جبل الأربعين في أريحا: على قمته صام المسيح وتعبّد

جبل الأربعين في أريحا: على قمته صام المسيح وتعبّد

جبل الأربعين في أريحا: على قمته صام المسيح وتعبّد


02/03/2024

على قمّة مرتفع يرتقي 350 متراً فوق مستوى سطح البحر، ووسط المنطقة الصحراوية الممتدّة بين القدس وأريحا ونهر الأردن، يتربّع "جبل الأربعين"، في إشارة إلى المدة التي قضاها السيد المسيح على الجبل، صائماً ومتعبداً، أو "جبل قرنطل"، الذي يرتبط باسم الدير المحفور بين صخوره على يد البيزنطيين في القرن السادس الميلادي.

أريحا تزخر بالمواقع الأثرية، والتي تعود للعصور القديمة، ومن أبرزها تل السلطان، الذي يعود للعصر الحجري الحديث قبل 10 آلاف سنة

 وتعدّ مدينة أريحا في الضفة الغربية، من أقدم مدن العالم على الإطلاق، وتقع عند مستوى 250 متراً تحت سطح البحر، ولا تماثلها في ذلك أيّة مدينة أخرى في العالم، ويقصدها الفلسطينيون والسياح من مختلف أنحاء العالم؛ حيث تضمّ المدينة العديد من المواقع الأثرية، منها قصر هشام، الذي توجد فيه لوحة فسيفساء ضخمة هي الأكبر على الإطلاق، إضافة إلى العديد من الأديرة، منها: دير حجلة ودير وادي القلط.

يطلق عليه أيضاً جبل التجربة وقرنطل

ووفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"؛ فإنّ أريحا، الواقعة الآن في الضفة الغربية، ازدهرت في العصور القديمة بفضل قربها من المياه العذبة النابعة من واحة معمرة، تسمى عين السلطان، والتي سمحت للصيادين والرعاة بالاستيطان فيها وزراعة المحاصيل، وفي نهاية المطاف؛ اتّسعت رقعتها لتصبح مدينة أريحا.

تحفة معمارية فريدة

بدوره، يقول مدير دائرة المواقع الأثرية في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، محمد جرادات: إنّ "جبل الأربعين، الذي يطلق عليه أيضاً جبل التجربة وقرنطل، يضمّ أقدم أديرة الروم الأرثوذكس التاريخية المشيدة على سفوح جبال وادي القلط، غرب أريحا، التي تعود إلى العام 325م، إبان عصر الملكة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين الأول".

محمد جرادات

وأوضح جرادات، خلال حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "الجبل يعدّ تحفة معمارية فريدة؛ حيث يضمّ ممرّات وغرفاً صخرية تتوسّط عمق الجبل، إضافة إلى الدير، الذي علق جزء منه بالهواء والجزء الآخر جرى نحته بداخل جوف الجبل"، مبيناً أنّ "الدير اكتسب مكانته الدينية لصلته بالسيد المسيح، بحسب المعتقدات المسيحية، التي تشير إلى أنّ السيد المسيح أقام في مغارة تحت الدير طيلة أربعين يوماً صائماً، كما تقول رواية أخرى: إنّه بعد أن عمد يوحنا المعمدان، المسيح في نهر الأردن القريب، اعتكف المسيح في هذا الجبل، ولحقه الشيطان، ودارت بينهما أحداث فصلها إنجيل لوقا، وفي هذا المكان قال المسيح لإبليس "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".

صعود 150 درجة لبلوغ الدير

وتابع: "طريق الوصول إلى الدير وعرة وشديدة الانحدار ويصعب تسلّقها، وكان يتطلّب الوصول إليه، في بداية تسعينيات القرن الماضي، السير على الأقدام لمسافة تصل إلى ما يقارب 300 متر، أما حالياً، ومع وجود تلفريك السلطان، فلا تزيد مهمة الوصول إلى الدير سوى خمسة دقائق فقط، ويتبقّى على الزائر صعود 150 درجة لبلوغ الدير والتجوّل داخله".

اقرأ أيضاً: الحياة على ذمة الموت: عائلات غزاوية تعيش في المقابر

وبيّن جرادات أنّ "الدير مليء بالمعالم الدينية، كالصلبان والمنحوتات المتعددة للسيد المسيح، عليه السلام، وكذلك اللوحات الفنية التي رسمت على سقف الدير، كما تمتلئ الشقوق الصخرية بجدران الدير بالأمنيات التي كتبها الزائرون على قصاصات صغيرة من الورق، على أمل تحقيقها من قبل الرب، مشيراً إلى أنّ الدير يشرف عليه، وتديره بطريركية الروم الأرثوذكس، ويسكنه أربعة رهبان اليوم لاستقبال الزوار من جميع أنحاء العالم".

مدير مديرية السياحة والآثار في محافظة أريحا، إياد حمدان، لـ "حفريات": الجبل يضمّ 40 كهفاً، سكنها الرهبان في الأيام الأولى للمسيحية ما جعلها قبلة للزوار

وأضاف: "الدير في داخل الجبل يفتح أبوابه للزائرين والحجاج القادمين إليه، سواء من داخل فلسطين أو خارجها، على مدار الساعة"، مشيراً إلى أنّ "المنطقة شهدت سابقاً حركة سياحية نشطة، إلا أنّه، وبعد انتشار وباء كورونا حول العالم، تقلّصت السياحة الأجنبية القادمة للدير بشكل كلّي، واقتصر الدّير والمناطق الأثرية والتاريخية المحيطة به على استقبال أعداد محدودة من الزائرين المحليين من داخل فلسطين".

اقرأ أيضاً: قرية أثريّة فريدة من 3 أفراد فقط في بيت لحم

ويرى مدير مديرية السياحة والآثار في محافظة أريحا، إياد حمدان، لـ "حفريات": أنّه "خلال سيطرة الصليبيين على الدير، عام 1099، وأطلقوا عليه اسم "جبل الأربعين"، مبيناً أنّه "بعد أن أصبحت فلسطين عضواً في منظمة "اليونسكو" وتسجيل عدد من المواقع الأثرية الفلسطينية على لائحتها التراثية، تستعدّ وزارة السياحة والآثار حالياً لتسجيل المكان على لائحة التراث العالمي ضمن ما تسمى البرية والأديرة الصحراوية".

 إياد حمدان

وتابع: "الجهة الشرقية من الجبل تضمّ 40 كهفاً، سكنها الرهبان في الأيام الأولى للمسيحية، ليحمل المكان دلالات تاريخية ودينية للطوائف المسيحية الشرقية والغربية"، مشيراً إلى أنّه "ما يزال إلى يومنا هذا يرفض بعض الزائرين المسيحيين وعدد من النسّاك والرهبان ركوب التلفريك للوصول إلى الدير في أعلى الجبل، ويتمسكون بالسير على الأقدام للوصول إليه، تيمناً بالسيد المسيح عليه السلام".

السياحة الدينية

وأكّد حمدان أنّ "وزارة السياحة والآثار تهتمّ بالمواقع الأثريّة الدينيّة، الإسلاميّة والمسيحيّة، لتنشيط السياحة في أريحا والأراضي الفلسطينية؛ حيث يشهد الدير إقبالاً متزايداً من قبل السياح والحجاج من مختلف أنحاء العالم للاطلاع عليه عن قرب، بعد توفير كافة الخدمات اللازمة التي تهدف لخلق أجواء سياحية إيجابية، موضحاً أنّ السياحة الدينية للمواقع الأثرية في فلسطين تصل إلى 62% من إجمالي السياحة السنوية القادمة إلى أريحا".

اقرأ أيضاً: مريضات فلسطينيات بسرطان الثدي تقتلهن إجراءات الاحتلال الإسرائيلي

وعن أبرز المواقع الأثرية في أريحا، يقول حمدان: إنّ "أريحا تزخر بالمواقع الأثرية، والتي تعود للعصور القديمة، ومن أبرزها تل السلطان، الذي يعود للعصر الحجري الحديث قبل 10 آلاف سنة، وتل المهجر، ويعود للعصر الحجري النحاسي قبل 6 آلاف سنة، وتلول أبو العلايق، والذي يعرف بقصر هيرودس الشتوي، الذي يقع على ضفاف وادي القلط، ويعود للعصر اليوناني والروماني، وهناك أيضاً دير حجلة ودير القديس جورج، اللذان يعودان للعصر البيزنطي، ومقام النبي موسى، الذي يعود للفترة الإسلامية، إضافة إلى المناطق الطبيعية؛ كالبحر الميت، ونهر الأردن، ووادي القلط".

تلفريك

من جهته، يقول مروان سنقرط، مدير تلفريك ومجمع السلطان السياحي بأريحا، خلال حديثه لـ "حفريات": إنّ "التلفريك، الذي يمتدّ على مسافة 1400 متر وبارتفاع 177متراً عن سطح البحر، تمّ إنشاؤه خلال العام 1998، لجذب السائحين في أريحا بشكل خاص، والأراضي الفلسطينية بشكل عام، ويعدّ الأول من نوعه في فلسطين الذي يدخل موسوعة غينيس باعتباره أطول تلفريك في العالم تحت مستوى سطح البحر".

مروان سنقرط

وتابع أنّ "التلفريك هو محطة دائمة للسياح القادمين إلى أريحا، وهو يصل منطقة عين السلطان وصولاً إلى جبل قرنطل أو الأربعين"، مبيناً أنّ "التلفريك يضمّ 12 عربة، تستطيع نقل 700 راكب خلال الساعة الواحدة، كما وتشمل المحطة السفلية للتلفريك مطعماً يتّسع إلى مئات الأشخاص، وعدد من المحال المتخصصة ببيع التحف الشرقية".

اقرأ أيضاً: تردّي الأوضاع الاقتصادية يدفع سكان غزة إلى أفران الطين

وأكّد سنقرط أنّ "المنطقة تشهد رواجاً سياحياً متزايداً للزائرين الوافدين من عدة دول أوروبية وإسلامية، كالهند وماليزيا وألمانيا وإيطاليا وأندونيسيا وجنسيات أخرى، متمنياً إدراج أريحا على لائحة التراث العالمي في أقرب وقت ممكن، لجذب المزيد من السياح العرب والأجانب إليها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية