الضمير العالمي "أعور بمزاجه"

الضمير العالمي "أعور بمزاجه"

الضمير العالمي "أعور بمزاجه"


25/10/2023

صلاح البلك

الخطاب الدبلوماسي العالمي وبعض الخطابات العربية تشابهت كثيراً في إطار موقفها من القضية الفلسطينية وما ترتكبه إسرائيل من مجازر في قطاع غزة على مدار الساعة طوال الأيام الماضية والحصار الذي تفرضه، وهو ما كشفته تصريحات معظم السياسيين وعلى رأسهم المتحدثون في «مؤتمر القاهرة للسلام».

لم تمر كلمة ممثل لدولة تقريباً دون إدانة استهداف المدنيين من الجانبين، مساوياً بين الضحية والمجرم، في سابقة لم تحدث من قبل من جانب بعض الحكومات العربية وجامعتهم.

تناسى الغرب حقيقة مهمة تتعلق بشرعية الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، والذي لا يستند بالأصل لا إلى القانون الدولي ولا إلى شرعية تاريخية، بخلاف الاستيطان المجرم دولياً في الأراضي المحتلة.. الإنسانية الغائبة والكيل بمكيالين ومساندة الغاصب المحتل كانت سمتهم المشتركة.. تراهم مع طرف وضد طرف آخر دون معايير تتعلق بالقيم الحضارية للإنسانية.. هي الأهواء والمصالح وتوجيهات الصهيونية العالمية.

تعمد الساسة والحكام اختيار التوقيت الذي يقيمون الحدث على أساسه، فكان موعدهم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الذي يمثل عملاً من أعمال المقاومة لا لبس فيه في مواجهة المحتل الذي يواصل طوال عقود قتل وتشريد الفلسطينيين.. يفتح المجتمع الدولي عيناً ويغلق أخرى ليرى المقاومة الفلسطينية إرهاباً، ويغمض أخرى عما يرتكبه جيش الدفاع الإسرائيلي من مجازر.. النظام العالمي «الأعور» لم يرَ ملايين المحاصرين دون ماء أو دواء أو طعام، وشاهد بوضوح الادعاءات باعتداء المقاومة على من يسمونهم «مدنيين إسرائيليين»، وليسوا كذلك على الإطلاق.

أن تكون مستوطناً يفقدك صفة المدني وبشكل مطلق.. أنت مُغتصب استوليت على أرض غيرك وبيته وتلاحقه أنت وجيشك لتقتل أطفاله وتحاصره في بيته إن لم تطرده.

السلطات الإسرائيلية تنقل الإسرائيليين إلى المستوطنات، وهي جريمة حرب. وفقاً لمنظمة «السلام الآن» الإسرائيلية، تمارس إسرائيل تمييزاً عنصرياً رصدته منظمات عالمية في الوقت الذي لم تلحظه النظم العالمية العوراء.

معظم سكان المستوطنات يؤدون الخدمة العسكرية الإجبارية للرجال والنساء، وإن كان من رعايا دول أخرى، طالما كان يهودياً وفوق سن الثامنة عشرة، وتمتد فترة التجنيد 24 شهراً للنساء و36 شهراً للرجال، ويواصلون خدمة الاحتياط حتى سن 34 عاماً للنساء و39 للرجال.

حسم مركز الأزهر العالمي للفتوى المسألة منذ اليوم الأول للمواجهات، واعتبر جميع المستوطنين في فلسطين لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين، وجميعهم جنود سابقون أو لاحقون.

وقال الأزهر عبر صفحته على «فيس بوك» إن «تصنيف المدنيين لا ينطبق على المستوطنين الصهاينة بالأرض المحتلة، بل هم محتلون للأرض، مغتصبون للحقوق، منحرفون عن الصراط المستقيم، الذي يتجسّد به الأنبياء، معتدون على مدينة القدس التاريخية، بما فيها من التراث الإسلامي والمسيحي».

وأوضح أن «عمليات المقاومة الحالية حلقة جديدة من سلسلة نضال شعب فلسطين، وإرهاب الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وجزء صغير من رد عدوانه التاريخي البشع على المقدّسات والأرض والشعب الفلسطيني، بلغة القوة التي لا يفهم الصهاينة غيرها».

«هذه القوة المحتلة تنتهك بوقاحة القوانين الدولية وتتجاهل حقوق الإنسان الأساسية، بينما تتمتع جميعها بدعم عالمي يظهر نهجاً منافقاً ومعايير مزدوجة».

العوار العالمي تحول إلى نهج ثابت معطل ومعرقل لكل التحرّكات الهادفة إلى تحجيم الصراع أو حتى إطلاق مبادرات ودعوات وقف الاعتداء، وهو ما حدث خلال قمة القاهرة للسلام، التي اكتفت بالبيان الصادر عن رئاسة القمة، نتيجة اختلافهم حول المفاهيم والموقف السياسي من أطراف النزاع.

مصر كما جاء في بيان الرئاسة كانت تتطلع «لأن يطلق المشاركون نداءً عالمياً للسلام يتوافقون فيه على أهمية إعادة تقييم نمط التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية».

وأقر البيان بوجود «قصور جسيم (في المشهد الدولي) في إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية»، مُضيفاً «كشفت الحرب الجارية عن خلل في قيم المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمات، فبينما نرى هرولة وتنافساً على سرعة إدانة قتل الأبرياء في مكان، نجد تردّداً غير مفهوم في إدانة الفعل نفسه في مكان آخر».

مصر بمكانتيها الدينية والسياسية في العالمين العربي والإسلامي تقود محاولات «تصحيح الإبصار» للمجتمع الدولي المصمّم على التعامي، رغم ما تفضحه وسائل الإعلام وتحتج على استمراره الشعوب التي تجوب شوارع العالم احتجاجاً على تجاهل الحقيقة ومناصرة المعتدي وتورط الولايات المتحدة والغرب في «جريمة القرن» وحرب الإبادة الجارية في غزة.

أخطر النتائج تتمحور في احتمالات اتساع المواجهات وتدخل أطراف أخرى تصر إسرائيل على استدعاء ممثليها في المنطقة إلى ساحة الحرب دون تقدير للعواقب، وهو ما بات وشيكاً ولن يكون بإمكان أحد وقفه أو تقليل نتائجه المدمّرة، التي قد تطال العواصم التى أيدت العدوان.

عن "الوطن" المصرية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية