"الفرماوية" قمصانها خضراء وتكفّر من يذهب للعلاج لدى الأطباء

الجماعات الدينية

"الفرماوية" قمصانها خضراء وتكفّر من يذهب للعلاج لدى الأطباء


04/03/2018

التقيت يوماً بجماعة الفرماوي، فرأيتهم بلباسهم الأخضر، وكان ذلك يوم جمعة، فامتنعوا عن الصلاة، وأمسكوا بأجراس في أيديهم، وأخذوا يطوحون بها في الهواء، وهم يقرأون سورة الكهف، وكانت هي صلاتهم، دون مساجد؛ لأنهم وفق أفكارهم غير ممكّنين، وكل حكام الأمة كفرة، فلا تجوز الصلاة في المساجد.

ظهرت هذه الجماعة عندما خرج على الناس محمد سالم الفرماوي، المولود بقرية (ساقية أبو شعرة) بمحافظة الشرقية المصرية، الذي توفي في يوم 1 كانون الثاني (يناير) عام 1991، في بداية السبعينـيات، منادياً، بأنه عالم رباني يمشي بإلهام ونور من الله، وأنه يتلقى الوحي من الله، وما عليه إلا البلاغ، وكان الرجل نحيل الجسد، قصير القامة، يرتدي العمامة الكبيرة والعباءة والحذاء الأخضر، ويمسك في يده بعصا خضراء غليظة في يده، وحتى آخر عمره لم يتخل عن هذا اللباس، ولا أحد من أتباعه، فقد كانوا كلهم يلبسون قمصاناً خضراء، ويمسكون عصياً في أيديهم، ولا يذهبون لطبيب، ولا يستعملون أدوية، باعتبارها مخالفة لشرع الله تعالى!

لا يذهب أتباع الجماعة الفرماوية إلى المدارس، ولا إلى الأطباء مطلقًا، ومن ذهب منهم كفروه

يقول المهندس "عبد الرحمن عبد اللطيف"، أحد أعضاء الجماعة لمدة 25 عاماً، في مذكراته، التي نقلها الكاتب أحمد خليفة: الشيخ الفرماوي بدأ يعتزل الناس، ويتعبد منفرداً عن الخلق. أحياناً كان يجلس لإلقاء الدروس، وكان يمكث معظم الوقت مغمض العينين له صوت خافت يشبه أنين المريض، ويتمتم أحياناً بكلمات غير مفهومة، مما أوحى للحاضرين باتصاله باللدن الإلهي العلوي، وكان يتعمد ذلك ليقذف في قلوبهم الهيبة والرهبة والتوقير له، لذا فقد صار الناس يلتفون حوله، ويصدقونه فيما يقول، ويؤيدون طريقته التي يدعو إليها، فبدأ يتكون هيكل للجماعة، ويظهر لها شكل ملموس في المجتمع، وسمع الناس بمبادئهم، لكن دعوتهم لم تكن سريعة الانتشار، بسبب غرابة ما تدعو له!

ومما تقول به جماعة الفرماوي: نفي الأخذ بالأسباب، والاعتقاد بأن قلوب البشر منها مؤمن ومنها كافر، والقلب المؤمن هو مؤمن بطبيعته فلا يحتاج إلى دعوة، والقلب الكافر هو كافر بطبيعته فلا تنفع معه دعوة، كما أن منهجهم في ذلك أن الدعوة تكون سلوكية فقط دون كلام، لأن لأهل الكلام علماء كتب، وليسوا علماء ربانيين، ولذلك يجب مواجهة الدعاة المتكلمين بالصمت.

تعتقد الجماعة الفرماوية، أن دليل المؤمن قلبه، وكان زعيمهم يقول "استفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك". كما كان يقول "المعنى عندي كذا"؛ أي قلبي يشعر بكذا، "استحسان"، لذا فهم لا يؤمنون بـ"الإجماع والقياس والمصالح المرسلة ".

ينظر الفرماوية إلى الناس باعتبارهم "أهل الباطل" وليس فيهم خير؛ إذ لو كان فيهم خير لهداهم الله إلى الحق الذي هم عليه؛ لأنهم هم خير الناس على وجه الأرض، ولا يدانيهم في منزلتهم الشهداء، ولا العلماء؛ لأنهم تلقوا الدين من قلوبهم، وليس من الكتب، ويقولون عن أنفسهم "نحن رجال على الفطرة"، أما باقي المجتمع فيقولون عنه "المجتمع شيطان وعدو محمل بأباطيل الكتب، ولا رجاء في هدايته".

لا يذهب أتباع الجماعة الفرماوية إلى المدارس، ولا إلى الأطباء مطلقًا، ومن ذهب منهم كفروه، كما لا يعملون في وظائف حكومية، ويستقيلون منها، لأن الحكومة كافرة، والأهم في أيديولوجيتهم، أنهم لا يؤمنون بالحديث النبوي، ولا يعترفون سوى بالقرآن فقط.

لا يعملون في وظائف حكومية لأن يرون الحكومة كافرة والأهم في أيديولوجيتهم أنهم لا يؤمنون بالحديث النبوي

يروي الشيخ السلفي الشهير، أبو إسحق الحويني، في تسجيل باليوتيوب، أن الشيخ الفرماوي سجن معه في زنزانة واحدة، قائلاً: أتت إلينا إدارة السجن لتقوم بتصويرنا لعمل ملفات لنا كمعتقلين داخل، فما كان من "الفرماوي" إلا أن أفتى بأن التصوير حرام وكفر، فقام أتباعه بعمل تكتل كبير خلف باب الزنزانة حتى لا يدخلوا عليهم ويصورونهم، فقامت إدارة السجن بوضع عسكري أمام زنزانتهم حتى لا يأتيهم طعام فيجوعوا فيرضخوا للتصوير، لكنهم استمروا على تلك الحالة لمدة أكثر من خمسة أيام وهم ممتنعون عن فتح الباب، وبالتالي نفد ما لديهم من طعام فجاعوا، فما كان من "الشيخ مصطفى درويش" رئيس جمعية أنصار السنة بسوهاج إلا أن رأف بحالتهم، وقال بأنه لا يمنعهم فكرهم عن أن نمد لهم يد العون، فقام وكانت زنزانة الشيخ مصطفى بالدور الثالث، وزنزانة الفرماوي في الأرضي، وكان الشيخ مصطفى يضع أرغفة الخبز والحلاوة فى غطائه، ويقوم بإنزالها عن طريق حبلين من زنزانته إلى زنزانة الفرماوي الذي كان جالساً على بطانيته أمام الشباك ليتنفس فما كان منه إلا أن يمد يده اليسرى ليأتي بالخبز ويعطيه لأتباعه، ويده اليمنى ليأخذ الحلاوة الطحينية، ويقول لهم هذا رزق ساقه الله إلينا، وهم يصيحون "الله عليك يا مولانا"!

تقول جماعة الفرماوي بنفي الأخذ بالأسباب، والاعتقاد بأن قلوب البشر منها كافر، والقلب المؤمن مؤمن بطبيعته

الفرماوي يؤمن أن هناك نبوة خاصة، هي نبوة النبي محمد، عليه السلام، وأخرى عامة مخصصة للبشر، وهذه اختص الله بها أفراد جماعته، مستدلاً بقول الله تعالى فى سورة النحل (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون).

وطالما هناك وحي للنحل، يصبح للإنسان وحي من الله، وبالتالي فهذا الوحي لا يصح إلا لنبي إذا فمن أوحي إليه نبي، والفرماوي يوحي إليه، وبالتالى فهو نبي، والنبي لا يأخذ بالطب ولا بالتداوي؛ لأن هذا في رأيه كفر، ودليله أن النبي قال في حديث: إن هناك سبعين ألفاً من أمتي يدخلون الجنة لا يتطابون ولا يتداوون. ومعناه أنهم سيدخلون الجنة بدون حساب لانهم لم يذهبوا إلى طبيب!

 

الصفحة الرئيسية