المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة.. جدل التقبل الثقافي بين الأديان

المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة.. جدل التقبل الثقافي بين الأديان


10/05/2018

اختتمت في أبوظبي أمس الأربعاء، فعاليات المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة تحت عنوان “الفرص والتحديات”، والذي عُقد برعاية وحضور الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح وحضور أكثر من 600 مشارك من علماء دين وباحثين وشخصيات رسمية وثقافية وسياسية، يمثلون أكثر من 150 دولة.

وكانت اللجنة المنظمة للمؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة، برئاسة علي راشد النعيمي، أعلنت في 16 أبريل الماضي عن إطلاق المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، ومقرّه العاصمة الإماراتية أبوظبي، ليمثّل الغطاء القانوني والشرعي للمسلمين في مختلف أرجاء العالم.

وأشاد المشاركون بدور التنسيق بين الجاليات الإسلامية واستثمار طاقتهم وكذلك توعيتهم بأهمية مراعاة النظم والقوانين في البلاد التي يعيشون بها واحترامها. من بين الشخصيات التي حضرت مؤتمر أبوظبي الذي انعقد على مدى يومين، رجب ميداني، رئيس ألبانيا السابق، وطارق الكردي رئيس مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون الأقليات في العالم، وكيشو نيفانو، رئيسة الحركة البوذية-اليابان، وأندرياس كريفر الأمين العام لمؤتمر السلطات المحلية والإقليمية لمجلس أوروبا، بالإضافة إلى عدد من وزراء وقيادات المجتمعات المسلمة في العالم.

وكان وزير التسامح الإماراتي قال في كلمته الافتتاحية إن تجربة دولة الإمارات تشير بكل وضوح إلى أن التسامح بين الأفراد والجماعات على المستويين المحلّي والعالمي، يتطلب توافر عوامل متعددة، أهمها وجود قيادة واعية وحكيمة وشعب واع حريص على كل عوامل السلام، إضافة إلى دور التعليم والإعلام دون تعصب أو انحياز، إلى جانب دور باقي مؤسسات المجتمع في مكافحة التعصّب والتطرّف والتمسّك بالقيم الإنسانية التي يشترك فيها جميع السكان في هذا العالم الواحد.

ونبّه الوزير إلى أنّ التعامل مع ظاهرة التنوع والتعددية في خصائص السكان يعتبر أحد أهم التحديات في هذا العصر، مشيرا إلى أنّ المجتمعات الناجحة والمتقدمة ينتشر فيها الأمان والسلام والانتماء والولاء والنظرة الواثقة نحو المستقبل، داعيا المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة إلى إجراء البحوث والدراسات للمجتمعات المسلمة، وما قد تعانيه البعض من هذه المجتمعات من فقر وأمية والمساهمة في تحقيق انتماء المسلمين في بلدانهم ويعزّز هويتهم الإسلامية ويجعل منهم مصدر خير وعطاء، إضافة إلى جعل الشباب المسلم في اهتمامات المنظمة لأن الشباب تؤثر فيهم التكنولوجيا وتجعلهم أهدافا للأفكار المتطرّفة

تسامح بين الأديان
مؤتمر أبوظبي الذي حضرته فعاليات دينية وقيادات روحية من أديان متعددة، لم يكتف بالدعوة إلى الحوار والانفتاح والتقارب بين مختلف الأديان، بل شدد على إعادة النظر في قضايا مفصلية داخل الديانة الواحدة، بغية إزالة الحواجز التي من شأنها أن تكرس العزلة والانزواء.

وفي هذا الصدد قال علي راشد النعيمي، رئيس اللجنة العليا للمؤتمر، إن المؤتمر يبحث قضايا اندماج المسلمين في المجتمعات الأخرى التي يعيشون بها دون ذوبان الهوية والاستيعاب. أضاف خلال ترؤسه للجلسة العلمية الأولى بالمؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة، أن المجتمعات الإسلامية في الخارج كانت تعيش على فقه الضرورة، رغم أن فقه الضرورة له زمانه ومكانه ولا يصلح أن يستمر كثيرا.

وأوضح النعيمي، أنه يجب على المجتمعات المسلمة بالخارج أن تنتقل من فقه الضرورة إلى فقه المواطنة والاندماج مع المحافظة على الهوية وعدم ذوبانها.

من جانبه، أكد رجب ميداني، رئيس ألبانيا السابق، أن الطريقة الناجحة لاستيعاب المجتمعات المسلمة في دول العالم هي التكامل وقبول كل طرف ثقافة الطرف الآخر، للتأقلم في ما بينهم، مضيفا انه كان من الشائع أن تسود ثقافة واحدة على الجميع، إلا أن الهجرة التي حدثت عبر الأزمنة المتعاقبة غيّرت تلك الهيمنة، وأثبتت أن النموذج المتعدّد للثقافات هو القابل والشامل لاحتواء الثقافات المختلفة.

وطالب بوجود سياسة وتوجه جديد للتنوع يضم نموذجا متعدد الثقافات، لافتا إلى أن “هناك التزامات يجب علينا أن نتبعها، من بينها احترام الأقليات وإيجاد قوانين تحميها بغض النظر عن ديانتهم، وتبنّي رؤية مجتمعية متماسكة ودعم ثقافة الحوار والتواصل”.

وأشار ميداني إلى أنه يجب على الأقليات أن تتعلم ثقافة الأغلبية حتى تكون هناك حالة اندماج والاستيعاب حيث تشكّل عملية الاستيعاب في غرب أوروبا مشكلة، مشددا على ضرورة التكامل من الجانبين وقبول ثقافة الآخر، ولا بد للدول المصدرة للأقلية أن تتقبل ثقافة الدول التي صدرت إليها، كما يجب أن تتقبل الأقلية ثقافة دول الأغلبية وأن تتقبّل الأغلبية ثقافة الأقلية يتسامح.

ولم يغفل مشاركون عن وجوب التنبّه إلى أن وجود المسلمين كأقلية في بلد ما في العالم، لا يشبه وجودهم في بلد آخر، وذلك بالنظر إلى الخصوصيات الثقافية والمجتمعية، وفي هذا الصدد قدّم الباحث صافي قصقص، رئيس الحوار بين الأديان بالولايات المتحدة، ورقة بحثية بعنوان “الأقليات المسلمة: من التنوع إلى التعددية”، وقال فيها “لا نعرف الكثير عن المجتمعات المسلمين في البعض من دول العالم، فمن المؤكد أن وضع مسلمي كمبوديا يختلف حتما عن وضع مسلمي أميركا”.

وطالب قصقص باستحداث لجنة تجمع مختلف المجتمعات المسلمة في دول العالم حتى نلتمس طبيعة التحديات التي يواجهها المسلمون والتي تختلف من بلد لآخر، مضيفا “نحتاج إلى منهجية معينة للاطلاع على المجتمعات المسلمة في العالم، مع الأخذ في الاعتبار أننا نعيش في عصر مختلف يحمل في طياته إشكاليات مختلفة، لذا يجب علينا أن نتجاوز سلبيات الماضي والانفتاح على التجارب الناجحة”.

وأضاف “التعددية تعني أنه بإمكانك الجلوس والتحاور مع الآخرين دون خوف أو إكراه.. إذا أردنا أن نتمثّل السنّة النبوية”.

ومن جهة أخرى، وتعليقا على أهمية المؤتمر، قالت كيشو نيفانو، رئيسة الحركة البوذية العالمية، إن دولة الإمارات العربية المتحدة، تؤكد للعالم في كل مرة أنها منصة عالمية لنشر التسامح وثقافة التعايش معربة عن تقديرها للدور الإماراتي المتمثل في نشر ثقافة التسامح والتعايش.

يذكر أن هذا المؤتمر يعتبر حدثا هاما يمكن أن يثمر نتائج ملموسة، وهو يحسب لدولة الإمارات التي حققت إنجازات هائلة في هذا الجانب، إذ قال وزير التسامح الإماراتي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان “نحن في الإمارات ننطلق في ذلك كله من تعاليم الإسلام الحنيف ومن تراثنا الوطني والقومي الخالد ومن العزم والتصميم على أن تكون الإنجازات الهائلة التي تحققها الدولة في كل المجالات قوة دفعٍ إيجابية، لتحقيق السلام والرخاء في المجتمع، إنني أشير إلى ذلك كله لأنني أرجو أن يكون نموذج الإمارات في بناء المجتمع البشري الناجح أمامكم وأنتم تبحثون سُبل تمكين المجتمعات المسلمة في العالم، بل وأنتم تدرسون كذلك دور الدول ذات الأغلبية المسلمة في تشكيل نظرة العالم إلى الإسلام والمسلمين”.

تعايش بين الطوائف
تعمّد مؤتمر أبوظبي أن يضمّ مختلف الفعاليات الدينية ويدعو ممثلين عن طوائف لها ثقلها وتاريخها من المطران إلياس عوده، كممثل لكنيسة الروم الأرثوذكس في لبنان، إلى كيشو نيفانو، رئيسة الحركة البوذية العالمية في اليابان، وذلك حرصا منه على الاستفادة من جميع المداخلات والإفادات على اعتبار أن المسلمين ليسوا جزيرة منفصلة عن ثقافات العالم. وهم معنيون بمعرفة من يجاورهم ويجاورونه، وكذلك تقبل ثقافة المجموعات التي يذهبون إليها والمجموعات التي تأتي إليهم.

نزاعات كثيرة نشأت على خلفيات طائفية ومذهبية داخل الديانة الواحدة، وها هو العالم الإسلامي تشهد البعض من أقاليمه حروبا ذات صبغة سياسية طائفية. هذا الأمر لم يغب عن مداولات ومداخلات مؤتمر أبوظبي في دولة الإمارات التي تضم أكثر من 200 جنسية، وأثنى جميع المشاركين على هذا النموذج الفريد من التسامح والتعايش حيث لا وجود لشيء اسمه أقلية داخل دولة المواطنة.

وفي هذا الصدد قال وزير التسامح الإماراتي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، “تجربتنا في الإمارات تشير بكل وضوح إلى أن التسامح والتعايش بين الأفراد والجماعات والعمل المشترك في سبيل خدمة الوطن والعالم هو أمر يتطلب توافر عوامل متعددة، أهمها وجود قيادة وطنية واعية وحكيمة وشعب مسالم حريص على تحقيق كل ما يترتب على التسامح والسلام من تقدم إنساني ومجتمعي واقتصادي مرموق، إضافة إلى مؤسسات التعليم والإعلام التي تقوم بدورها دون تعصب أو تشدد أو انحياز إلى جانب تكاتف مؤسسات المجتمع العامة والخاصة والدينية والمدنية على السواء لمكافحة التعصب والتطرف، والحث على احترام الآخر والتمسك بالقيم الإنسانية التي نشترك فيها جميعا، كسكان في هذا العالم الواحد”. وقال فيصل بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبدالله للحوار بين الأديان في فيينا “وفقت دولة الإمارات في القضاء على مصطلح الأقليات، وعلينا أن نحذو حذوها ونلغي مصطلح الأقليات، ونتحدث عن المواطنة والعيش المشترك”.

ومن جانب آخر، نبّه مشاركون في مؤتمر أبوظبي إلى تسلل المصالح السياسية عبر القنوات الدينية كما جاء في مداخلة عبدالرحيم السليمي، الأكاديمي من مركز الدراسات الاستراتيجية بالمغرب “إن النظام الدولي تحكمه نظرية الفوضى الخلاقة، لأن ذلك هو ما يهدد وضع الأقليات المسلمة، خاصة مع محاولات خلق الصراع وانتشار الإسلاموفوبيا في أوروبا، وحملات التبشير التي تقوم بها إيران وتخفيه في الوقت ذاته في شمال وغرب أفريقيا”.

وأضاف “حملة التبشير الإيرانية واختراق الإخوان المسلمين للأقليات المسلمة، يمثلان أكبر خطر على المجتمعات المسلمة، خاصة مع صعود اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية، وتصاعد موجات الإسلاموفوبيا، وهو ما ينذر بتزايد الخطر على الأقليات المسلمة في العالم”.

ورأى فيصل بن معمر، الأمين العام لـ”مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان” بالنمسا، أن كل المصائب التي حلّت على العالم الإسلامي، جاءت نتيجة محاولة إيران تصدير الثورة وشق الصف الإسلامي، وانتشار الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة وجماعة الإخوان المسلمين، التي أدت تصرفاتها المشبوهة إلى انتشار بؤر الإرهاب التي أدت بدورها إلى انهيار المجتمعات التي تغلغلت فيها وتشويه صورة المجتمعات المسلمة في الغرب..

وعن موضوع حماية الأقليات، قال نوكس ثامس، مستشار خاص للأقليات الدينية في الشرق الأدنى وآسيا الوسطى “نسعى إلى حماية الأقليات داخل مجتمعاتنا وخارجها، وخاصة الأقليات المسلمة التي تعاني مشكلات وتحديات في كل أنحاء العالم وأميركا أيضا”.

وقال سيد منصور آغا، الأمين العام لمنتدى الحقوق المدنية بالهند “يجب على مسلمي الهند التفاعل الاجتماعي مع بقية سكان البلاد والاندماج والتعاون مع الآخرين لإيصال رسالتهم المتسامحة”.

ستون بحثا وستمئة مشارك

استقبلت اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة، في أبوظبي نحو 60 بحثا محكما تم طرحها من خلال 13 جلسة، بهدف التعاون وتفعيل المواثيق الدولية، خصوصا تلك المتعلقة بالحقوق المدنية للأقليات، الأمر الذي يسهم في تحقيق الأمن العالمي، وذلك برعاية نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، ورئاسة علي راشد النعيمي، ونيابة محمد البشاري.

وشارك في المؤتمر الذي يعتبر منصة عالمية للتواصل بين قيادات المجتمعات المسلمة، عدد من ممثلي الجاليات المسلمة في العالم وخاصة من كمبوديا وسريلانكا وروسيا وبريطانيا ودول البلقان وغيرها، إضافة إلى مجموعة من النوّاب المسلمين من جنوب أفريقيا ونيجيريا وإريتريا والبرلمان الأوروبي ومن دول آسيا والأميركيتين.

ويتصدر تفعيل الدبلوماسية الدينية أجندة المؤتمر، لدورها الكبير في فض النزاعات والحروب والفتن، ومواجهة تيارات العنف والكراهية بما يعزز الحوار بين الشعوب.

وترتكز رؤية المؤتمر على تحقيق المشهد الحضاري للمجتمعات المسلمة، من خلال التفاعل الإيجابي مع باقي مكوّنات مجتمعاتها، وتعزيز منظومة المواطنة والاعتزاز بالانتماء الوطني.

ناقش المؤتمر الوجود الإسلامي في السياق العالمي والفرص والتحديات، وذلك خلال جلسة علمية ترأسها عبدالله بوصوف، أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج، بمشاركة الدكتور محمد بشير آدم الأستاذ بجامعة أكرا في غانا.

كما ناقش المؤتمر، المنعقد تحت عنوان “الفرص والتحديات”، مواضيع كثيرة ومتنوعة مثل الإسلام في بريطانيا، والتحديات التي يواجهها المسلمون في الصين، وحالة الأقليات المسلمة في أفريقيا والفرص المتاحة في الغرب، وحالة المسلمين في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

واستعرضت الجلسة العلمية الثانية للمؤتمر برئاسة شوقي علام، مفتي مصر، ورقة “من فقه الضرورة إلى فقه المواطنة”، وركزت على الخطوات التأسيسية لفقه التعارف، وذلك بمشاركة رضوان السيد مفكر وأكاديمي في جامعة لبنان والدكتور قيس بن صالح عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

وناقشت الجلسة الأخيرة لليوم الأول تنامي ظاهرتي التطرف الديني والإسلاموفوبيا وتفعيل دور المؤسسات الإسلامية الغربية لمواجهة التطرف الديني، إلى جانب الحرية الدينية لمسلمي أميركا ودور المجتمع في مواجهة الإسلاموفوبيا.

ناقش المؤتمر في اليوم الثاني من انعقاده، ورقات عمل حملت عناوين مثل: خطوات نحو العمل المؤسسي الراشد للمجتمعات المسلمة ومواجهة صناعة الإسلاموفوبيا والتعددية الثقافية من المنظور الأميركي، ودور وسائل الإعلام في تصحيح الصورة النمطية عن الإسلام في الغرب، وتأسيس الحوار بين الأديان ونماذج مع الآخر في عهد النبوة، إضافة إلى مناقشة الإطار العلمي المقترح لصياغة الخطط والاستراتيجيات، وورقة عن “التعبئة الفكرية لتنمية الأقليات وفق التجربة الروسية ومشروع الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة” قدمها طارق الكردي، رئيس مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون الأقليات في العالم.

وتحت عنوان “دور المجتمعات المسلمة في تعزيز أشكال التعددية الثقافية”، أقيمت إحدى الجلسات العلمية في اليوم الأخير من المؤتمر برئاسة محمد أحمد الخلايلة، المفتي العام بالأردن، والذي قال بأن كلمة الأقلية كمصطلح لا تعني الدونية لكن تعني واقعا ويراد منها وصف حالة معينة.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية