5 أزمات سياسية ساهمت الدبلوماسية الرياضية في انفراجها

الرياضة والسياسة

5 أزمات سياسية ساهمت الدبلوماسية الرياضية في انفراجها


19/12/2019

عندما تتوتر العلاقات السياسية بين الدول، عادةً ما يرافقها قطع العلاقات على المستوى الرسميّ، وفي معظم الأحيان، يكون من الصعب كسر الجمود في العلاقات والاتجاه بشكل مباشر نحو التواصل على المستويات المباشرة، فتكون القنوات غير المباشرة هي البديل والسبيل للتعبير عن حسن النوايا، وبدء واستئناف مسار العلاقات من جديد، وعادةً ما تكون الرياضة والمنافسات الرياضية، باعتبارها تحظى بمتابعة واهتمام على مستوى واسع بين الشعوب، إحدى السُبُل المهمة في هذا الشأن.

"البينغ بونغ"... تعيد العلاقات المقطوعة بين دولتين عُظميين
بعد الثورة الماوية في الصين، عام 1949، قطعت الولايات المتحدة كلّ العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية، باعتبارها أصبحت دولة شيوعية معادية، واستمر العداء لأكثر من عقدين، إلى أن جاء عام 1971؛ عندما تمت دعوة تسعة لاعبين أمريكيين في لعبة "تنس الطاولة" لبكين، للمشاركة في مباريات هناك.
خاض فريق تنس الطاولة الأمريكي المباريات مع نظيره الصيني، وكانوا أول أمريكيين يقومون بزيارة للصين، ولتكون هذه المباريات بمثابة أول تواصل علنيّ بين الدولتين منذ أكثر من عشرين عاماً، ونقلت المباراة متلفزة، نقلت عبر الشاشات إلى جميع أنحاء العالم، وأظهرت الوجه الودود للصين.

اقرأ أيضاً: الأُلتراس تطوي صفحة الاستغلال الإخواني للرياضة
وإثر ذلك، وفي السنة التالية، قام الرئيس الأمريكي، نيكسون، بزيارة رسمية للصين، التقى فيها الزعيم الصينيّ، ماوتسي تونغ، ولينكسر بذلك جليد العلاقات بين البلدين، ويبدأ بتأسيس علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، والفضل الأول في ذلك حازته الرياضة، وأصبحت بذلك حادثة "البينغ بونغ" نموذجاً لتطبيع العلاقات بين الدول المتنازعة، وباتت تعرف هذه المقاربة في كسر جليد العلاقات بين الدول من خلال الأدوات الناعمة باسم "دبلوماسية البينغ بونغ".

لاعبون من الفريقين الأمريكي والصيني عقب المباراة التاريخية

الألمانيتان.. على أرض ملعب واحد
خلال أعوام الحرب الباردة، ازدادت حدّة التوترات الدولية، وتحديداً بين المعسكرين الشرقي والغربي، وكان للمنافسات الرياضية التي شهدت مشاركة دول من المعسكرين دورها في التذكير والتأكيد على الحاجة إلى تجاوز الصراع والحفاظ على السلام والتعاون بين الشعوب.

نُقلت مباراة البينغ بونغ التاريخية بين الفريقين الصيني والأمريكي عبر الشاشات وأظهرت الوجه الودود للصين

وفي بطولة كأس العالم لكرة القدم، عام 1974، المنعقدة في ألمانيا الغربية، أوقعت القرعة الفريق المضيف إلى جانب فريق ألمانيا الشرقية، ولتكون بذلك المباراة الوحيدة بين المنتخبين في تاريخهما.
كان "ستاد هامبورغ" مسرحاً لهذه المواجهة التاريخية، وقد حضر المباراة ألف وخمسمئة مشجع من ألمانيا الشرقية، قدموا من الشطر الشرقيّ لبرلين إلى هامبورغ عبر قطار خاص، ورغم حدّة الأزمات السياسية بين البلدين، إلا أنّ أجواء المباراة سادها الاحترام المتبادل، وتميّز لاعبو المنتخبين بروح رياضية، وحافظوا على اللعب النظيف.


لم تتسبّب المباراة في فتح محادثات مباشرة بين البلدين آنذاك؛ بسبب تعقيد المشهد الدولي، لكنّها ساهمت، عبر الطابع الوديّ الذي صاحبها، في إذكاء جذوة التواصل بين البلدين على المستوى الشعبيّ، والتي استمرت مشتعلة واستمرت بالتصاعد حتى انهار جدار برلين بعد نحو عقد ونصف العقد، وتوحد شطري ألمانيا من جديد.

قائدا الفريقين قبل بداية المباراة

ملاكم يلتقي رئيس دولة... ويحلّ أزمة رهائن
بعد دخول القوّات العراقية للكويت، في آب (أغسطس) عام 1990، اعتقل العراق الرعايا الأمريكيين المتواجدين في الكويت حينها، وبسبب تأزم الأوضاع الدولية، لجأ العراق إلى تحويلهم إلى رهائن في ظلّ تزايد حدّة المساومات التي عرفتها المفاوضات الدولية التي صاحبت أزمة الخليج. 

اقرأ أيضاً: الرياضة بين التسييس والقرصنة!
حصلت عدّة محاولات من قبل مسؤولين أمريكيين لرفع الحجز عن الرهائن، واعتمدت أساليب الضغط والتهديد، فكان الردّ العراقي برفض هذه المحاولات وعدم الاستجابة لها، وفي ظلّ تلك الأجواء، جاءت زيارة الملاكم الأمريكي الشهير، محمد علي كلاي، إلى العراق، وزار المراقد والجامعات والمدارس، والتقى بمختلف فئات الشعب العراقيّ، والتقى كلاي الرئيس العراقيّ، صدام حسين، وطلب منه الإفراج عن الرهائن، فاستجاب الرئيس لمبادرته، ولم يرد طلبه، فأسهم كلاي بذلك في الإفراج عن المحتجزين الأمريكيين، وتمكّن من حلّ الأزمة عبر استثمار شعبيته الرياضية ورصيد المحبة الواسع الذي يحظى به، وفي هذا الفيديو تسجيل للقاء محمد علي كلاي بصدّام حسين:

دورة ألعاب.. تذيب الجليد وتعيد مسار التقارب من جديد
منذ حرب عام 1950، وشبه الجزيرة الكورية منقسمة بين الشمال والجنوب، وقد ازدادت حدّة التوتر والانقسام بين الكوريتين بسبب الخلافات الحادّة في الأيديولوجيا والتحالفات الدولية لكلّ منهما، وبلغ الخلاف ذروته مع اتجاه كوريا الشمالية نحو تطوير وامتلاك السلاح النوويّ، وتشهد العلاقات بينهما تذبذباً بين فترة وأخرى؛  فتارةً تشهد اشتباكات وتقترب من حالة الحرب، وتارةً تشهد محادثات، لكنها تبقى متعثرة وعاجزة عن تجاوز الخلافات، إلا أنّ دورة الأولمبياد الشتوية الأخيرة، التي انعقدت في مدينة "بيونغ تشانغ" الكورية الجنوبية، عام 2018، حملت معها تطوّرات غاية في الإيجابية وذات دلالات مهمّة على صعيد العلاقة بين البلدين.

استجاب صدام حسين لطلب محمد علي كلاي لرفع الحجز عن الرهائن الأمريكيين بعد أن رفض طلب المسؤولين الأمريكيين

فقبل بدء البطولة بأيام عقد لقاء بين زعيمي البلدين في قرية "بانمونجوم" الحدودية، وجرى فيه الاتفاق على مشاركة كوريا الشمالية في الدورة، كما تمّ الاتفاق على أن تحمل فرقهما علم "كوريا الموحدة"، في تعبير عن نية كلٍّ منهما التوجّه نحو المصالحة.
وقال الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي إن، في اللقاء: إنّ "دورة الألعاب الأولمبية يمكن أن تكون فرصة كبيرة للتحرك نحو السلام"، وشهدت الألعاب استضافة مئات الكوريين الشماليين الزائرين ما ساهم في الدفع بالاتجاه نحو التقارب بين البلدين، وساعدت الألعاب على تنشيط المحادثات حول نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية.

رفع علم كوريا الموحدة في المدرجات.. أثناء دورة الألعاب

البطولة الخليجية تحقق أكبر قدر من الانفراج في الأزمة
بعد بدء الأزمة الخليجية، عام 2017، ازدادت حدّة التوتر بين الدول الخليجية الثلاث المقاطِعة: السعودية، والإمارات، والبحرين، وبين دولة قطر، ورافق ذلك إغلاق الحدود، وإيقاف الرحلات، وقطع سبل التواصل الدبلوماسيّ الرسمية، وخلال أكثر من عامين، استمرت الأزمة تراوح مكانها دون حدوث أيّة بوادر للتقدم والانفراج.
استمرت حالة الجمود في العلاقات إلى أن جاءت بطولة "خليجي 24" الكروية، في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2019، التي تستضيفها قطر، وكان التطور المفاجئ مع إعلان الثلاثي الخليجي (السعودية والإمارات والبحرين) نيته المشاركة، رغم قرار سابق لتلك الدول بمقاطعة البطولة، في المقابل رفعت الدوحة شعار "أهلاً بالجميع.. في دوحة الجميع"، شعاراً ذا دلالة للبطولة.

اقرأ أيضاً: أردوغان وكرة القدم.. كيف يستغل المستبدون الرياضة؟
ووصلت منتخبات المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وسط استقبال قطري رسمي، كما وصل مشجعو المنتخبات الثلاثة، عبر أولى رحلات الطيران الجويّ المباشر من الدول الثلاث باتجاه قطر منذ بداية الأزمة، ما عبّر عن دخول مرحلة جديدة، رُفعَت فيها حواجز التنقل والسفر، وفتحت فيها الحدود من جديد بين الدول الخليجية المتجاورة، لتصبح بذلك البطولة الرياضية الكرويَة فرصة لبدء مسار حلّ الأزمة.

استقبال لاعبي المنتخب الإماراتي في مطار الدوحة.. وأول رحلة جوية بين البلدين منذ الأزمة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية