كُنى وألقاب الجهاديين.. من أعماق التاريخ إلى أحضان السخرية!

داعش

كُنى وألقاب الجهاديين.. من أعماق التاريخ إلى أحضان السخرية!


13/12/2017

أبو طلحة، أبو قتادة، أبو القعقاع، أبو حفص، أبو الدرداء، وغيرها.. كُنى وألقاب درج الجهاديون على استخدامها واتّخاذها أسماء حركية تداولية فيما بينهم وعلى مستوى الخطاب الخارجي، حتى غلبت على أسمائهم الحقيقية.

وإن كان اتخاذ أسماء مستعارة وألقاب للقادة والمقاتلين أمراً شائعاً على مر التاريخ، وفي العديد من الثقافات، فقد عاد هذا الأسلوب لينتشر بين المنتمين للتيارات والجماعات السياسية في العصور الحديثة.. إلا أنّ الجماعات الجهادية قد تميزت بنوع وأسلوب خاص من التكنية، يعتمد على تركيب عدة مقاطع، مع استخدام رابطة الأبوة، والنسبة للبلدان، واستحضار الأسماء التاريخية المفارقة للسياقات المحيطة.

بداية انتشار الظاهرة بين الجهاديين

لم تكن هذه الكنى مشهورة في الجيل الأول من المقاتلين العرب الذين جاؤوا إلى أفغانستان في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، كأسامة بن لادن، وعبد الله عزام، وأيمن الظواهري، وغيرهم؛ حيث كانت الأسماء الأصلية هي المتداولة، ولكن مع تبلور الظاهرة الجهادية، في القواعد العسكرية وبين الجبال، منذ منتصف الثمانينيات، بدأ انتشار الكنى بالازدياد، فنجد من تلك الفترة قادة كعبدالعزيز بن عمر الغامدي، الذي اشتهر باسم أبو الوليد الغامدي، وعصام البرقاوي، الذي اشتهر باسم أبو محمد المقدسي.

عبد الله عزام في معسكر صدى، ويعد واحداً من أهم المعسكرات التي تواجد فيها المقاتلون العرب في أفغانستان

 

وانتشر استخدام الكنى بشكل واسع في حالات جهادية لاحقة كما في الشيشان والبوسنة، كالسعودي ثامر السويلم الذي اشتهر باسم "خطّاب"، نسبة إلى الصحابي عمر بن الخطاب، وفارس يوسف عميرات، الذي عُرف بـ"أبو حفص الأردني"، وكذا أبو جعفر اليمني، وجميل عبد الرحمن الذي اشتهر بـ"أبو قتيبة المكي".

محاولة التستر وتضليل أجهزة الأمن عن الأسماء والهويات الحقيقية من أسباب اتخاذ هذه الألقاب

وأصبحت التكنية أمراً مفروغاً منه عند التنظيمات الجهادية في العقدين الأخيرين، كما في تنظيم القاعدة في العراق.. الذي اشتهر من قادته أبو مصعب الزرقاوي (أحمد نزال الخلايلة)، وأبو حمزة المهاجر (عبد المنعم البدوي).. ولعل الكُنية الأكثر شهرة وتداولاً في الإعلام وعبر مختلف وسائل التواصل كانت من نصيب "أبو بكر البغدادي"، خليفة تنظيم داعش، واسمه الحقيقي: "إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي".. حيث نسب البغدادي نفسَه إلى الخليفة أبي بكر الصديق، وإلى العاصمة العراقية بغداد التي رغب في ضمها إلى "دولته"، بالرغم من أنّ أصوله الفعلية تعود إلى منطقة ديالى شرق العراق حيث ولد في العام 1971 لعائلة تنتمي إلى عشيرة السامرائي، بالإضافة إلى إلحاق صفة "القرشي" في نهاية اسمه، كنوع من اكتساب الشرعية، وفقاً للقاعدة الشرعية عند بعض الفقهاء: الأئمة من قريش.

جاءت الكنية "أبو بكر البغدادي" ضمن محاولة اعادة بناء الصورة التاريخية المتخيلة للخلافة

أسباب دينية وأمنية

ويشير عدد من أتباع التنظيمات إلى أنّ سبب اتخاذهم هذه الكُنى هو إعمال السنة النبوية وموافقتها، باعتبار أنّ النبي -عليه السلام- كان يطلق على أصحابه الكُنى من باب التودد وتوثيق العلاقات فيما بينهم، كما فعل مع الصحابي علي بن أبي طالب الذي لقبه بأبي تراب، والصحابي عبدالرحمن بن صخر الذي لقبه بأبي هريرة.

وفي المقابل يشير المختصون بالجماعات الجهادية إلى أنّ سبباً مهماً وراء اتخاذ هذه الألقاب هو الجانب الأمني، بحيث تكون الكُنية واللقب محاولة للتخفي والتستر، ولتضليل أجهزة الأمن عن الأسماء والهويات الحقيقية.

أبعاد نفسية واجتماعية

ومن منظور التحليل النفسي والاجتماعي، يمكن فهم هذا الأسلوب باعتباره نوعاً من طلب العظمة والمجد من خلال محاولة التماثل مع قادة وعلماء وصحابة، وغيرها من الشخصيات التاريخية ذات الاعتبار والقيمة الرمزية ضمن المنظومة الثقافية التي ينتمي لها الأفراد.

وتكون هذه الألقاب محاولة لإضافة الهيبة والوقار والتدليل على الأهمية، فالمقاتلون يميلون إلى اختيار أسماء الصحابة التي تحمل قوة روحانية، مثل: أبو عمر، وأبو حمزة، وأبو بكر (كنية زعيم داعش). كذلك يستخدم المقاتلون أسماء جهاديين بارزين مثل؛ أسامة بن لادن (أبو أسامة) أو خطَّاب (أبو خطَّاب).

يزعم عدد من أتباع التنظيمات أنّ سبب اتخاذهم هذه الكُنى هو إعمال السنة النبوية وموافقتها

كما يؤشر هذا الأسلوب إلى محاولة من الشخص لخلق هالة حوله، وتأكيد تمايزه عن محيطه الاجتماعي، وذلك من خلال استحضار دلالات وإيحاءات تاريخية، مقتبسة من سياقات وأزمنة أخرى، ومحاولة إحيائها في غير ظروفها، وما في ذلك من التأكيد على الانفصال عن الزمن والمحيط الاجتماعي والثقافي.

إضافة إلى ذلك تعتبر هذه  التسميات نوعاً من التماس الشرعية الدينية ووسيلة لتسويق دعاية التنظيمات بين المجتمعات المسلمة، وذلك من خلال محاولة ادعاء ومقاربة نماذج الصحابة والعلماء والقادة التاريخيين.

يأتي استخدام الكُنى التاريخية متوافقاً مع مسعى الجهادي لتقمص واستحضار صورة تاريخية متخيلة

تسميات تخفي انقسامات عميقة

ومن خلال استقراء أسماء المنتمين إلى تنظيمي داعش والنصرة، ومن قبلهما تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، يلاحظ تكرار ألقاب "المهاجر" و"الأنصاري"، حيث يشير اسم الأنصاري إلى مقاتل محلي، والمهاجر إلى مقاتل أجنبي، وذلك في محاكاة للقبَيْ "المهاجرين" و"الأنصار"، في المجتمع الإسلامي الأول، حيث لُقب المسلمون المهاجرون من مكة إلى المدينة بالمهاجرين، وأطلق على أهل المدينة الأنصار.

تعتبر هذه التسميات نوعاً من التماس الشرعية الدينية ووسيلة لتسويق دعاية التنظيمات بين المجتمعات المسلمة

وغالباً ما يشير الجزء الثاني من الاسم، إلى أصل الشخص، ولكن، نظراً لأنّ أغلبية المقاتلين يناصبون الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية العداء، فهم يرفضون حمل لقب "السعودي"، ويستخدمون لقب الحجازي، أو النجدي، أو الجزراوي نسبة إلى الجزيرة، ويستخدم بعض المقاتلين من دول خليجية أخرى هذا اللقب لأسباب مشابهة.

ويفضّل مقاتلون آخرون إبراز هويتهم العرقية على اسم الدولة التي يحملون جنسيتها؛ مثل أبو صفية البوسني وهو مواطن صربي من أصل بوسني، وأبو قاسم البرازيلي وهو مواطن بلجيكي هاجرت والدته من البرازيل، واختار بعض مواطني كوسوفو أنّ يحملوا لقب الألباني بدلاً من كوسوفي، ليعكسوا الخلافات العميقة حول الهوية في البلقان.

ظهرت وانتشرت في السنوات الأخيرة صفحات ساخرة تتمحور حول السخرية من تسميات الجماعات المتطرفة وأفكارها

ونظراً لأنّ المقاتلين يختارون الأسماء بأنفسهم، فإنه بالإمكان تزييف هوياتهم، على سبيل المثال، أطلق مقاتلون غير شيشانيين يتحدثون الروسية على أنفسهم لقب الشيشاني، ظناً منهم أنّ ذلك سيحقق لهم احتراماً أكبر بسبب اشتهار المقاتلين الشيشان بالقوة بين الجهاديين في سورية، ويتسم مقاتلو جبهة النصرة وداعش المحليون في العراق بميلهم للتحديد واستخدام ألقاب تشير إلى بلداتهم ومناطقهم، مثل الفالوجي والأنباري.

وهكذا فإنّ نظام التسمية عند الجهاديين يكشف عن الانقسامات والانحيازات المناطقية في تنظيمات يفترض بها أنّ تكون متعالية ومتجاوزة للانتماءات والهويات الضيقة.

استجابة عكسية بإثارة السخرية

إلا أنّ طرافة الأسماء وغربتها عن السياقات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات، جعلتها تسهم في بلورة صورة كاريكاتورية للجماعات المتطرفة، وجعلت المتلقين يتجهون للتعامل معها بنوع من السخرية، وهو ما ظهر في شكل مقاطع وصور وطرائف يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تورد هذه الكُنى، وخصوصاً أكثرها غرابة عند المتلقي المعاصر، كأبو قتادة، وأبو طلحة، إلخ.. كما ظهرت وانتشرت في السنوات الأخيرة صفحات ساخرة حملت أسماء مثل "أبو قتادة"، و"أبو البراء"، يمتحور محتواها حول السخرية من الجماعات المتطرفة وأفكارها.

محاولة المتطرفين الى مفارقة الواقع انتهت بهم الى الظهور في صورة تستدعي السخرية في مخيلة المجتمعات

وقد تطورت هذه الحالة من السخرية إلى قالب كوميدي خاص، في الأفلام والمسلسلات العربية، واشتهر بأدائها عدد من الفنانين، يأتي في مقدمتهم أسماء كعادل إمام، وعماد فراجين؛ حيث يتم استخدام الألقاب الجهادية، في إطار التندّر، وذلك كجزء أساسي من عناصر الكوميديا في المشاهد.

محاكاة المتطرفين وألقابهم في إطار قالب كوميدي

الصفحة الرئيسية