"دستورنا هو القرآن".. خديعة تروّج لها كل الجماعات الإسلامية

"دستورنا هو القرآن".. خديعة تروّج لها كل الجماعات الإسلامية


10/06/2018

سعيد ناشيد

“دستورنا القرآن”، شعار رفعته جماعة الإخوان المسلمين منذ الوهلة الأولى ضمن شعار احترابي يقول “الله غايتنا، والقرآن دستورنا، والرسول زعيمنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، وقد كان سيد قطب في تفسير الظلال أول من حاول التنظير لدستورية القرآن. لكن الملاحظ أيضا أن سيد قطب قد استعمل مصطلح الدستور لأجل الدلالة على كل شيء، وأي شيء، ولا شيء.

فالقرآن دستور للدعوة، ودستور للأسرة، ودستور للجماعة المسلمة، ودستور للتربية، ودستور للصدقة، ودستور للسلم والحرب، ودستور للنصر والهزيمة، كما أن الدستور يعني الشريعة، إنه باختصار شديد دستور حياة شامل. وهو ما يضعنا في آخر الأمر أمام وظيفة غير دستورية للدستور، وظيفة لا علاقة لها بالفقه الدستوري.

غير أن الادعاء بأن القرآن دستور يخالف منطوق الخطاب القرآني نفسه؛ لأن الخطاب القرآني الذي أطلق على نفسه العشرات من الأوصاف (الذِكر، الفرقان، الهدى، البيان،…إلخ)، لم يطلق على نفسه صفة الدّستور، ولا اختار لنفسه صفة قريبة الدّلالة من معنى الدستور. ثمّ إنّ القرآن حمّال أوجه، كما قال عنه علي بن أبي طالب، وفيه محكمات ومتشابهات، وفيه آيات ناسخة وأخرى منسوخة، وفيه قصص وحكايات، وفيه محاورات، وفيه حروف غامضة تُفتح بها العديد من السور، وفيه أدعية، وفي كل الأحوال ليس هكذا يكون الدستور. ثمّ إن الدستور في مبناه ومعناه، تعاقد مدني بين المواطنين، تعاقد خاضع للمناقشة والمراجعة والتسوية والتعديل، وهذا ما لا ينطبق على الخطاب القرآني بأي حال من الأحوال.

لذلك فإن الملايين من المسلمين في عالم اليوم في إندونيسيا وماليزيا وتركيا وإيران وحتى في أوروبا وروسيا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة وغيرها، يصلّون بالقرآن الكريم، ويتعبدون بقراءته، أو الاستماع إليه، دون أن يفقهوا شيئاً من اللغة العربية، اللهم اسم الجلالة “الله”، وحتى هذه الكلمة، على الأرجح، فإن أصولها ليست بعربية، ومع ذلك، فإنّ صلاتهم جائزة، وعبادتهم جائزة، وليس مطلوباً من أحد أن يفهم اللغة التي نزل بها القرآن لكي يتعبد بقراءته أو يصلي به. ومرة أخرى، فكل هذه الخصائص لا تنطبق على الدستور.

فضلا عن كل ذلك، فمن بين المفارقات الصارخة أن من يزعمون بأن القرآن دستور المسلمين، هم أنفسهم من يتباهون بأن أول دستور في الإسلام هو “صحيفة المدينة”.

الادعاء بذريعة تزعم بأن انتساب الحكام للإسلام لا يكفي، بل تبقى الضمانة الأكيدة هي التزام الحاكم المسلم بالقرآن كدستور

يتعلق الأمر بوثيقة تعتبرها كتب السير والتاريخ بمثابة عقد معاملات بين المسلمين وغيرهم في بداية حكم النبي بالمدينة، ويختلف في صحتها السلفيون الذين يرجحون ضعفها لتناقضها مع الكثير من مسلماتهم، بخلاف الفقهاء المعاصرين ذوي النزعة الإخوانية والذين يرون في الوثيقة انفتاحا على مسائل الحكم والتدبير السياسي. لكن الموقف يضع التيار الإخواني أمام معضلة واضحة، هل يُعقل اعتبار “صحيفة المدينة” دستورا فيما لو كان الخطاب القرآني هو الدستور، أم أن ثمة أكثر من دستور واحد ممكن؟

ربما يعود أول توظيف للمصحف في مجال الصراع على السلطة إلى واقعة رفع المصاحف ضمن الخديعة الشهيرة التي كسب فيها معاوية بن أبي سفيان، المعركة ضد علي بن أبي طالب، لكنها في منطق الإسلام السياسي المعاصر اتخذت مبررات حاولت أن تبدو مقنعة، من بينها كما يقول أحد منظري التيار الإخواني، عبدالقادر عودة (وقد عمل موظفا ساميا في القضاء المصري)، الادعاء بأن اتخاذ القرآن دستورا للمسلمين سيشكل “مدخلا للتحرر واستقلال الأوطان المسلمة”.

اقترن هذا الادعاء بذريعة أخرى تزعم بأن انتساب الحكام للإسلام لا يكفي، بل تبقى الضمانة الأكيدة هي التزام الحاكم المسلم بالقرآن كدستور للدولة وللحياة، وهي الضمانة الوحيدة التي تضمن لنا كون الحاكم لن يحارب الدين أو كما يقول عبدالقادر عودة بالحرف الواحد “لقد أثبتت التجارب في البلاد الإسلامية أنه لا يكفي لإقامة الإسلام أن يكون الحكام مسلمين، وإنما يجب أن يتحاكموا إلى الإسلام، ويتخذوا القرآن دستورا للحاكمين والمحكومين.

وأمامنا البلاد الإسلامية كلها ليس فيها بلد واحد يقيم حكم الإسلام ويخضع له في كل الشؤون بالرغم من أن حكامها وأغلب سكانها من المسلمين، بل لقد أثبتت التجارب أن الحكام المسلمين الذين يجهلون الإسلام ولا يعملون على إقامة أحكامه كانوا وما زالوا حربًا على الإسلام وآلة طيعة في يد أعداء الله الذين يكيدون للمسلمين والإسلام، وفي عهود هؤلاء الحكام الجهال استبيحت حرمات الإسلام فحرم ما أحل الله وأحل ما حرم الله، وانتشر الفساد”. (عبدالقادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان1981، ص 85).

لا يتورع عبدالقادر عودة في اعتبار أن إقحام القرآن في التشريع القانوني هو الشكل الوحيد الذي يجب أن يعتمده المسلمون لأجل تدبير أمورهم، فقد كتب يقول “الحكومة الإسلامية كما عرفنا مقيدة باتخاذ القرآن دستورا لها، وملزمة بالنزول على أحكامه التي لا تقبل تبديلا ولا تعديلا ولا تعطيلا، فهي بذلك ليست من نوع الحكومات المستبدة المطلقة من كل قيد، كما أنها ليست من نوع الحكومات القانونية، لأن الحكومات القانونية تخضع لقوانين وأنظمة يضعها البشر وهم متأثرون بأهوائهم وشهواتهم، والقوانين والأنظمة التي يضعها البشر قابلة للتبديل والتعديل والإلغاء إذا ما قضت بذلك أهواء البشر وشهواتهم.

أما أحكام القرآن فهي من عند الله، وهي دائمة إلى الأبد لا تماشي أهواء الحكام ولا أهواء المحكومين، وإنما تعدل الفريقين وتوفي كُلاًّ حَقَّهُ في حدود العدل الخالص مع حفظ مصلحة الجماعة”. (نفس المرجع السابق).

عادة ما يعلو شعار “دستورنا القرآن” إبان الانتخابات، وخلال الاحتجاجات، وأثناء المزايدات الاحتجاجية، ثم سرعان ما يحتجب حين يصل الإسلام السياسي إلى السلطة، أو حين تكون علاقته مع السلطة قائمة على التواد أو التودد. وللتذكير، فبعد الترخيص لجبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، طغى شعار “القرآن دستورنا” بنحو ملفت للأنظار، وأصبح أهم شعار انتخابي لاستقطاب أصوات الناخبين.

قديما عندما رفع الخوارج شعار “لا حكم إلا لله”، كان جواب علي بن أبي طالب أن الأمر يتعلق بكلمة حق يراد بها باطل. كان الرجل يقول عن الخوارج أيضا “إن من ابتغى الحق فأخطأه ليس كمن ابتغى الباطل فأدركه”. لكننا هذه المرة، إزاء شعار “القرآن دستورنا”، فإننا ندرك بأن الأمر يتعلق بكلمة باطلة (طالما القرآن لم يصف نفسه بأنه دستور) ويراد بها باطل أيضا (طالما الهدف متعلق بالطموح إلى السلطة).

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية