رفض الإخوان المسلمين وأنتج جيلاً تنويرياً... من هو الشيخ أمين الخولي؟

رفض الإخوان المسلمين... وأنتج جيلاً تنويرياً... من هو الشيخ أمين الخولي؟

رفض الإخوان المسلمين وأنتج جيلاً تنويرياً... من هو الشيخ أمين الخولي؟


17/08/2023

للتنوير العربي رجالٌ واضحون في المواقف الحاسمة، وهذا ما كلفهم ضرائب معنوية ومادية، قادت بعضهم إلى المنافي أو الاغتراب المجتمعي داخل الوطن، أو القطيعة مع الأهل. لم يكن التنوير حكراً على رجالات التيار العلماني في المنطقة العربية، إنّما نبع من داخل المؤسسات الدينية التقليدية من خلال رجال دين قاموا بعملية توأمة بين الدين والعلم، ومقاربة بين الماضي والحاضر، وصلة بين التقليد والحداثة. هذه العملية الفكرية الشاقة كان خلفها علماء حاذقون، مطلعون على الثقافات المتباينة، متواصلون مع كل ما هو جديد على الساحة الفكرية في العالم.

في القرون السابقة كانت مهمة رجل الدين في اكتساب العلوم الشرعية، وتعليمها للناس، قلّما من ينشغل في المعارف الدنيوية، ويناظر بينها وبين المعارف الدينية، ليخرج بتوليفة خاصة، إلا أنّ القرون الأخيرة، وتحديداً القرن الـ (20)، أنتج رعيلاً من التنويريين المحسوبين على المؤسسة الدينية، وإن كانوا يشاكسونها في الطروحات والأفكار، وفي مقدمة أولئك الشيخ أمين الخولي الذي يُعدّ من أوائل التأويليين في المنطقة العربية، وهو شخصية أنتجت جيلاً تنويرياً متمرداً على التابوهات القديمة، ومن هؤلاء: محمد أحمد خلف الله، مؤلف (التصوير الفني في القرآن الكريم)، والشاعر صلاح عبد الصبور، والدكتور شكري عياد، والدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، والناقد فاروق خورشيد، والروائي عبد الرحمن فهمي، فضلاً عن آخرين.

وقبيل الدخول في ريادته للتجديد الديني، نطلُّ على هوية الشيخ أمين الخولي، من حيث الولادة الجغرافية، والأسرة، والتعليم، والتكوين الثقافي الذي شكله بوصفه فاعلاً مهماً في الثقافة الإسلامية، وهل كان أزهرياً أم لا؟ 
 

من هو أمين الخولي؟

في الأول من شهر أيار (مايو) عام 1895م، في محافظة المنوفية بمصر، وُلدَ للمزارع المصري (إبراهيم الخولي) ولد سمّاه (أمين)، درس الأخير في الكتّاب والمدارس التقليدية، وحفظ القرآن الكريم، وتعلّم اللغة العربية، والتحق بمدارس ابتدائية وثانوية عدة، إلى أن تخرّج بتفوق في مدرسة القضاء الشرعي عام 1920م، وعُيِّن مدرّساً فيها. ويُعدّ الشيخ أمين الخولي في مقدمة رجال الدين التنوريين في مصر والمنطقة العربية، وذلك لثقافته الواسعة، وإنسانية أفكاره وسلوكياته، فضلاً عن تكوينه المعرفي العميق، حيث يجيد اللغتين الإيطالية والفرنسية، كما أنّه ساهم بتطوير ذاته عبر البعثات العلمية، إلى أن عُيّن إماماً للبعثة المصرية في إيطاليا، ثم في المفوضية المصرية ببرلين.

التجديد الديني كان هاجس الشيخ أمين الخولي الذي خاض غمار الكتابة والتثقيف في هذا الشأن

وعلى الرغم من تكوينه الشرعي غير الأكاديمي، إلا أنّه درّس في قسم اللغة العربية بكليّة الآداب بجامعة فؤاد الأول، عام 1928، وتدرّج في المهام الأكاديمية إلى أن أصبح رئيساً لقسم اللغة العربية في الكليّة نفسها.

كان الخولي شديد الإيمان بدور الجمعيات الأهلية، فكان من أنصارها والفاعلين فيها عضواً ومؤسساً، فعندما اشتعلت ثورة 1919 كانت "جمعية إخوان الصفا" تقوم بدور في تنظيم الطلاب وتحريكهم للاشتراك في المظاهرات، وكان الخولي أحد أعضائها البارزين، ولعبت الجمعية ذاتها دوراً في تعليم اللغات الأجنبية، وتعنى بالفن والأدب، واعتاد أعضاؤها الاجتماع في بيت أحدهم مرة في الأسبوع.

يُعدّ الخولي في مقدمة رجال الدين التنوريين في مصر والمنطقة العربية، وذلك لثقافته الواسعة، وإنسانية أفكاره وسلوكياته، فضلاً عن تكوينه المعرفي العميق، حيث يجيد اللغتين الإيطالية والفرنسية.

في بداية الثلاثينيات أعلن المفكر الماركسي سلامة موسى عن تأسيس "جمعية المصري للمصري"، التي تدعو لتشجيع الصناعة المصرية ومقاطعة البضائع الأجنبية، وانضم إليها الخولي، لكنّه رفض الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت.

في الأربعينيات أسس الشيخ أمين الخولي، بمعية طلبته، نادياً أدبياً حمل اسم "الأمناء"، بغية الارتقاء بالأدب والفن نظرياً وعملياً، وعبره نشر كتابيه "مناهج التجديد في النحو والبلاغة والتفسير"، و"من هدي القرآن". وتمّ عام 1953 تعيينه مستشاراً لدار الكتب، وشغل أيضاً منصب مدير عام للثقافة، وإثر تقاعده عام 1955 اختير عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، إلى أن مات في آذار (مارس) 1966، وله (12) مؤلفاً متنوعاً.
ليس أزهرياً

لم ينتمِ الشيخ أمين الخولي إلى المؤسسة الدينية الرسمية في مصر، المتمثلة بـ (الأزهر)، على الرغم من تدريسه فيها، إلا أنّ تكوينه وهويته المدرسية تعود إلى مدرسة القضاء الشرعي، التي منحته إجازة البحث والتدريس. ورغم أنّه ليس أزهرياً بالمعنى التكويني، إلّا أنّ الأزهر كان حاضراً في ثقافته وأزيائه، كما أنّه نابَ عن الأزهر في مؤتمرات الأديان الدولية، وأصدر عام 1934 مؤلفه عن "الفلسفة وتاريخها"، وهي مجموعة محاضراته، وأهداه إلى روح الإمام الشيخ محمد عبده، وفي عام 1935م قدّم لطلابه بكليّة أصول الدين "تاريخ الملل والنحل"، حيث توطدت صلته بالأزهر بهذه الدراسة.

وأفسحت له (جريدة المصري) صفحاتها على مدى (3) أشهر يشرح فيها رسالة الأزهر الاجتماعية، وبيّن العلاقة بين الدين والحياة، وأوضح أنّ رسالة الأزهر، من حيث هو مركز ديني، هي: حماية الدين ومحاوره الاجتماعية، وأن يمكن الإنسانية من أن تسعد بأثره في الحياة، ويكون ذلك بالتدبير المحكم في التعريف بالدين ونشر الإسلام على أيدي رجال لهم الصفة الدينية المتميزة". ورسالته، من حيث هو بيئة اجتماعية، أن يحمي الروح القومية لمصر والشرق الإسلامي حماية عاقلة متبصرة متدينة.

الدكتور عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) تعد من تلامذة الشيخ أمين الخولي وزوجته فيما بعد

لم يتنكر الخولي لمدرسته القضاء الشرعي، فقد كان لها دور كبير في بلورة شخصيته، من خلال المناهج التدريسية التي كانت تمزج بين علوم الدين والدنيا، أو العلوم النقلية والعقلية متجاورتين. فالتكوين الديني للشيخ الخولي تقليدي، إلّا أنّ المقررات التعليمية في هذه المدرسة يدرس فيها التلميذ معارف الدين: كالتوحيد، والفقه والتفسير، والحديث…، مضافاً إلى الجبر، والهندسة، وعلم الهيئة، ومبادئ الفلك والطبيعة، والكيمياء، والتاريخ، والجغرافيا، وأصول القانون وشرح لائحة المحاكم الشرعية ونظام المرافعات.

رائد التجديد الديني

إذا ذُكر رواد التجديد الديني في العالم الإسلامي، يأتي الشيخ أمين الخولي في مقدمة المجددين المسلمين في القرن الـ (20). صاغ الخولي مع تلامذته خطاباً تنويرياً تجديدياً واضحاً، يؤكد على المصالحة بين العلم والدين، وألّا يكون الأخير منافياً للأوّل، لأنّ قيمة الدين في إثبات حضوره عبر الزمن وتطور العصور.

في بداية الثلاثينيات أعلن سلامة موسى عن تأسيس "جمعية المصري للمصري"، التي تدعو لتشجيع الصناعة المصرية ومقاطعة البضائع الأجنبية، وانضم إليها الخولي، لكنّه رفض الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين

يقول في مقال نشره في مجلة (الرسالة) بعنوان (التجديد في الدين): إنّه "قد ملك النفس شعور الحياة بالحاجة الماسة الملحة إلى تجديد تطوري يُفهَم به الإسلام، الذي يقرر لنفسه الخلود والبقاء، فهماً حيّاً، يتخلص من كل ما يُعرّض هذا البقاء للخطر، ويعيق الخلود، إذا ما صح العزم على هذا الفهم الجديد الذي مضت أعوام في تقرير أصوله وأسسه درساً وتعليماً وتدويناً. ومن حق الحياة أن نحرص على سلامة هذا الفهم، وبقائه، ونجاته كذلك من المهاترات وما تُحدثه من خسائر، تكبدتها الحياة في كثير من خطوات سيرها التي لا مفر لها منه ما دامت حياة".

ومن أبرز المقولات التي كان شيخ الأمناء يتبنّاها، ويحض تلامذته على تمثّلها في منهج التجديد الديني، هي قوله: "أوّل التجديد قتل القديم بحثاً وفهماً ودراسةً، أمّا إذا مضى المجدد برغبة بالتجديد مبهمة، وتقدّم بجهالة للماضي وغفلة عنه، يهدم ويحطّم ويشمئز ويتهكم، فذلكم تبديد لا تجديد".

مواضيع ذات صلة:

بنت الشاطئ: من ضفاف الهامش إلى آفاق الريادة

لماذا كان موقف بنت الشاطئ حاداً وحاسماً من التفسير العلمي للقرآن؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية