الإرهاب وتقويض الدولة في إفريقيا

الإرهاب وتقويض الدولة في إفريقيا

الإرهاب وتقويض الدولة في إفريقيا


19/10/2023

إدريس لكريني

تمكنت الكثير من الدول الإفريقية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، من تحقيق مجموعة من المكتسبات السياسية والاقتصادية، على طريق إرساء أسس بناء دولة حديثة، ما سمح بتجاوز تلك الصورة النمطية التي ظلت تربط القارة بالمجاعات والانقلابات والصراعات والعنف.

غير أن هذا المسار لم يخل من تحديات وصعوبات، حيث ظلت بعض المناطق الإفريقية تعيش على إيقاع الهشاشة والفقر وضعف الدولة المركزية، ما مثّل عامل جذب لكثير من الجماعات الإرهابية التي استغلت هذا الوضع لتتموقع في هذه الفضاءات، بعد الضربات القاسية التي تعرضت لها، خلال السنوات الأخيرة، في كل من أفغانستان والعراق وسوريا.

وهكذا استطاعت الكثير من الجماعات الإرهابية، مثل «بوكو حرام»، و«حركة التوحيد والجهاد»، وتنظيم «داعش»، و«حركة الشباب المجاهدين بالصومال»، وتنظيم «القاعدة»، التوغل في غرب ووسط وشرق إفريقيا، بصورة ساهمت في تقويض أسس الدولة، وكبح التطورات السياسية والدينامية الاقتصادية التي شهدتها كثير من بلدان القارة، وفي تعميق المعاناة الإنسانية والاجتماعية لعدد من الشعوب الإفريقية. وتعد منطقة الساحل من أكثر المناطق الإفريقية التي تعيش على إيقاع النزاعات والأزمات الناجمة عن ضعف الدولة المركزية، وتردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وانتشار الجماعات المسلحة وشبكات الجريمة المنظمة بشكل كبير.

إن تموقع هذه الجماعات المسلحة في هذه المناطق، زاد من معاناتها، وساهم في إثارة النزاعات والصراعات الإثنية والعرقية، وفي فتح المجال أمام التدخلات الأجنبية بذريعة مكافحة الإرهاب، وفي تكريس تبعية العديد من دول المنطقة للمؤسسات المالية، وللدول الغربية الكبرى، بشكل عام، ما كان له التأثير السلبي الواضح في مستوى تحقيق التنمية، وبناء المؤسسات الدستورية. وعلى المستوى السياسي والأمني، شهدت المنطقة عدداً كبيراً من الانقلابات العسكرية التي كشفت عن هشاشة السلطة، وعن ضعف المؤسسات، وأدخلت الكثير من الدول في متاهات من العنف والصراع، وعرّضت شعوبها للتقتيل والترحيل والأزمات الاجتماعية والإنسانية.

إن استمرار مظاهر الانقلاب على الحكم بصورة متكررة، واللجوء إلى القوة العسكرية في تدبير الخلافات والصراعات السياسية، في عدد من الدول الإفريقية التي راكمت بعض الإصلاحات الاقتصادية والسياسية خلال السنوات الأخيرة، يكشف هشاشة الدولة، ويبرز أن مجمل التدابير والإجراءات التي اتخذت في أعقاب الأزمات والصراعات الدامية التي مرت بها القارة على امتداد العقود الماضية، لم ترتكز على مؤسسات قوية تدعم الانتقال السلمي والسلس للسلطة، ولم توفر شروط تحقيق التنمية المستدامة.

وإذا كانت الانقلابات والصراعات الدامية على السلطة، توفر الظروف الخصبة لانتعاش هذه الجماعات، فإن الديمقراطية نفسها لا يمكن أن تنشأ وسط الإرهاب، فهذا الأخير يجسد تنكّراً لكل الضوابط والقواعد، كما أن تحقيق التنمية المستدامة يظل مطلباً بعيد المنال مع وجود هذه الظاهرة التي تكرس الهشاشة وعدم الاستقرار وضعف المؤسسات.

وأدى تمركز الجماعات المسلحة داخل عدد من دول القارة، إلى تقويض أسس الدولة، وإهدار المكتسبات، وعرقلة بناء المؤسسات وتحقيق التنمية، وتهديد الأمن، كما ساهم في تعزيز التدخلات الأجنبية في المنطقة.

لا يمكن تبرير الإرهاب مطلقاً؛ فهو عمل مجرم بمقتضيات القوانين الوطنية والدولية. ويظل ترسيخ الممارسة الديمقراطية؛ هو الطريق الأنسب لتضييق الخناق على الجماعات المسلحة، ويبدو أن حضور هذه الأخيرة في عدد من البلدان الإفريقية، هو تجسيد عملي لضعف مؤسسات الدولية، وتعبير عن الهشاشة الأمنية، وغياب التنمية داخل هذه الأقطار. ومن ثم، يمكن لتقوية أداء هذه المؤسسات؛ وتعزيز سبل المشاركة السياسية وتداول السلطة بشكل سلمي، إلى جانب إحداث مشاريع وبرامج تنموية، أن تساهم بشكل كبير في محاصرة العنف وتعزيز الأمن في إفريقيا.

عن "الخليج" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية