إرسال الأئمة الأتراك إلى تلك البلدان التي افتقرت إلى وجود مؤسسات قادرة على تأهيل أئمة محليين منبثقين عن البيئة المحيطة، وقادرين على التعامل معها دون أجندة سياسية موجهة. 

غياب مثل تلك المؤسسات على مدارعقود أتاح لتركيا توطيد النفوذ التركي والقوى الناعمة في تلك البلدان ولدى الجاليات المسلمة، وأوجد مجتمعات من الغيتو المنعزل عن البيئة المحيطة، التي يسهل فيما بعد توجيهها. 

اقرأ أيضاً: لا تستخفوا بالإسلام السياسي وهو القوة المحجبة

في المقابل، وفيما كان النفوذ التركي يتعاظم، كان اليمين المتطرف الموجّه ضد المسلمين يزدهر هو الآخر، في علاقة تحتاج إلى بحث معمق حول السبب والنتيجة، وسط تساؤل يطرح نفسه عمّا إذا كان تنامي النفوذ الأجنبي في بلدان أوروبية سبباً في تدعيم ظاهرة الإسلاموفوبيا وتنامي اليمين، أو أن تنامي الإسلاموفوبيا وفّر أجواءً مواتية لتركيا للنفاذ داخل تلك المجتمعات، على اعتبارها توفر ظهيراً للمسلمين بجمعيات وأئمة ودعم؟

وأيّاً ما كانت العلاقة، فالمؤكد الصلة بين الاثنين، ومن ثم حاجة المجتمعات الأوروبية إلى مواجهتهما معاً، وهو ما بدأت بالفعل تخطو فيه دول خطوات ثابتة، بداية من فرنسا التي أقرّت قانون الانعزالية، ومن بين بنوده منع استقدام الأئمة من الخارج، وتوفير مؤسسات لإعداد الأئمة الفرنسيين، أو ألمانيا التي تلحق بها. 

وقد افتتحت ألمانيا أول من أمس بشكل رسمي برنامجاً حكومياً لإعداد الأئمة المسلمين، وباشر نحو 40 رجلاً وامرأة هذا الإعداد الذي يستمر عامين، ويوفره معهد الإسلام في أوسنابروك في شمال غرب ألمانيا، وبدأت الدروس مؤخراً في المكتبة الواسعة التي تضم 12 ألف مؤلف تم شراؤها من مصر، بحسب ما أورده موقع "دويتشه فيله". 

 

 افتتحت ألمانيا مؤخراً بشكل رسمي برنامجاً حكومياً لإعداد الأئمة المسلمين، وباشر نحو 40 رجلاً وامرأة هذا الإعداد الذي يستمر عامين، ويوفره معهد الإسلام في أوسنابروك

 

ويُتاح هذا الإعداد لحاملي شهادة في الفقه الإسلامي أو شهادة موازية، ويتضمن فترات تدريب محورها الجانب العملي والتثقيف السياسي أيضاً، وتدعم السلطات الفيدرالية ومقاطعة ساكسونيا السفلى خصوصاً هذا البرنامج مالياً، في بلد يتراوح عدد المسلمين فيه بين 5,3 و5,6 مليون إنسان؛ أي 6,4 إلى 6,7% من إجمالي السكان.

 ونقل الموقع الألماني عن إسنيف بيجيتش، الذي يرأس معهد الإسلام، أنّ هذا الإعداد "يتسم بميزتين؛ إذ نريد أن نعكس واقع حياة المسلمين في ألمانيا، فيما الدروس تتم حصراً باللغة الألمانية"، وأضاف أحد الطلاب ويُدعى إندر تشتن الذي يعمل بشكل تطوعي في سجن أحداث في برلين: "نحن ألمان مسلمون، نحن جزء لا يتجزأ من المجتمع، ولدينا الآن فرصة لنصبح أئمة يتلقون إعداداً محلياً".

اقرأ أيضاً: مخالب الإسلام السياسي

وقبل إطلاق البرنامج، الذي يحتاج إلى نحو عامين لكي يؤتي ثماره، كان غالبية الأئمة في ألمانيا من دول مسلمة، ولا سيّما تركيا، ويتلقون الإعداد في دولهم الأم التي تدفع رواتبهم، فنصف رجال الدين الذين تتراوح أعدادهم بين 2000 و2500 ينتمون إلى منظمة "ديتيب" التركية التابعة مباشرة لوزارة الأوقاف التركية، وتدير 986 مسجداً في ألمانيا، حسب مؤسسة كونراد أديناور.

 أمّا الآخرون، فيأتون بنسبة 80 إلى 90% من دول شمال أفريقيا وألبانيا ويوغوسلافيا السابقة، وفق المصدر نفسه. وفي غالبية الأحيان يأتي هؤلاء إلى ألمانيا لفترة 4 إلى 5 أعوام، وبعضهم مع تأشيرة دخول سياحية من دون أن يعرفوا البيئة الثقافية والاجتماعية المحلية.

ويوضح إندر تشتن، وهو ابن مهاجرين أتراك، ولد في برلين: "رجال الدين هؤلاء لا يتكلمون لغة الشباب الذين لا يفهمون التركية جيداً في غالب الأحيان، ومن المهم أن يكونوا على تماس مع واقع المجتمع المتعدد الثقافات، الذي يتعايش في إطاره مسيحيون ويهود وملحدون ومسلمون"، ويضيف أنّ بعض رجال الدين، وهم موظفون لدى الدولة التركية، "يطبقون أجندة" سياسية في ألمانيا.

 

قبل إطلاق البرنامج الذي يحتاج إلى نحو عامين لكي يؤتي ثماره، كان غالبية الأئمة في ألمانيا من دول مسلمة، ولا سيّما تركيا، ويتلقون الإعداد في دولهم الأم التي تدفع رواتبهم

 

ولا يتوقف الأمر عند اختلاف البيئة واللغة، ولكن الأغراض السياسية التي تحوّلت من محض الشكوك إلى الأمر الواقع، بعد اتهام عدد من الأئمة الأتراك بالتجسس لصالح الحكومة على معارضين أتراك وأكراد في ألمانيا، وذلك في العام 2017. 

وفي العام التالي، بدأت الدعوات الرسمية للانتباه إلى مخاطر هؤلاء الأئمة، بدعوة من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمام البرلمان لاعتماد برنامج لإعداد الأئمة، وقالت: "هذا الأمر سيجعلنا أكثر استقلالية، وهذا ضروري من أجل المستقبل". 

اقرأ أيضاً: هل ينفي العمل السلمي تطرف الإسلام السياسي؟

أمّا فيما يتعلق بالوجه الآخر للقضية، وهو اليمين المتطرف، فقد أعلنت "الهيئة الاتحادية لحماية الدستور" (الاستخبارات الداخلية بألمانيا) زيادة عدد الأشخاص الذين يتبنون مواقف يمينية متطرفة في ألمانيا من جديد العام الماضي.

وجاء ذلك في تقرير الهيئة لعام 2020 الذي عرضه وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر أمس بالعاصمة برلين مع رئيس الهيئة توماس هالدنفانغ.

وبحسب التقرير، فقد ارتفع عدد الأشخاص المحتمل انتماؤهم للتيار اليميني المتطرف بنسبة 3.8%، ووصل إلى 33 ألفاً و300 شخص، وجاء في تقييم الهيئة أنّ 40% تقريباً من هؤلاء الأشخاص تصنفهم الهيئة على أنهم "يتسمون بالعنف أو مروجون للعنف أو داعمون للعنف أو مؤيدون للعنف".

وأكد زيهوفر أنّ الخطر الأكبر على الأمن في بلاده يأتي من اليمين المتطرف ومعاداة السامية.

وفي تقرير سابق لموقع الحرّة، ربط بين ازدياد هجمات اليمين المتطرف وبين تنامي النفوذ التركي في ألمانيا، وأشار إلى أنّ اليمين المتشدد في ألمانيا يسعى لمحاصرة نفوذ الأئمة الأتراك، فقد شهد العام الماضي هجمات متكررة على منشآت تركية في برلين وشتوتغارت ومدن أخرى، وخاصة احتراق مساجد وجمعيات ومطاعم يديرها أتراك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية