الصادق الغرياني... ماذا يبطن خميني ليبيا من فتاوى التحريض المسيسة؟

الصادق الغرياني... ماذا يبطن خميني ليبيا من فتاوى التحريض المسيسة؟

الصادق الغرياني... ماذا يبطن خميني ليبيا من فتاوى التحريض المسيسة؟


08/04/2024

ما زال مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني يبعث بفتاواه التحريضية المسيسة في المجال العام وفي الفضاء الافتراضي، حتى يفاقم من الأوضاع المأزومة سياسياً وعسكرياً، ويتيح الفرصة كاملة لنشاط الجماعات الإرهابية المسلحة والتنظيمات الإسلاموية. ولا يدع الغرياني موقفاً سياسياً محلياً أو إقليمياً إلا ويحرك سلاحه الديني ليكون وسيلة للنزاع وإدامة الصراع الدموي.

الفتوى بقرار سياسي

وقبل فترة وجيزة عاود المفتي المعزول انتقاد فرض البرلمان الليبي ضريبة بخصوص بيع النقد الأجنبي، وعدّ ذلك الأمر بأنّه "لا يمكن أن يأتي بخير"، واعتبر تلك الخطوة "معصية لله"، وحمّلها لمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، وقال: "لا يمكن أن تصل إلى ما يصلح الأمر، ويخففه، ويرفع الأزمات، ويحلّ المشاكل، بمعصية الله".

واتهم الغرياني محافظ البنك المركزي الليبي بأنّه يسعى لترضية جهات استخبارات أجنبية، وقال: "استمعت إلى أحد سفرائهم، فاعلم أنّه غاش".

ولا تُعدّ هذه الفتوى هي الأولى من نوعها، وإنّما للمفتي المعزول سيرة مشبوهة من الاعتماد على موقعه الديني وتأثيره بالفتوى للتحريض واللمز والغمز ضد خصومه السياسيين منذ عاد من تركيا، ولخدمة تياره الإرهابي المتسبب في الانقسام وعدم الحل السياسي والفوضى، بالإضافة إلى بقاء السلاح في ليبيا كحالة سياسية وميدانية تؤدي لغياب الحل. ومن بين أخطر فتاواه السابقة التي تحمل تحريضاً مباشراً على القوات النظامية الوطنية ودورها في تأمين سيادة وحدود البلاد: "حرّم فيها على من يحرسون المعابر منع من يريد اقتحامها من العبور"، وقال: إنّ "اقتحام المعابر فرض عين على المسلمين دفاعاً عن إخوانهم وعن حرماتهم وأمهاتهم ونسائهم".

سيرة عنف وإرهاب

وفي تلك الفتوى، كما في غيرها، إشارات واضحة للانتماء الأممي الذي تتبناه الجماعة الأم لتيار الإسلام السياسي الإخوان المسلمين، وتماثلها في ذلك مع باقي التنظيمات، ولا تعترف بحدود أو سيادة وطنية، وإنّما هي مجرد كتل ترابية تدوسها أقدامهم وتتسلل بين جيوبها لإحداث الفوضى والصراع حتى يحدث "التمكين". 

ويمكن القول إنّ الغرياني يقوم بدور وظيفي واضح عبر فتاواه لحسابات سياسية مؤقتة، وأحياناً يتم استدعاؤه لهذا الغرض، وقد "لجأ الدبيبة إلى الاستعانة بالنفوذ الديني للغرياني كرئيس لدار الإفتاء، وحصل على مباركته للاستمرار كرئيس للوزراء، وهي خطوة سمحت له باستعادة بعض نفوذه في طرابلس دون تقديم تنازلات سياسية"، وفق معهد واشنطن. وتابع: "كان هذا التحالف غير مسبوق في ليبيا، حيث لم يكن الغرياني صاحب المواقف الدينية المتطرفة قريباً من الحكومات السابقة المتنافسة مثل حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج أو الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني المقرب من العسكريين. ومع ذلك فإنّ تأييد الدبيبة للغرياني كـ "شيخ ومعلم" فتح الباب أمام حملة قمع ثقافية إسلامية واسعة".

 

مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني يبعث بفتاواه التحريضية المسيسة في المجال العام الليبي وفي الفضاء الافتراضي، لكي يفاقم من الأوضاع المأزومة سياسياً وعسكرياً.

 

وبحسب المعهد الأمريكي، فقد سبق لحكومة الدبيبة أن "أعطت للغرياني الضوء الأخضر الذي كان ينتظره للبدء في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فانطلق المفتي في حملة دينية تحريضية متشددة ضد المرأة الليبية، وأصدر فتوى دينية تمنع سفر المرأة دون مرافق. واستجاب "الأمن الداخلي" لتلك الفتوى المتطرفة، وقام بفرض نموذج إذلالي مُهين قائم على التمييز الجنسي يقيد حرية الليبيات في السفر من مطار معيتيقة، وأثار بطبيعة الحال جدلاً وغضباً بين مناصري حقوق الإنسان ونسويات ليبيا. وبعد إصدار هذه الفتوى، أجبرت النساء اللاتي يسافرن بمفردهن على توفير تفاصيل حول رحلاتهن وأسباب عدم وجود "مرافق ذكر".

وفي صدارة الموقع الرسمي للصادق الغرياني مقطع يبدو دعائياً ومثل إعلان تحريضي على "الجهاد"، وله صلة بالأحداث في غزة، غير أنّ المقطع يحمل ضمناً تحريضاً ليس على إسرائيل وإنّما على الحكومات بالمنطقة، حيث إنّ السطور تبطن عداءً واسعاً بحق الأنظمة وتعبئة المواطنين ضدها، من خلال استغلال مشهد الحرب في غزة، ومحاولة توظيف أحداثه وتفاصيله وملابساته المشبوهة لصالح إعادة تموضع الإسلامويين مرة أخرى بوسائل الضغط أو الابتزاز. يقول الغرياني: "والواجب -إذ تخلت الحكومات- أن تغني الشعوبُ المسلمةُ المجاهدين القائمين بالفرض نيابة عنهم، وتوفر لهم من الأموال ما يغنيهم ويُعدّون به العدة، فإنّه لا يجوز للمسلمين أن يتركوا المقاومة تتسوّل ما تدفع به العدوَّ نيابة عنهم، بل إنّ المسلمين هم من يجب عليهم أن يسعوا إلى جمع الأموال العظيمة وتقديمها للمجاهدين، وهذا ليس تفضلاً مندوباً إليه ومنّة منهم، بل هو فرض عليهم في أعناقهم من فروض الإسلام. فهل قام العلماء بواجبهم في استنهاض همم مليار ونصف المليار من المسلمين، وبينوا لهم الأحكام، وخرجت لهم الفتاوى الجماعية؟".

أفغنة ليبيا

ثمّة إشارات لافتة في تقرير لمعهد واشنطن تقول إنّ المفتي المعزول الغرياني سبق له أن طالب حكومة الدبيبة بميزانيات مالية خاصة لمحاربة الذين يغيرون دينهم إلى المسيحية، كما طلب تمكينه من المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية. وفي الواقع كانت دار الإفتاء تتحصل شهرياً على تمويل تخصصه وزارة المالية من المصرف المركزي الليبي، ويأتي هذا التمويل متزامناً مع استضافة ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان الأفغانية لعضو دار الإفتاء الليبية سامي الساعدي، في إطار سياسة التطبيع التي ينتهجها الغرياني مع حركة طالبان.

وتابع: "استطاع تيار السلفية الجهادية الذي يمثله الغرياني، والممول من قبل الدولة والمؤثر سياسياً، إعادة سيطرته على عدد لا بأس به من مساجد طرابلس التي فقدها لصالح التيار السلفي الممثل في هيئة الأوقاف. وبعد فتاوى وهجوم مستمرين من المفتي ضد منظمات العمل المدني الليبية، أصدرت إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء في 8 آذار (مارس) 2023 فتوى تنص على "عدم شرعية الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني" التي أنشئت بعد عام 2011، ولا يمكن للمصادفة أن تلعب هنا دورها في تطابق الفتوى القانونية مع فتوى دينية سابقة، وهو مؤشر واضح على نفوذ التيار الديني داخل مؤسسة القضاء. وما زاد الطين بلة هو تصاعد التنافس الحاد بين التيار السلفي الذي يقوده رئيس هيئة الأوقاف في طرابلس محمد العباني، وبين التيار السلفي الجهادي الذي يتزعمه الغرياني. وكان ذلك واضحاً في صراع الهيمنة على شرعية إعلان عيد الفطر الذي انتهى بصيام نصف الليبيين وإفطار النصف الآخر".

إذاً، فتاوى وأقاويل الصادق الغرياني لها دلالة في توقيتها، وحتى نفهم التوقيت ينبغي  أن نعود إلى الخلف قليلاً حتى نفهم كافة التحركات التي حدثت في مدن رأس جدير وزوارة والزاوية، وتكليف وزير الداخلية عماد الطرابلسي بتفتيت المهربين والميليشيات هناك، حسبما يوضح الكاتب الليبي محمد عادل امطيريد.

 

يقول امطيريد لـ (حفريات): "رفع قيمة الدولار بالضريبة له عدة قراءات وزوايا، غير أنّ فتوى الغرياني تعكس دائماً تفكيره الاستراتيجي الذي يميل إلى التكفير.

 

ويقول امطيريد لـ (حفريات): إنّ "رفع قيمة الدولار بالضريبة المضافة التي قام بها مجلس النواب ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح مع السيد الصديق الكبير لها عدة قراءات وزوايا، غير أنّ فتوى الغرياني تعكس دائماً تفكيره الاستراتيجي الذي يميل إلى التكفير وتضليل الناس بخصوص القيادة العامة في الشرق، ووصفهم بأنّهم خارجون عن الدين والملة. ويعلم الجميع أنّ فتاوى المفتي المعزول لا يقبلها المنطق ولا الإنسانية ولا الدين، ولكنّ انحياز الغرياني إلى الدبيبة واضح وصريح. الصديق الكبير عندما أرسل إلى الشرق قيمة مالية بوساطة خارجية، والصراع القائم بين الشخصين هو أساس انحياز الدبيبة لهذه الفتاوى التي قام بالتصريح بها في هذا التوقيت. وكأنّ الأمر بدأ يخرج عن السيطرة اليوم بعد الاعتداء عليه في منزله، وبعد تحشيد كبير من قبل كتائب مصراته هناك في طرابلس". 

هناك على ما يبدو اصطفافات اجتماعية أيضاً مع الفاعلين المحليين، وهناك مؤتمر عقد في تونس في وقت سابق، مفاده تأسيس حكومة جديدة بدعم دولي، كما أنّ الدبيبة بدأ يفقد كل المناصرين له، ممّن كانوا سابقاً في مجلس الدولة والمجلس الرئاسي معه، بالتالي، فالصراع اليوم أصبح صراعاً سياسياً بنمط عسكري. وحتى هذه اللحظة كل الدلائل تشير إلى أمر كبير وجلل. وأن يخرج الغرياني في هذا التوقيت للتحدث، ويصرّح بهذا التصريح، له دلالة واضحة هي أنّ الأمر بدأ يخترق الدبيبة، وأنّ الصراع قادم لا محالة، وأنّ الصراع لن يكون عسكرياً فقط، واحتمال أن يكون هناك انقلاب سياسي، أو أن يكون هناك تدخل دولي، وإخراج بشكل سلمي بدون قتال. 

في المحصلة ما أتحدث به اليوم هو أنّ الدبيبة في ساعاته الأخيرة، أو في لحظاته الأخيرة، بحسب المصدر ذاته.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية